الدخول إلى اليمن أشبه بالذهاب إلى الجحيم هكذا يصوره الكثيرون والأغلبية المجتمعية حال وصولي بعد غياب طال العامين. أخبار الجنازات والموت المفرط، الحرب والاغتيالات، الفقر المدقع والأمل الذي غاب عن الكثيرين والانتظار الطويل دون جدوى. كل الأسئلة التي حاطت بي كانت تبدأ (لماذا أتَيت) (لماذا عُدت) هذه الأسئلة بالنسبة لي معقدة الإجابة شبيهه ببحر فاسخ يلقي بأوساخه على أنفسنا ويلصق بنا التشاؤم واللا رضى. تخيلوا معي أن جيل بأكمله يسقط في هذه المغارة كل يوم ، جيل يفقد الأمل وتتحول استجابته النفسية إلى انفعالات مرَضية. يصبح الجيل، الجيل الذي يسبح في هذا البحر الأسود، متوجساً وخائفاً، يعيش في انتظار المصيبة، دائماً هناك مصيبة وهي في مكان ما وستضربه الآن أو غداً. أصبحت البنية للشاب اليمني هشة ووقتية. قبل سنوات كنت أسمع بتخصص علم النفس ونادرا ما أقابل متخصصين في هذا المجال ومما قيل أن هذا المجال يفقد عقل دارسيه أو المتعمق فيه ولما أتت الحروب ذهب الناس يدرسوه بلهفه لمعالجة الآمهم .. تلك الآلام والمخاوف والانفعالات المرضية التي أصابت الناجين من الحرب، عاشوا معها وعذبتهم. وهي آلام واضطرابات نفسية من الممكن أن تورث إلى الأبناء وربما الأحفاد. نعاني، أنا شخصياً وكثيرون منكم الصدمات المفاجأة، البكاء دون سبب وقد عملت لسنوات في الدعم النفسي والاجتماعي.. أمر مهم أن تعرف أن العلاج يجب أن يأتي بتصوير حالة من الأبداع من داخل نفس المريض وأن المريض لن يرتاح نفسيًا إلا إذا رأى إبداعًا. ومن الإبداع أن يخسر حزنك ويبقى طرف ناجح في كل معاركه خلال النصف قرن الأخير، وتخيلوا معي إذا خاض معركتين في الوقت نفسه، حتمًا سيكون المنتصر وهنا أتكلم عن الصديق البهي عمرو جمال فرقة خليج عدن والتي يقودها عمرو جمال استطاعت أن تخلق قالب فني عريق وتحيي عجلة الثقافة الميتة من زمن وهذه أحد الوقائع التاريخية تدفعنا إلى القول ما زال هناك من يهتم لإبتسامة الآخرين ما زال هنا كيان أسمة خليج عدن يسعى بكل أفكاره لينتصر على كل هذا البؤس. ينتصر عمرو جمال في معاركه ، فقد استطاع الركوب على كتفي الحزن والقهر . ذلك أنه، ربما، لا وجود له. أو أن الحروب التي يكسبها في الأخير لا يخوضها من الأساس لأن الناس ببساطة معه وهو القادر على خلق طابع فني فريد يشارك الجميع. 10_أيام_قبل_الزفه لم يكن العمل الفريد الأول لهذا الشاب ويبدو جليًا من الحضور الذي لم يعد يخلو من عرض ولم يعد للمشاهد إلا أن يحضر هذا العرض تكرارًا ومراراً وهذا بحد ذاته يمثل الجنون. 10_أيام_قبل_الزفه جسدت واقعاً بهرر الجميع عند رؤيته وكأنه يحكي قصة 300 مشاهد حيث يقاتل "مأمون" باستماتة دفاعاً عن مملكته "رشا"، ولا يوجد معنى آخر لقتاله. وبالمقابل تواجهه حرب حقيقية، وما يستعد لخوض معركة جديدة يسقط الجزء الأكبر. البارحة كنت أحد الحاضرين ولا مبرر لهذا الحضور الكثيف إلا أن العمل مميزا جدا ويحمل فسحة أمل لكل من حضر وظل جميعهم يحزن لمشاهدة واقعهم الأليم وسرعان ما يقهقه عاليا عندما يجد الفكاهة قد تجسدت وشرحت الواقع بالتفصيل رسمته كثيرا "تقية" مالكة "الحوش المحترم" والتي وجدتها الصدفة بعدما كانت لا تملك نعالاً لكنها الحرب خلقت منها سيدة أعمال تقدم أعمالا للحفاظة وللامانة كانت هي سيدة المشهد الفكاهي. 10_أيام_قبل_الزفه عمل سينمائي مميز جمع كل فئات المجتمع بصفاته وأخلي تماما من السياسيين وهي بحد ذاتها رسالة لهم (لم تعودوا ذات أهمية في أعمالنا الإبداعية تقول أيها الرابحون على جثثنا! ألا توجد طريقة لخلق الأخبار السعيدة وتبادلها كعمرو جمال وفرقته؟ أم أن طريقة صب القذارة في مياه نقية صفة مهمة في حياتكم؟ أما عني.. فلصديقي السلام