الظلام أيضا سبب في ارتجافي .. القذائف تسقط من السماء كالمطر . المكان لا يعرف الهدوء .. الدخان يحجب عني الرؤية . إحدى القذائف سقطت بالقرب منا . تحركنا إلى الأمام بدبابتنا ، تركت ماسورة الدبابة مصوبة إلى الخلف . توقفنا خلف عربة محترقة بما فيها . التفت إلي سائق الدبابة .. صاح : أدر مدفعك إلى الأمام . كنت أنظر إليه في هلع . صرخة صوته بقى محصوراً في غرفة الدبابة : ألا ترى ؟! عربة العدو أمامنا ! "العدو !! أي عدو؟" فكرت في نفسي .. قلت في هلع : لا أقدر .. أنا خائف . جباااان ! حدق بي بقسوة .. لم تكن أكثر قسوة من الحرب . تراخت عينياه .. وتراخى صوته : أيها المجند .. آمرك بترك مكانك . صوته الهادئ لا يناسب هذا المكان العنيف . تركت مكاني على الفور فرحاً بالحياة . وكان ينتظره الموت. رحت أركض .. أنا أركض وقلبي يركض . كل ما حولي يركض . تعثرت كثيراً بالجثث والجرحى . السماء لم تتوقف عن إسقاط قذائفها . أحدهم ناداني . مجند بترت ساقه ويده اليمنى : ساعدني ! ماذا أفعل ؟ اقتلني . لا أقدر . أعطني سلاحاً . لا أستطيع ! جبااان . تركته .. وصوته الأليم يلاحقني . أيتها الحرب ماذا فعلت بنا .. لم جعلت منا قساة ووحوشاً . توقفت عن الركض ومازال صدري وقلبي يركضان . بعثرت عينيَّ في ذعر حول المكان .. لقد دمر المعسكر تماماً ، الجثث والمصابون في كل مكان . توقفت السماء عن قذف قنابلها .. صرخت في هلع : لاااا.. ! مازلت هنا ! نظرت إليه في ببلاهة . جندي لا أعرفه . قال أيضاً : أهرب .. إنهم يقتحمون المعسكر بأعداد كبيرة كالجراد . هززت رأسي بالنفي . سيقتلونك .. قدماي مجمدتان .. لا أقدر على الركض ... أنا خائف . تركني . أحاطت بي عربات مجنزرة عدة . وجنود ليس من معسكرنا .. تقدم أحدهم . سقطت على ركبتيّ ورحت أبكي . قال بصوت قاطع وحازم : لا تبكِ .. لن نؤذيك... ستعود غداً إلى بيتك .