في أقصى الجنوب الغربي من مدينة المسيمير كبرى مدن الحواشب تمتد سلسلة جبلية عالية تتوسد الحضن الجنوبي الدافئ لقلاع الدخيلة الشهيرة وتتكئ بارتياح على الطرف الغربي لمنطقة قيف هناك تتناثر قرى عريقة بعراقة الجبال الحوشبية الشامخة ناطحات السحاب لكن معظم هذه القرى اندثرت وأضحت اثراً بعد عين بفعل تقلبات الزمن الرديء. حيث تفترش من بقي منها ضفاف وادي تبن وتلوذ أخرى بأحضان التلال والهضاب المحيطة بتلك البقعة من الأرض، فبالرغم من قسوة الطبيعة وشحه المياه وغياب ابسط الخدمات ووعورة المكان وطقوسه ومناخه الغير ملائمة للعيش والبقاء الا أنها لا تخلو من لمسات جمال يروع الناظر (عدن الغد) دلفت أراضي هذه البطون والروابي والقيعان المترامية التابعة لدهول جول عطاء الزراعية لترصد من هناك احتياجات التجمعات السكنية الماكثة فيها تجدونها في سياق التفاصيل التالية. كتب/محمد مرشد عقابي: ضائقة العطش وانعدام الخدمات أجبرت كثير من الأسر على النزوح والرحيل من الى قرى ومناطق أخرى لهثاً وراء الماء وبحثاً عن وسائل الخدمة المعاصرة، الكثير من المنطقة النازحين أفادوا بأنهم في فترة بقائهم فيها طرقوا ابواباً عدة بغية الحصول على مرادهم من أساسيات الخدمة التي تقدمها الدولة لسكان أراضيها لكن لا إذن تسمع ولا عين ترى ولا حياة لمن تنادي مرجئين سبب مغادرتهم لمنازلهم في جول عطاء الى تعمد حرمانهم من ابسط المشاريع التي يجب ان توفرها السلطات الحكومية المسؤولة. جول عطاء مكمن السحر الطبيعي الأخاذ رغم قسوة الطبيعة وحدة تضاريسها وطقوسها المختلفة وشظف عيش الساكنين فيها إلا ان منطقة جول عطاء لازالت تحتفظ بسجل الجمال الأخذ، فالمنطقة مرصعة بمفاتن طبيعية ذات ابداع رباني آسر تتبدى وتتجلى مشاهد رسمية تفوح منها روائح المجد الأصيلة فتنبعث كزمام يتوهج آلفا من بين ثنايا ثغر تلك الباسمة البهية ذات الوجنات الخضراء والثمار الملتهبة بحمرة الوجوه العاملة والسواعد السمراء المتوقدة نشاطاً والتواقة لارتشاف نبع الخير، انها مكمن رعيل الإنسان الأول الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً من قمة رأسه الى أخمس قدميه بثرى هذه الأرض السمراء المعطاءة ليلتحف سمائها ويفترش ذرات ترابها الذهبي ويستنشق بعشق وشغف رهيب عبير نسائمها العليلة التي تجري في أوعيتها لتحقن فيها جرعات الأمل والتطلع دوماً لغد مشرق ملئه السعادة والهناء، في جول عطاء نقشت أنامل رجاجيل الجود والعطاء الأرض الزراعية لتولد هذه الأرض بعد مخاضات عسيرة تلك الثمار والمحاصيل التي تعود بمردودها النفعي والمادي لذويها من الفلاحين والمزارعين أنها أحلى وأروع صور الاتصال الممزوج بالألفة والوئام ذلك القران والاقتران الذي يجمع الإنسان في جول عطاء بمعشوقتة الأرض المتزينة بلحاف فواح بكل نسمه خير ومدلول سخاء، فالمشرخ الأسفل والأعلى والعوارش والمسحال الأسفل والأعلى وجول عباد وجول فطيم كلها أراضي خصبة البعض منها عذراء والأخرى حبلى بالكثير من الخيرات المتعددة والمتنوعة والتي لا يصل مدى نفعها ليس فقط لقاطني هذه الأماكن إنما يتجاوز عطاءها الغير مجذوذ ليعم بنفعه غالبية أبناء قرى ومناطق المديرية، هذه الأراضي المتزينة والمتوشحة بآيات الجمال الرباني الفائق يسدل عليها غطاء اخضر يغطي صدرها المحمل بأشهى وألذ المحاصيل والثمار، انها بالفعل محمية تتستر باستحياء خلف حزام جبلي يلتف حول خاصرتها ليظهر مفاتنها ويجعلها بارزة للعيان تسحر كل عقل لبيب، توجد في دهول جول عطاء وبطون أراضيها أشجار ونباتات نادرة هي من تخضب جبين أراضيها الساحرة، اما بالنسبة لأراضي جول المسحال الزراعية فهي تعتبر الشريط الأمامي الأول للمنطقة وعلى محاذاة روابي المسحال التي تمتد لما يقارب 2 كم توجد بعض المباني التي لا تزال تحتفظ بطابعها المعماري القديم ولم يأفل او يخبو بريقها رغم عوامل التعرية والتخريب والتدمير الذي طال اغلبها من قبل أولئك الذين لايقدرون قيمة وأهمية الحفاظ والعناية بمثل هذه المواقع التاريخية التي تتحدث عن تاريخ ومآثر الآباء والأجداد وما تبقى من هذه الآثار بحاجة الى حفظ وصون من قبل أجهزة الدولة بمن فيها السلطة المحلية التي تقع عليها مسؤولية الحفاظ على مثل هذه المكتنزات والمعالم من خلال وضع الحراسات الدائمة ليصرف عنها خطر الأيادي العابثة وكذا العوامل الأخرى المسببة لطمس هذه الهوية التاريخية كالإمطار والسيول التي تطمر بين الفينة والأخرى هذه البواطن الأثرية. ضاحية جول عباد مرسى التاريخ وجوهر الحضارة الحوشبية من بين معالم جول عطاء تبرز ضاحية جول عباد بقفازها الأخضر وبساطها الاحمدي الرائع فهذا الحقل الذي يتمدد بانسياب متوازن مع مجرى وادي تبن يشتهر بخصوبة أراضيه المطرزة بألوان طيف الجمال الأخضر، فبجانب بيارق وزمهرير الاخضرار الذي يكسو بثوبه جسد جول عباد تحتضن هذه البقعة العديد من مخلفات الماضي التخليد الذي صنعته الأيادي الذهبية وصناديد الرجال الأبية تلك الأيادي التي طوعت الحجر والصخر وجعلت من المستحيل ممكن ومن الصعب سهل فصنعت المعالم الأثرية والسياحية وغيرها من دلائل ومدلولات التاريخ التي لا يتسع المجال لسردها وذكرها، فهناك آثار ومعالم تدل على ان المنطقة كانت معقل لنمو وترعرع حضارات سالفة وقديمة أقامت وجودها في ربوع هذه الأماكن والسهول وهناك عدد من الكهوف والمغارات والمواقع تنتشر في التباب والجبال المحيطة بسهول المنطقة إضافة الى وجود حصون وقلاع صخرية وغيرها تحكي حضارة الإنسان الحوشبي القديم قبل الآف السنين ومن اهم المشاكل التي تعاني منها هذه المواقع هو الغياب التام للاهتمام الرسمي والشعبي معاً تجاه هذه المغتنيات الأثرية والموروث الحضاري الذي يهدد بالاندثار والمحو. مشاهد حزينة من وحي منطقة محرومة مناظر تدمى القلب وتحز النفس لها الماً وحسرة حين تجد قطعاناً من الحمير وعشرات النساء والفتيات في مشهد يومي مستمر ومتواصل ذهاباً وإيابا وهن يحملن فوق رؤوسهن حمولات الحشائش والأعلاف بعد جهد جهيد ومشقة وعناء بحثاً عن هذه الإعشاب من بين الأشجار الأخرى المعمرة ومزارع القات، هذه صور متكررة يزاولها سكان منطقة مريب الحدودية والقريبة من هذه الروابي حيث يقصد نسوة مريب كل صباح أراضي جول عطاء المختلفة طلباً لزاد ومرعى الدواب فمن هناك يتم التزود بالإعشاب التي تطعم الحيوانات والمواشي نظراً لوجود كم هائل من النباتات يغطي كافة الأراضي انها تراجيديا لتفاصيل مشاهد يومية مؤلمة خصوصاً حين يجد الإنسان نفسه اسيراً في اعماق ذكريات الماضي العريق حين كانت جول عطاء مقصداً لكبار الإعلام والهامات والشخصيات الحوشبية البارزة التي دونت أسمائها بماء الذهب في انصع صفحات التاريخ . وأوقدت بنخوة رجولتها الفذة جذوة وفتيل شرارة الجهاد والكفاح والمقاومة ضد المحتل البريطاني في السابق والمعتدي الحوثي مؤخراً وكانت معقل لاشاوس الرجال الذين دفعوا أرواحهم ثمناً لنيل الحرية فكانوا حمماً بركانية أحرقت العدو، وكانوا وقوداً تولع منها أنوار الاعتناق من الطغيان والجبروت وكانوا فعلاً رجاجيل الحمى وقت لبوا فيه نداء الوطن دفاعاً عن حياضه وصوناً لمكتسباته الغالية فبصمودهم المستميت اثبتوا للعالم اجمع قوتهم وصلابتهم وعدالة قضيتهم التي دفعوا لأجلها دماء أوردتهم الطاهرة بطهارة أرضهم وعرضهم فكانوا نجوما مضيئة ووضئاه ومشعه تنير دروب الحرية للأحرار والمغاوير وتعمي إبصار المعتدين وتنكس رؤوس الظالمين، فالتاريخ يسطر بل ويخلد تميز أهالي هذه الروابي منذ الأزل بعادات وتقاليد فريدة مخلوطة بالشهامة والجود والكرم المقتبسة من جذورهم الحوشبية الأصيلة التي توارثته الأجيال في هذه البادية من ارض الحواشب اباً عن جد، فهناك شواهد عديدة تحكي العراقة والحضارة التي تميز بها وامتلكها الحواشب ولا توجد عند غيرهم منذ العصور القديمة، فجول عطاء تبقى حاضرة في عمق المكان والزمان رغم هجرة معظم سكانها الأصليون واتجاههم الى مناطق مجاورة بحثاً عن الماء والخدمات والحياة الأفضل فمع ذلك ماتزال هذه المنطقة تتسم بإرثها المتنوع وموروثها الفريد وما ترسمه لوحات ضوءها البكر من فقرات جمال إبداعي رباني انما هو معبر عن مدى حيازتها لتفردات آسره للبصر والبصيرة على حداً سواء، رغم كل ذلك ستظل جول عطاء في مرمى نظر كل من يعشق ويهيم بحب الجمال فلها فخراً بان تكون تربتها هي من أنجبت العديد من عمالقة الرجال الحواشب الذين ببصماتهم الخالدة عاشوا معانقين بهاماتهم الباسقة عنان السماء وماتوا وذكرهم الفواح ينفح بمسك إسهاماتهم الرجولية يعطر إرجاء الأرض التي سكنوها. آخر المطاف..مخاطر السيول على أراضي وروابي جول عطاء تعرضت أراضي جول عطاء في العامين 1988م و 1992م لموجة سيول كارثية جارفة وفيضانات مائية أدت الى تدمير عدد كبير من منازل المواطنين وجرف عشرات الفدانات وإتلاف مئات المحاصيل الزراعية مما تسبب حينئذ بتشريد الكثير من الأسر التي غادرت بعدما تقطعت بها السبل طلباً للنجاة وبحثاً عن مأوى إلى أماكن أخرى بعدما اثر عبث هذه السيول بممتلكاتها الخاصة، حيث ما تزال هذه المنطقة تعاني من خطر السيول الجارفة التي تتخذ من مجرى وادي تبن طريقاً ومكاناً لسيرها موسمياً في حين تفتقر الأراضي الزراعية التي نجت من خطر الجرف للدفاعات والمصدات التي تجعلها في معزل عن هذا الخطر الذي داهم لاسيما وجميع أراضي جول عطاء تقع على حافة مجرى وادي تبن لذا ناشد قطاع المزارعين والفلاحين جهات الاختصاص بالمديرية والمحافظة التدخل واعتماد دفاعات وحواجز تقي هذه الأراضي وتحميها من السيول حفاظاً على ماتبقى من رقعة زراعية قبل انقراضها.