أسماء كل دول العالم (بنجلادش، سويسرا، مصر، إيران...)، كلها بدون استثناء، يلزم أن تكون، حسب رياضيات اللغة وقواعدها الأولية: "أسماء عَلَم" (بنصب العين واللام). لغويّاً، ذلك يعني فيما يعني: اسم أي دولة يلزم "أن يكون محددا بذاته"، دون أدنى حاجة لربط وتحديد مدلوله بالسياق الذي يستخدم فيه.
"الجنوب" ليس "اسم علَم"، ولا يمكن استيعاب هذه الكلمة دون سياق: عندما تكتب: "ذهبت إلى مصر"، أو بنجلادش أو البرازيل، سيفهمك القارئ، من كان وحيثما كان. لكن عندما تقول "ذهبت إلى الجنوب"، من سيفهمك؟ عندما تقول "أنا من شعب الشرق" أو من "شعب الجنوب"، من سيفهمك؟...
كذلك: عبارة "أنا مصري" يفهمها الجميع، لها مدلول واحد لا غير، بغض النظر عن سياق استخدامها. لكن "أنا جنوبي" لها ألف مدلول. يقولها كل من يسكن جنوب أي بلد أو كينونة جغرافية، ومدلولها: جنوب الهند حينا، أو جنوب أمريكا الشمالية، أو جنوب قارة أمريكا الجنوبية، أو جنوب مجرة درب اللبانة، أو جنوب طور الباحة حينا آخر...
المسألة، عزيزي الغالي أمين، بديهية صارخة، لا تستحق ان يدخل فيها نيتشه أو بورديو أو غيرهم على الخط، كما فعلت في مقالك. لأن الموضوع في غاية البساطة، لا يحتاج كل ربشة مقالك، المهذب جدا مع ذلك: عبارة "دولة الجنوب" لا محل لها من الإعراب لغويّا، شئنا أم أبينا. لأن كلمة "الجنوب" مجرد إتجاه جغرافي لا غير، أتفه وأصغر من أن تكون اسما لأي بلد محدد في العالم!... افتح أي قاموس لغوي أو جغرافي، عزيزي أمين، ستجد: "الجنوب أحد الاتجاهات الأربعة". "يقع الجنوب تحت خط الاستواء". أي أنها عندما تستخدم لوحدها تعني شيئا واحدا لا غير: كل دول العالم أسفل خط الاستواء... كان يلزم لمن اقترح هذا الاسم أن يعرف أن الكلمة (بشكل منفرد) محجوزة من زمان في القاموس الدولي!...
لو لم يكن كل ذلك بديهيا جدا لسمّت "دولة جنوب السودان" نفسها، على الأرجح: "دولة الجنوب".
ثم لا يحق لأحد تغيير اسم الدولة الذي استخدمناه على الدوام: "جنوب اليمن"، لمجرد رغبة شخصية. لاسيما إذا كان ذلك الشخص أحد مومياء قادة الجنوب السابقين، أنصاف الأميين غالبا، الذين حكمونا ما يقترب من ال 45 عاماً، والذين اعتدنا، مثل الهنود الحمر، الانصياع لهم في السراء والضراء، في الوحدة أو الانفصال، في كل ما محل له أو لا محل من الإعراب...
تغيير اسم الدولة قرار جماعي يُستفتى عليه الناس ديمقراطيا ويصوتون على ذلك بالأغلبية. هو، بالطبع، حق مشروع، مثل حق تقرير المصير.
ثم أي جدية هناك في البدء بتغيير اسم دولة، قبل تقديم مشروعٍ جوهري لطبيعة هذه الدولة؟ جنوب اليمن ليس بحاجة لاسم جديد، ولكن لمشروع مدني عصري حديث. ناهيك عن أن الحديث عن اسم جديدٍ لجنوب اليمن عبثيٌّ جدا في حين أن أسوأ الموميات التاريخية من المجرمين والفاشلين، الذين حكموه ودمروه طوال عدة عقود، (من محمد علي أحمد، حتى علي سالم البيض) هم اليوم من يعود مجدداً لواجهة قيادته؟ إليس من الأشجع والأهم رمي هؤلاء جميعا في سلة المهملات، وليس اسم اليمن؟ *خاص ل "عدن الغد"