المقهورون بين نير الفساد المالي والإداري ونير الغش والفشل وحدهم يدركون أن الجنوب دخل مرحلة انتقالية مع تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي, مرحلة تتطلب نضالا من أجل التغيير يتوج به النضال من أجل التحرير. فالتحرير أنجز بآلية ثورية – الكفاح المسلح – والتغيير يجب أن يجري إنجازه بفكر ثوري يفرق بين ما هو تكتيكي مرحلي وما هو إستراتيجي, لأن الخلط بينهما يعد من الأمور الأشد خطورة على الثورة الجنوبية تؤدي إلى التراجع والهزيمة. بعد الانتصار ظهر للحراك الجنوبي مكونات وفصائل ذات بعد سياسي واجتماعي وعسكري أمني لكي يكون للنضال والكفاح المسلح جناحان أحدهما استقلالي والآخر فيدرالي, وما كان للجناحين أن يحققوا أي تقدم أو انتصار في ظل حكم الرئيس المقتول علي عبدالله صالح. فأصحاب الفيدرالية أصحاب مؤتمر القاهرة وعلى رأسهم الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد الذي اقترح سنتين انتقالية, لن يتمكن من تحقيق مآربه في سنتين ولا في عقدين من الزمان في ظل قوة عفاش الذي يشهد ليل نهار الوحدة أو الموت.
وأصحاب الاستقلال لبقوا في الساحات والميادين سلمية سلمية ولا من مستمع ولا من مجيب للدعوات والصيحات, إلى أن جعله الله سببا لحمل السلاح وكتب للجنوبيين نصره المؤزر ومهد الظروف للدخول في المرحلة الانتقالية بلا مقدمات. ونظرا لوجود هذه المكونات والفصائل والقوى السياسية في الجنوب و المنضوية تحت جناحين مختلفي الرؤى تحاول قياداتها إزالة العراقيل والصعوبات التي قد تعيق توحيد الكلمة وتقريب وجهات النظر ورص الصفوف من أجل التغيير الواسع والشامل للواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي في الجنوب.
وعلى كل من يتحمل مسئولية مهمة التقريب هذه أن يمتلك دليل نظري يكسبه آليات يتمكن بواسطتها من إخضاع التطبيق والممارسة للنظرية والواقع.
واعتقد أن الأمر يتطلب الإسراع في إبرام اتفاقية شبيهة باتفاقية 5فبراير 1975م أقصر الطرق لتعزيز العلاقة بين الفصائل والمكونات تمهد لعقد مؤتمر جنوبي جامع. في المجلس الانتقالي الجنوبي كأعلى سلطة للحراك الجنوبي ينبغي أن لا نكون مخدوعين بالمهرجانات والفعاليات في المناسبات مبهورين برفع العلم الجنوبي وعزف النشيد الوطني الجنوبي وحسب, بل يجب أن نتساءل: هل يدل ذلك أننا حققنا الاستقلال الوطني الجنوبي؟ أم نعبر عن رغبتنا في تحويل حراكنا من التحرير إلى أداة لتحقيق آمال وطموحات كبرى تطير بنا من المرحلة الانتقالية – وهي مرحلة بناء – إلى الدولة! المرحلة الانتقالية لها قوانينها وخصائصها والدولة لها قوانينها وخصائصها. المجلس الانتقالي الجنوبي يرى الانتصارات التي تتحقق في الجبهتين الداخلية والخارجية بداية لتحولات تقوم على النظرية الواقعية والوعي وليس على الحماسة الانفعالية والعاطفية.
وهي رؤية بعيدة تجعله يغلب العقل تجاه قضايا الجنوب ومستقبله على المشاعر العاطفية, يغلب المصالح العامة على المصالح الذاتية. تجعله يتجنب كل الأسباب التي قد توصل الجنوب إلى طريق مسدود وإلى الانحراف ومن ثم للتراجع عن المبادئ والأهداف والمكاسب التي ناضل وضحى في سبيل تحقيقها الشعب وحراكه الجنوبي.