تحقيق / الخضر عبدالله : كانت مهنة تصليح الأحذية في بلادنا حصرا على الطاعنين في السن وكادت أن تندثر لكن شباب دفعهم ضيق الحال، إلى احترافها، استطاعوا إحيائها وغيروا النظرة النمطية الساخرة والنافرة منها إلى مهنة تحظى بالإعجاب والإطراء. في سوق الشيخ عثمان الشعبي بمدينة عدن وسط محال وأكشاك صغيرة تمتد أمام وخلف مسجد النور التاريخي، يتوافد الفقراء وغيرهم ليعيدوا تصليح وترميم أحذيتهم. مهنةٌ تمارس ربما منذ عقد من الزمن في هذا المكان. عبده احمد قاسم شابٌ في العقد الثالث من العُمر يعمل بنشاط وسط قطعٍ وقصاصات من الجلد وكعوب أحذية، لم يجد سوى هذه المهنة ، يقول: "حصلت على الثانوية العامة وما لقيت غير هذه المهنة". وأشار عبده أحمد ل " عدن الغد " ان احد أصدقائه الشباب نصحه بهذه المهنة " نظرا لحاله الفقر المنتشرة في البلاد ولارتفاع أسعار الأحذية الجديدة التي لا يستطيع شرائها معظم الناس"، وليبدأ عمله الجديد على أحد أرصفة وسط مدينة الشيخ عثمان ، بدلاً من العمل الذي كان يعمل به كحارس على شركة الوطنية وحروب على مدار 15عاماً.. «استمرار الحال محال»، هكذا يقول بعد أن أعلنت الشركة التى كان يعمل بها إفلاسها ولم يجد معاشاً أو مكافأة نهاية خدمة يعول بها نفسه وأسرته وفق تعبيره. لم يختلف حال عبده أحمد عن حال مصلح قائد الحاصل على شهادة دبلوم مهني، ويجلس على الرصيف تحت مظلة وبجانبه مجموعة من الاسكافيين ( الخياطين ) الشباب في سوق المنصورة بجوار السوق المركزي يقول ل " عدن الغد" فشلت في الحصول علي وظيفة، ما وجدت غير أني أصلح أحذية وصنادل قديمة" . "مهنة ضرورية لا عيب فيها" اتجه في سنوات بعد الحرب الأخيرة كثير الشباب إلى مهنة الاسكافي، بعد أن وجدوا الأفاق أمامه مغلقة لممارسة مهن أخرى. الاسكافي عامر سيف وعلى إطراف مدينة كريتر يجلس على الرصيف أمام المكتبة الوطنية و متخذا من ظل المحلات التجارية غطاء له من حرارة الشمس . ويعتبر عامر أن مهنته "لا عيب في مزاولتها واليد البطالة نجسه"، وفق وصفه. مؤكدا ل " عدن الغد "أنه حاصل على الثانوية العامة، مضيفا" أنا سيد نفسي وشغل الاسكافي أسهل وأفضل من العمل في غيره من الأعمال الأخرى" ويشير أنه يتناوب وشقيقه العمل . بينما الاسكافي على توفيق أبو مصطفي الذي يجلس بجوار عامر يعتبر مهنته "من أقرف المهن" لكن لا بديل لها. ويتابع توفيق أبو مصطفي ل " عدن الغد " قائلا" نحن وباقي الشباب أصبحنا نتقبل المهنة بعد أن تعودنا عليها". إحدى الأشخاص الذي أخذ عامر في تصليح حذائه البالي يقول:" كانت الناس زمان تنظر للمهنة على أنها عيب لكن بالعكس هي مهنه ضرورية تخفف عن المحتاجين، وهؤلاء الاسكافيين الشباب يقومون بإعادة تصليح الأحذية بشكل جميل". زيادة في أعداد مزاوليها : البطالة و التردي الاقتصادي في البلاد هما أسباب الزيادة في أعداد العاملين في مهنة الاسكافي، وقد رُدت الروح فيها، وكثر مزاوليها وانحسرت السخرية منها، واختلفت نظرة الناس إليهم بعد أن كانوا ينفرون منها، وفق اللقاءات التي أجرتها " عدن الغد " عدد كبير منهم مهدي سيف احد العاملين في هذه الحرفة يوضح ل " عدن الغد " أن الوضع الاقتصادي في قطاع البلاد يقترب من الصفر والناس ليسو قادرين على المصاريف على أولادهم فما بالك نحن الشباب اللي يريد مصاريف زواج". ويصف مهدي سيف مهنته كاسكافي "أنها أحسن بكثير من مهن أخرى، ودخلها جيد". ويتابع مهدي أن ما يتقاضاه لتصليح الأحذية البالية يتراوح بين 1000 إلى 1500.ريال يمني إلى ذلك يضيف ل" عدن الغد " شخصان برفقه أطفالها " كثرة مصلحي الأحذية ساعدتنا في هذه الظروف الصعبة ووفرت علينا مالا". ويضيف مواطن في منتصف العقد الخامس" كان من لا تشهد مثل هذا الكم من الاسكافيين ( الخياطين ) من الصعب جدا أن ترى الإسكافيين منتشرين في كل شارع من شوارع أسواق البلاد ، وإن وجدنا إسكافيين يكون من كبار السن ولا يستعمل سوى الإبرة والخيط والمسامير واللصق بالغراء بطريقة يدوية بدائية، ولا يتقن عمله مثل هؤلاء الشباب". واللافت هنا وفق الاسكافي مهدي سيف أن " شباب كُثر دخلوا على هذه الحرفة لكنها ليست سهلة، فهي تحتاج لفن وتركيز تِرضِي الزبائن". وبوجه ارتسمت عليه ملامح الطيبة حدثنا اسكافي يتجاوز عمر ، 60سنة واعتذر أن يذكر اسمه إلا " أبو معتز " يقول أعمل فى هذه الحرفة منذ 26 سنة، ولقد علمت نفسى بنفسى، وعملت بها بالذات لأنها كانت المشروع الرائج فى تلك الآونة، وفى فترة الثورات والانفلات الأمني تأثر الدخل ولكن حاليا الأحوال أفضل “وهى عيشة والحمد لله”. و يعيش " أبو معتز " فى منزل بسيط وسط أحياء مدينة المعلا ، ضيق المعيشة يضطره لمواصلة العمل رغم سنه التي تجاوزت الستين ويقول : " الشغل مش عيب، وانا ماعنديش أى دخل أعيش عليه , وزوجتي ليس عندها معاش , وأبنائي متفهمين ويفتخروا بي وغير خجلين من هذه المهنة . انتعاش سوق الاسكافي وانضمام النخبة إلى زبائنها : في أسواق مدينة عدن رصدت " عدن الغد " عاملين بمهنة الاسكافي متخذين من اتخذ الأرصفة مكانا لمزاوله حرفتهم بأدوات بدائية كالإبرة والخيط والمسامير. لكن المؤكد أن جميع العاملين في هذه الحرفة شباب في العقدين الثاني والثالث. الغريب أن بعضهم أشار ل " عدن الغد " أن أدوات الخياطة لتصليح الأحذية والحقائب البالية ارتفع ثمنها مع ارتفاع العملات الأجنبية وهبوط العملة المحلية , ورغم انخفاض هذه العملات وارتفاع العملة المحلية لكن الأسعار لن تنخفض بعد . ويعتبر الإسكافيون تدني صناعات الأحذية الجديدة كالصينية إضافة لبطالة الشباب، هي أسباب أنعشت سوق الاسكافي. ويضيفوا " الزبائن تحضر لنا أحذية وحقائب وصنادل متهرئة ونعيدها كأنها جديدة، لأننا نعمل بحرفية وبإتقان ". ورصدنا نخبه من أوساط مجتمعية مختلفة تُقبِل على الاسكافيين. ووفق الاسكافي مهدي سيف " زبائننا منهم الآن الأطباء والمهندسين والموظفين، كما أشفت غليل الفقراء ومحدودي الدخل". نظرة المجتمع : وتعد نظرة المجتمع لهذا النوع من المهن، والعائد المادي القليل المترتب عن ممارستها، عوامل منفرة لممارسة مهنة "الإسكافي" التي أنها أصبحت آيلة للانقراض والزوال. فلسبب أو لآخر أصبحت تلقى عزوفاً كبيراً من الأجيال الجديدة. كما أن التكوين وتشجيع الدولة لهكذا حرفة لا يزال يراوح مكانه وسط أدراج الإهمال والتقصير سواء بقصد أو بغير قصد.