أثار خبر انعقاد «المؤتمر التأسيسي لاتحاد أدباء وكتاب الجنوب» ردود فعل متباينة لدى شريحة واسعة من الأدباء والمثقفين شمالاً وجنوباً، ودفعهم إلى وضع مجموعة من علامات الاستفهام التي تهدف إما إلى رفض الفكرة، وإما إلى دعمها وإن بتوجس، وإما إلى التشكيك في جدواها، لا سيما في ظل ظروف استثنائية وصعبة يمر بها البلد شمالاً وجنوباً. هذه الخطوة المربكة فعلاً تجعل كمّاً هائلاً من التساؤلات يتداعى حول مصير مبادئ وقيم الأديب اليمني، التي تتجاوز الظروف اللحظية وما يترتب عليها، وحول مصير الكيان الأدبي اليمني الموحد الذي ظل راسخاً منذ تأسيسه، مشكلاً رقماً صعباً لمْ يستطع أن يتخطاه حكام الجنوب أو حكام الشمال. وظل الكيان الوحدوي الأول الذي يسمو بسمو منتسبيه عن المناطقية والحزبية والطائفية والعرقية، مهما يكن ولأي سبب كان، بل مثَّلَ مصدر الإلهام الروحي الأول للمناضلين ضد التطرف والانجرار صوب المشاريع الفردية الصغيرة. فما هو مصير اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي أسسه عمالقة الفكر والأدب اليمني الحديث؟ وأين سيذهب إرث الجاوي والبردوني وغيرهما؟ وما هو رد فعل «اتحاد الأدباء والكتاب العرب»؟ وقبل ذلك كله ما هي أهداف تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب الجنوبيين؟ وهل يجدي تأسيسه الآن في ظل الانفلات الوطني والتجاذبات الخارجية؟ لقد ظل الاتحاد قبل التشطير وحدوياً، فلِم الآن يؤسس لعكس ذلك؟ ما هي رؤية المؤسسين للقضايا القومية والعروبية؟ هل سينادون مستقبلاً بوحدة عربية مثلا؟ وفوق هذا وذاك هل ينساق الأديب وراء مشاريع سياسية صغيرة؟ وهل عليه أن ينفذ أجندات كيانات غارقة في الارتزاق حتى أذنيها؟ مشاريع صغيرة ويقول الدكتور محمد الحصماني، تعليقاً على ذلك، إنه «عندما كان الأدباء طلائعاً تنويرية كانت مشاريعهم بحجم تطلعهم، كبيرة بحجم انتمائهم العربي والقومي، وعندما تقزم طموح الأديب وانحصر تطلعه في الحصول على منصب إداري، أو موقع سياسي في السلطة، تقزمت مشاريعه لتغدو ضئيلة ضحلة كضحالة طموحه»، مضيفاً أنه يتأسف «أن يكون اتحاد الأدباء أول كيان شطري بعدما كان أيام العمالقة وجيل الرواد أول كيان وحدوي برغم التشطير السياسي». وعقَّب الكاتب ماجد أبو ليلى على حديث الحصماني من منظور مخالف، قائلاً إنه «بالعكس الأدب هو مرآة المجتمع ورسالة واقعه، وكما كان الإتحاد الأدبي أول رمز لوحدة فشلت ينبغي أن يكون أول المبادرين لفك هذا الارتباط الوثيق، ناهيك عما يحتكره ويمارسه اتحادهم من عنصرية هدت ما تمارسه دولتهم وحكومتهم خلال تلك الفترة». أما الأديب صالح العطفي، فيقول إنه «كلام أصاب الحقيقة الضائعة، لكن حين يكون الواقع الأدبي يلبس جلابيب التحيز والفرز والقمع الفكري، تكون الأفكار العظيمة مطية ركيكة، فالدكتور باقيس ليس في عضوية الإتحاد، وفيه من فيه من قامات هزيلة». تبعية سياسية لا يختلف اثنان أنه منذ عام 2007، انحدر مسير «اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين»، وتحول شيئاً فشيئاً إلى حديقة خلفية للحزب الحاكم، وصولاً إلى تبعيته في عدن «للمجلس الانتقالي الجنوبي»، وإن بشكل مقنَّع، فلم يعد الأديب بريئاً، بل أصبح صاحب مشروع فردي صغير كما أشار الحصماني. وأصبح مجرد أداة من أدوات الكيانات الحزبية والسياسية بوعي أو بدون وعي، يخضع للسياسي ويسير وفقاً للخطوط التي يحددها له مسبقاً، إذْ إنّه لم يعد فاعلاً في المشهد السياسي، راسماً معظم خطوطه وخطواته، على نحو ما ينبغي أن يكون. هل على الأديب أن يكون مطية للسياسي؟ وهل عليه أن ينفذ أجندات فردية تتبع جماعة بعينها؟ وهل عليه أن يبني كياناً آنياً لا يلبّي طموحاً ممتداً في مخيلة النضال والوطنية والقومية؟ إن الأديب قضية كبرى ومشروعا عصياً على التفكيك والتقزيم، وصخرة صلبة تتحطم عليها أطماع الساسة جميعا أو هكذا ينبغي أن تكون.