عبدربه منصور هادي أسم ارتبط بأكثر الأحداث السياسية والعسكرية إثارة وتراجيدية ، وملأت سنوات حكمه القليلة الدنيا جدلا ، وشغلت الناس قريبهم وبعيدهم هما وقلقا أكثر من أي وقت مضى، في تاريخ اليمن المعاصر. فهو الرئيس اليمني القادم من المؤسسة العسكرية الجنوبية ، التي تركها قسرا في أعقاب الحرب الأهلية الجنوبية ، في العام 1986 للميلاد، ميمما وجه تلقاء صنعاءاليمن، عله يحظ بنسمة باردة افتقدها في معمعة الطقس السياسي والأمني الساخن في قلب وطنه الجنوب.
صنعاء التي وصلها هادي طالبا اللجوء السياسي المفترض نيله بها، في أحسن الأحوال وأنسب الظروف ، كانت هي المحطة التي انطلق منها قطار مسيرته نحو عالم السياسة المجهول، ومالأت السلطة في بلد يعج بالمخاطر وكثرة التقلبات.
بسهولة تامة استطاع هادي التغلب على ظروف عصيبة كثيرة لازمت سيرته المضنية ، غير أن واقعة الهرب من الجنوب، كانت هي الذكرى التي استقرت مرارتها في أعماق قلبه. وما إن اشتد عوده وقويت شوكته، حتى أعصم بقيوم رحله ، فأتى الجنوب ظافرا يجر في أثره جيشا من الفاتحين.
مر الزمان كمر السحاب ، وأصبح بإمكان الرجل الكهل الذي اعتاد حرارة أجواء الجنوب ، في أن يكن أكثر تكيفا مع لسعة زمهرير العاصمة اليمنية ، من أهلها أنفسهم.
هادي أصبح رئيسا لليمن ! إنه يقف الآن على رأس هرم السلطة ، في بيت النفوذ والسيطرة ، ومركز الجاه والولاء والطاعة. سوف يأمر وسوف ينهي .. وسيصدر التوجيهات اللازمة كلما اقتضت الضرورة لذلك. الأمر هنا دخيل على مفاهيم الإرث الزيدي ويمثل خرقا لطقوس الهيمنة المطلقة. رجل غريب يطأ قدسية المكان في غفلة من القوم، ويجتاز على حين غرة، كل الموانع والمحظورات.
تمضي عقارب الزمن بوتيرة أسرع من المعتاد ، ويمضي الرئيس بدوره في مشروع فكفكه شفرات خلايا منظومة الجيش الأغرب ، بين جيوش العالم المتحضر . 300 ألف عنصر هم عداد جيش نصفه متعدد ألولاءات والنصف الآخر فيه من الأشباح، أو سمه ما شئت ولا غرابة ، حينما يصبح هذا الكم المهول من الأسماء الوهمية موضوعا على طاولة الخزينة العامة مع نهاية كل شهر.
كم هو مهين لقيم وأدبيات قوم اعتادوا أن لا يروا هذا يحدث أمام أعينهم ، وفي أوج سطوتهم وهيبة قواهم التي تدين لهم بالإخلاص والانقياد الصرف ، رغم كثرة ألوانها وأسماءها ، وتعدد مظاهرها المنتهية ، على امتداد الحقب التاريخية المتعاقبة.
الحوثيون الآن هم الحل، والرهان عليهم سيكون حتما موجعا، إلا أنهم قد باتوا ضرورة لتخليص صنعاء من ورطة عمرها.
مهما كانت الكلفة باهظة ومهما بلغ حجم التضحيات !، لقد استلزم الحال لملمة الشرف المهدور ورد الناموس وإعادة الاعتبار.
حسم الأمر قبل فوات الأوان فكانت جميع الخيارات المتاحة لإزاحة هذا الغول الجامح، تفضى حتما الى "الحرب أو الحرب" لكن برداء مختلف عما هو مألوف، وشعار أطلق عليه مصطلح "الصرخة" فهلموا جميعا يرددونها مدوية في وجه صاحبنا، حتى ألقوا به خارج أسوار مقدساتهم الإعتبارية، الى الأبد.
لقد ظن أولئك بصاحبنا خلاف ما يبطنه لهم بظهر الغيب، صحيح أنه قد بات مهزوما مدحورا، غير أن سهام نصله لا تخطئ صيدها.
مؤلم يكن في حسبان المنتصرين ؛ هو أن هادي الذي غادر البلد من أقاصي الشرق، يجر وراءه أذيال الخيبة وعار الهزيمة؛ قد أطل عليهم من فوق رؤوسهم بعاصفة من اللهب، خارت معها العروش وتهدمت الأمجاد ، وما كان "بصرخة الغلبة" تلك، إلا أن تصبح عويلا يتردد بين جمر ودخان. وتلك هي .. ضريبة الخطأ الفادح!!.