اندلعت الاحتجاجات الجنوبية الغاضبة قبل أكثر من شهر جراء ما يتعرض له الجنوب من تدمير وتجويع نتيجة سياسية التحالف الغير عادلة.. تلك الاحتجاجات التي انفجرت عفويا هنا وهناك وركب موجتها المجلس الانتقال بإعلانه الشهير بالتصعيد والوقوف الى جانب الجماهير في محنتها وانتفاضتها التي أجهضت وكان للانتقالي النصيب الأوفر في الوصول الى هذه النتيجة. تتأهب اليوم الجماهير وتستنفر كل قواها للدفاع عن نفسها ومستقبلها والحشد لمواجهة خطر الموت جوعا وتجنب الوقوع في براثن العودة الى حضن عائلة عفاش والتبعية والاستعباد الذي تفرضه علينا دول التحالف بمصادرة القرار الجنوبي والاستيلاء على ثروات الجنوب وموانئها. أيضا مرة أخرى أصدر الانتقالي بيانه الشهير بتأييد الانتفاضة والدعوة للاحتشاد لوضع اليد على مرتكزات الجنوب الاقتصادية وإدارة شئون الجنوب. امام كل هذا التأهب الجماهيري أصدر الانتقال بيانه الركيك لإلغاء احتفالية ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر بل انه خلط الأوراق بين الاحتفالية وموعد التصعيد لإطلاق الهبة الجنوبية وفرض سيطرة الامر الواقع.. لم يكن بيان الانتقالي بإلغاء الدعوة للاحتفالية منطقيا او مبررا بالمطلق.. حتى من باب ان هناك أطرافا أخرى تريد ان تحتفل وما الضير في ذلك ولماذا يضيق الانتقالي ذرعا بوجود أطراف أخرى تعبر عن نفسها وهل بلع الطعم بانه الممثل الشرعي والوحيد. اليوم الجنوب يقف امام خياراته الأساسية فأما السيادة والكرامة والسير في طريق بناء الدولة الجنوبية او السقوط في الهاوية.. ونكرر للمرة الإلف ان السيادة الجنوبية والدولة الجنوبية لن تأت عبر الاستجداء ولن تمنحنا إياها دول التحالف بل ان التحالف في الأساس يمثل أبرز أعداء قيام الدولة الجنوبية الديمقراطية المدنية وهذا هو دور هذه الأنظمة الرئيس الذي اوكل اليها منذ تأسيسها وتؤديه بإخلاص خدمة للغرب وامريكا وإسرائيل بشكل أساسي منذ ستينيات القرن الماضي في مواجهة الجمهوريات الوطنية العربية او ما كانت تسمى بحركات التحرر العربية التي قادتها الثورة العربية في مصر عبدالناصر وتلتها الجزائر. شهدنا مؤخرا تدخل هذه الأنظمة بكل قوة لوأد التغييرات التي حملتها ثورات الربيع العربي وأرادت ان تشوه هذه الثورات لتقول لشعوبها انظروا للبديل الذي جاء به التغيير, ولنا في اليمن النصيب الأوفر من هذا التدخل والتخريب.. ففي 2011 أجهضت ثورة التغيير في صنعاء وفي 2015 أجهضت ثورة الحراك الجنوبي ومنعت من إقامة دولة الجنوب رغم توفر كل الظروف حينها. وهاهو الوطن يدمّر على ايدي التحالف ويخطط لتجزئته وضم أجزاء منه لهذه الدول وتحويل ما تبقى الى حديقة خلفية تضع فيه مخلفاتها اليومية وهذا الدور ليس غريبا فقد نفذ في العراق وسوريا وليبيا وتجري المحاولات الحثيثة لإيقاع مصر في هذا المستنقع ايضا. نحن اليوم امام خيارات مفتوحة يقف فيها المجلس الانتقالي محشورا في زاوية ضيقة نتيجة الارتماء الكلي في حضن التبعية والقبول بمصادرة قراره فصرنا بلاشرعية وبلا انتقالي لان كليهما لا يملكان أي قرار بل انهما مجرد ادوات يستخدمان في الصراع السعودي الإيراني دون أي حساب او اعتبار لمصالح الوطن وكذلك أدوات في تحقيق أطماع التحالف في بلدنا. ان أخطر ما في الامر اليوم ان دول التحالف تدفعان بالجنوب للاقتتال الأهلي وهو امر سيؤدي الى نتائج سلبية وخيمة تقضي على وحدة الجنوب وتقدمه أجزاءً ممزقة لمن لديهم مطامع ليست خافية على أحد.. حتى وان اختلفنا مع أي جنوبي فإننا معنيون بل ومكلفون بحل مشاكلنا عبر الحوار الذي يؤدي الى توافق بين الأقطاب المختلفة وليس عبر الحسم العسكري.. ان دول التحالف سعت دون هوادة الى تمزيق النسيج الاجتماعي الجنوبي وتدمير بقايا مؤسسات الدولة وإجهاض أي جهود لإعادة بناء وتفعيل المؤسسات. كما فرضت الحصار على الجنوب قبل الشمال وغذت بقوة سياسة الشحن المناطقي لتوصلنا الى حافة المجاعة والانقسامات التي ستؤدي الى الخراب الكلي وهو ما يمكّن التحالف من احكام السيطرة التامة على الجنوب وقواه المختلفة وتنفيذ المآرب الخبيثة التي رسمتها للجنوب منذ زمن بعيد. دعينا للمرة المليون وبمختلف الطرق الشخصية والعلنية الإخوة في المجلس الانتقالي الى الحوار والقبول به ورعايته ولملمة مختلف اشكال الطيف الجنوبي فليس الكل عميلا ل علي محسن الاحمر وليس الكل مواليا لحزب الإصلاح فلا مخرج لدينا من هذه الأزمة الا بالحوار الجنوبي الجنوبي والتوافق وتشكيل قيادة جنوبية متحررة من هيمنة التحالف تضع مصالح الجنوب فوق كل اعتبار.. يبدو ان الانتقالي ليس بمقدوره حتى الرد على نداءاتنا ومناشداتنا جميعا لأنه لم يعد سيد قراره في الأساس وبدلا من ذلك تحول الى لاعب سلبي يحتوي كل فعل جماهيري عبر الخداع والمراوغة وبيع الوهم وليس ادل على ذلك من بيانات التصعيد التي أطلقها لمساندة الاحتجاجات قبل شهر ونصف ودعوته للحوار الجنوبي الجنوبي قبل أشهر التي كانت مجرد فقاعة لإسكات المطالبين بالحوار, وآخرها هو خذلانه للجماهير التي لبت الدعوة لانتفاضة الرابع عشر من أكتوبر الحالية والتصعيد الشعبي وأيدته معظم القوى الجنوبية. لا طريق لنا سوى بالتصعيد للانتفاضة والحوار الجنوبي الجنوبي لإيجاد التوافق والقدرة على الخروج من هذه المحنة ولكن الانتقالي اثبت انه لن يفعل ذلك بل لن يُسمح له. فهل ينتصر مؤيدي الانتقالي للجنوب وقضيته ام يبقى الانتقالي بالنسبة لهم هو الجنوب وهو القضية حتى وان كان أداة طيعة للتحالف العربي في مواجهة ثورة الجنوب واستحقاقاتها.