إنّ وجود الثورة في أي مكان لا يمنع من بناء مؤسسات المجتمع , بل يدفع بالثورة الى أن تكون شاملة لتحرير المظلوم من الظالم والمحافظة على تحقيق اهدافها بعد سقوط الظلم , ولهذا فإنّ ما يتبادر لعقلية بعض الثوار إنّ الثورة تحطيم كل شيء ليست عقلية صحيحة تدرك حقيقة التحديات بعد الثورة وعند قيام الدولة , ومن هنا تأتي الثورة المضادة والبلطجة , وحينها يقلق المجتمع الذي ينادي الثوار لتحريره مما يكون بعد الثورة , ويفقد الثوار أعظم مرتكز لثورتهم وهو المجتمع الذي من أجله ثاروا, والناظر الى ثورة الانبياء عليهم السلام يرى التوازن في هذا الباب ,فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم اذا عاد من غزواته يعود الى حياته الطبيعية فهو في الجهاد في اول الصفوف وفي بيته يقوم بخدمة اهله . ويدير بناء المجتمع بحكمة وتؤدة دون ان يسيطر عليه خطاب الحروب الملتهبة التي دائما ما يعتريها خطاب الحماس والقوة , بل لم تمنعه تلك الاحداث ان يكون لينا رفيقا , والذي ينظر الى ثورة موسى عليه السلام ضد فرعون والتي ذكرها الله في عدة مواضع من القران الكريم يجد كيف ان موسى عليه السلام ركز وهو يثور ضد فرعون على امور هي مرتكز المجتمع وهي النزول الى الشارع وملامسة مشاكلة بحيث يعتقد افراد المجتمع الذي تثور من اجله انك ستقف معه في مشاكله اليومية . ويتجلى ذلك من قصة موسى عليه السلام في قوله تعالى (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ) وهذا الموقف يبين لنا امرين الاول :عندما استغاث الرجل من بني اسرائيل بموسى يبين معرفة بني اسرائيل بموسى انه منهم وينصرهم مع انه عليه السلام تربى في قصر فرعون وإلّا من يجرؤ منهم أن يُشفّع ضد جند فرعون أحد إلّا أن يكون موسى عليه السلام . ومن هنا يتجلى أن وقوف موسى عليه السلام مع ذويه من قومه المظلومين ليس عنصرية ولا عصبية جاهلية كما وصفه البعض , الثاني :التزام السلمية عند العجز فالله عز وجل لم ينكر عليه نصرته لرجل من قومه بل انكر عليه ان يصل الامر الى حد قد لا يحقق المصلحة وهو قتل احد جنود فرعون وان كان يستحق القتل من حيث انه من جند فرعون قال تعالى (ان فرعون وهامان وجنودهما كانوا ظالمين) وهو شبيه بالثورة السلمية . وفي الحديث ان الناس يوم القيامة يأتوا لموسى عليه السلام ويطلبوا منه الشفاعة عند الله فيرفض ذلك المقام ويذكر ذنب قتل النفس – والله واعلم انه وان كان يستحق القتل لأنّه كافر ومن جنود فرعون الذين سفكوا دماء بني اسرائيل إلّا أن القتل لمن يستحق القتل في وقت ليس فيه مصلحة يعتبر قتل لنفس محرمة لما يتبع ذلك من مفاسد قد تؤدي الى قتل المؤمنين من الطاغية - ولم يذكر انه كان منه جاهليه وعصبيه لقومه وعصبته ومن هنا يعلم التفريق بين الواجب الذي ينبغي ان يقدمه المصلح مع المظلومين من قومه وذويه , والعنصرية المقيتة التي حرمتها كل الاديان السماوية .