ما إن تذكر منطقة الأزارق (التي ينطقها العامة: لزارق)- تلك المديرية الضالعية الجميلة حتى يهطل على الذاكرة سيل غزير من المعاني والمفردات الجميلة والأصيلة التي تميز المنطقة وسكانها، أهم تلك المفردات جمال الطبيعة وعطاؤها، بساطة الناس ونقاؤهم، مجد التاريخ وكبرياء الاهل وسيرة عريقة من التحدي والمواجهة في سفر الحرية والكرامة والتطلع إلى الآتي الأفضل والأعدل، وإباء الضيم والانتصار للحق والحقيقة ورفض الظلم الزيف، فمنذ الشيخ محمد عواس في النصف الثاني من الأربعينات من القرن العشرين (انظر الأمناء نت https://omanaa.net/news71434.html)، الذي وجه سلاحه إلى صدر المندوب البريطاني لازدرائه الأهالي وإهانة كرامتهم حتى شهداء العزة والكرامة في العام 2015م هناك مجلدات ضخمة من سيرة عطرة للنضال والتضحية والإباء يحفل بها تاريخ الازارق كجزء لا يتجزأ من تاريخ الجنوب الأبي. يروي الكثيرون أن الأزارق كانت ذات يوم سلة غذاء كل الضالع والمناطق المحيطة بها لخصوبة تربتها وجاهزية أهلها للعمل والكفاح وصبرهم على الشدائد وانتصارهم عليها، وكان الناس يقدمون من الشعيب والضالع وزبيد وجحاف والحشا وقعطبة ومريس وربما من مناطق أخرى للعمل وكسب العيش في الأزارق نظرا لاتساع أراضيها وجودة ثمارها، وعدم كفاية اليد العملة من أبنائها، ويعود هؤلاء بشيء من خير الازارق الوفير لينعموا به مع أهاليهم في المناطق التي أتوا منها.
ولأن للزمان دوراته وللعصور سننها وقانونيات صيرورتها، فقد تغيرت الأمور ونشأت حرفٌ أخرى وفتحت أبوابٌ جديدة لكسب العيش وكانت الهجرة واحداً من المجالات المنافسة للازارق التي بقيت محتفظة بتميزها الزراعي الذي تراجعت مكانته في سلم مصادر العيش.
واليوم تعيش الأزارق أزمةَ مجاعةٍ شديدة تتداخل فيها الأسباب الطبيعية المتصلة بالتغيرات المناخية، بالمجتمعية المتصلة بتنامي الحاجات المجتمعية وعجز الناس عن تلبيتها، بالسياسية المتصلة بغياب الدولة وتخليها عن أبسط واجباتها وهو حماية أرواح الناس وحيواتهم من الموت، . . . أزمةً تتناسل منها أزمات عدة كلها تهدد حياة الناس هناك لعل أهما انتشار سؤء التغذية والأوبئة واحتمال حدوث وفيات وبالمئات وربما بالآلاف.
المجاعة في الازارق وصمة عار في سجلِّ حكومة الشرعية التي لم تحرك ساكناً ولم تقل كلمةً ولم تتخذ موقفاً من أجل إنقاذ الأمومة والطفولة والإنسان بشكل عام في هذه المديرية الأبية، ولم تنظر إلى هؤلاء الضحايا على إنهم مواطنون لهم الحق في الحياة بسكينة وبحدود ادنى من الكرامة والعزة بل لا نستبعد إن هناك من بين مسؤوليها، من قد يتشفى ويستمتع برؤية المجاعة ترسم أخاديدها في أجساد الأهالي، وسوء التغذية تتجلى فجاجته على أجساد الأطفال والنساء والرجال.
إنقاذ الأزارق واجب أخلاقي ووطني وإنساني بعد أن تخلت السلطة المفترض انها شرعية عن أهم واجباتها وهو حماية حياة الناس وأرواحهم من الموت المحقق وهذا الواجب يشمل عدة أطراف أهمها الأشقاء في دول التحالف والمنظمات الإغاثية العربية والدولية، والمقتدرين من رجال المال والأعمال ومن عامة المواطنين، أما الحكومة الشرعية فقد فقدنا أصغر ذرة من الأمل في الرهان على صحوة ضمير لدى أيٍ من القائمين عليها فهم منشغلون بترتيب أوضاع أقربائهم وترتيب منازلهم الجديدة في القاهرة واسطنبول وغيرها من المدن الهادئة والجميلة، (إلا من رحم ربي).
الازارق وأهلها ليسوا بحاجة فقط إلى الغداء، بل إنهم يحتاجون إلى الغذاء والدواء ومياه الشرب النقية واللباس ومراكز الإسعاف ونقل المهددين بالموت إلى مستشفيات أكثر قدرة على تقديم الخدمات الإنقاذية رغم سوء الأحوال في عموم البلد.
إنني إذ أثني على قرار هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي العاجل والقاضي بإنشاء لجنة طوارئ لمتابعة أزمة المجاعة في الازارق فإنني أتفهم حجم التحدي وضخامة المسؤولية وشبكة التعقيدات التي سيمرون بها لتحقيق هذه الغاية النبيلة، لكنني أعتبرها خطوة عظيمة تجمع بين البعد الإنساني والمسؤولية الاجتماعية والتصرف الأخلاقي والوطني المسؤول، وأدعو كل من يعنيه الأمر إلى التعامل بإيجابية مع هذه اللجنة لتسهيل مهمتها والإسراع في إنقاذ من يستحقون الإنقاذ من أبناء الازارق وبناتها ومن شيوخها ورجالها ونسائها.