هناك أُسر ارتبط تاريخ الحرفة بأسمائها أسعار الذهب تفرضها حالة السوق العالمية ومصدر صنعه ونوعيته الزائر إلى مدينة المكلا لا يمكن أن يتركه الشوق دون أن يزور الأسواق القديمة التي تمتاز بها هذه المدينة.. ولعل من أشهرها سوق الذهب الذي على الرغم من بساطته إلاّ أنه مثلما يزخر بأجمل المصوغات والمشغولات الذهبية اليدوية فهو كذلك يعبق برائحة التاريخ العريق.. الحرفة.. أسرة يمتد سوق الذهب مسافة بسيطة من مسجد المشهور حتى مسجد السلطان عمر في الشارع الثاني لمدينة المكلا (القديمة).. ومن المهم الإشارة إلى وجود محلات أخرى تبيع الذهب في شوارع وجنبات أخرى من المدينة وخاصة في سوق النساء الملاصق لسوق الذهب، ولكن في الفترة الأخيرة أخذت هذه التسمية (سوق الذهب) يطلق على الشارع الثاني المشار إليه نظراً لانتشار محلات بيع الذهب والمجوهرات في هذه المنطقة. وكثيرة هي الأسر التي ذاع صيتها لامتهانها مهنة صياغة الذهب وتوارثت هذه المهنة أبناء عن آباء عن أجداد منهم باداؤد، البكري، باحشوان وغيرهم.. ولكن في الوقت الراهن أخذت تبرز أسماء وأسر جديدة في هذه المهنة، خاصة بعد دخول الذهب المستورد الجاهز إلى السوق وتراجع حرفة الصياغة المحلية.. الحفاظ على الموروث سنبدأ حديثنا واستطلاعنا مع الأخ عبدالعزيز محمد باداؤد الذي له خبرة واسعة في هذه الحرفة تمتد لأكثر من عشرين عاماً حيث قال: ليس من قبيل المدح أن أقول إن أسرتنا من أشهر الأسماء في هذه الحرفة.. حيث توارثناها من الأجداد، وهناك العديد المحلات التجارية والمعامل التي تحمل اسم أسرتنا وإذا كان العديد من الأسماء قد تركت هذه الحرفة أو اعتمدت على الذهب المصنع فمازلنا نهتم بممارسة الحرفة وفق الأسلوب التقليدي، وكنا في السابق نعمل على الفضة إلى أن حلّ الذهب مكانها وأصبح المعدن النفيس الأكثر سوقاً، وعليه كان لنا في السابق علاقات خاصة مع أسرة القعيطي أيام السلطنة القعيطية قبل الاستقلال وأيامها في الخمسينيات من القرن المنصرم عهد إلى جدي سالم محمد باداؤد القيام بسك عملة معدنية خاصة بالسلطنة القعيطية، بالإضافة إلى أدوات الزينة والحلي والأختام والخناجر الخاصة بالأسرة القعيطية الحاكمة. وإذا تحدثنا عن عيارات الذهب فيعتبر عيار 21 هو العيار الأكثر رغبة عند الناس، وصحيح أن عيار 18 أرخص ولكن زبائنه من السياح الأجانب. والذهب المصنّع في المملكة السعودية أكثر طلباً عن غيره من المصوغات الخارجية.. مع العلم أننا مازلنا نقوم بصياغة الذهب في معامل خاصة بنا حتى وإن قلّ الطلب عليه فهو يتناسب مع أصحاب الدخل المحدود طالما وأن الإتقان موجود في صنعه وهذا يقدره بعض الناس والتفريق بين أنوع الذهب ومصادره يدركه الشخص الخبير.. وفي الوقت الحالي وصلت أسعار الذهب إلى مستويات وأرقام كبيرة سببها الارتفاع في السوق العالمية، حيث وصل سعر الجرام للذهب الخارجي 6000 ريال يمني في حين بلغ الذهب المصنع محلياً إلى 5800 ريال ويلعب تدني سعر صرف الريال اليمني مقارنة بالعملات الأخرى دوراً كبيراً في ذلك الرقم. وتجهيز عروس بالذهب يختلف من منطقة لأخرى تبعاً لاختلاف العادات والتقاليد السائدة في كل منطقة هذا أولاً وثانياً مكانة الأسرة وعلوها، وبشكل عام كان في السابق مجموع ما يتم شراؤه 300 جرام.. أما اليوم فقد قلّ ووصل إلى 100 جرام، وأحسب سعر كل جرام! وقد يصل المبلغ إلى أكثر من مليوني ريال.. وحركة الشراء ضعفت في الوقت الحالي بسبب الظروف الاقتصادية السائدة. وعموماً فإنها تكون بشكل أكبر في أيام الإجازة الصيفية وهو وقت حدوث أفراح الزواج وكذلك قبل الأعياد. المنافسة الخارجية والجودة المحلية ومن الأسر الشهيرة في هذا المجال أسرة البكري وقد التقينا الأخ صلاح سالم باعلي البكري الذي بدأ حديثه قائلاً: ظهرت حرفة صياغة الذهب في المكلا بشكل واضح في الخمسينيات من القرن المنصرم وكان الوالد سالم من أوائل العاملين بهذه الحرفة وتحديداً في العام 1955م.. مع العلم أنه انتقل بها من منطقة دوعن.. كذلك كان محمد باموجة من أوائل المشتغلين بها بالإضافة إلى (بونيان) وهو شخص هندي وامتازت مصنوعاته بالدقة والأمانة.. وحالياً تقلصت حرفة صياغة الذهب بشكل كبير وأصبحت المعامل التي تعمل على ذلك قليلة بعد دخول المصوغات الخارجية التي تمتاز بالدقة والروعة في التصاميم.. كما أن رغبة الناس اتجهت نحو الذهب المصنّع خارجياً. ومنافسة الذهب المصنّع خارجياً يحتاج إلى إمكانات كبيرة، خاصة في المكائن والآلات أما الخبرة والمهارة اليدوية فهي موجودة.. ونظراً لتعدد أنواع الذهب ومصادر تصنيعه (سعودي، بحريني، كويتي، سنغافوري، هندي) فإن سعره يتراوح بمكان التصنيع ودقة ومهارة العمل، ووصل سعره إلى 6500 ريال يمني بسبب ارتفاع سعر الأونصة إلى 1030 دولاراً. ويعتبر الذهب السنغافوري الأكثر رواجاً نظراً لسعره المناسب وتصنيعه الجيد.. وندعم قيام جمعية خاصة بالصاغة ونشكر الأخ سالم باحشوان وجهوده في هذا الموضوع وتأسيس جمعية بالصاغة من شأنه تسهيل الكثير من الأمور، خاصة تحديد كيفية علاقتنا بالغرفة التجارية والدفاع عن وجهة نظرنا بعد توحيدها وتبني همومنا ومشاكلنا وهي كثيرة ولا يتسع المجال لذكرها.. الأسعار والسوق العالمية مؤخراً ظهر عنصر الشباب بقوة في سوق الذهب.. الأخ أمين عبدالله باكرمان يتحدث لنا عن دخوله إلى هذا المجال في الآتي: أنا أعمل هنا في محل تعود ملكيته إلى أحد الأقارب وهذا العمل يحتاج إلى الأمانة وحسن المعاملة والقدرة على الإقناع.. وعموماً في محلنا نقوم ببيع الذهب المصنّع خارجياً، والذهب أنواع يقاس بالعيار أي صفاء الذهب ونقاءه، فهناك عيار 24 ويأتي على شكل سبائك، عيار22 ونسميه ذهب مصنّع، عيار 21 وهو النوع الأكثر رواجاً. وهناك عيار 18 ومنه الأشكال الايطالية ونسميه الذهب الأبيض.. ونستطيع أن نفرق بين هذه الأنواع من خلال الأختام الموجودة بكل قطعة، وأيضاً من خلال شكل الذهب وبريقه وقوته وليونته وإمكان تصنيع الذهب خارجياً كثيرة لعل أهمها السعودية (تمثل ذلك شركات كبيرة ومشهورة) ويأتي هذا الذهب في مقدمة المشغولات المطلوبة وبعده البحريني وهناك الذهب السنغافوري الذي يصنّع أيضاً في المملكة العربية السعودية وكذلك الحال بالنسبة للذهب الهندي.. وأسعار الذهب ليست ثابتة تفرضها حالة السوق العالمية ومصدر صنعه ونوعيته، وأسماء المصنوعات تختلف من بلد إلى بلد ومن منطقة إلى أخرى فالأساور مثلاً يقال لها بناجر، حوايش، بناقر، شوالي. وارتفاع سعر الذهب جعل العزوف كبيراً من قبل الناس، فمن الصعب على البسطاء شراء الكثير منه، خاصة عند الزواج، فمن عاداتنا تجهيز العروس بالذهب وعليه أصبح ذلك حملاً صعباً وفي المعدل يحتاج من مليون إلى مليون ونصف بحسب الاستطاعة من طقم وبناجر وحزام صغير. وفكرة إقامة جمعية خاصة بالصاغة ولو أن الفكرة قد طرحت بشكل جدي قبل سنوات ولم تلقَ التفاعل المطلوب ونتمنى من الجميع التفاعل معها لما فيه المصلحة العامة.. جمعية الصاغة وازدواجية الإشراف وعن فكرة الجمعية التي تداولها من سبق لهم الحديث يوضح تلك الفكرة الأخ سالم أحمد باحشوان وهو أحد الصاغة المشهورين في هذا المجال بالقول: في الحقيقة إنني فكرت مع مجموعة من الصاغة في إحياء فكرة إقامة جمعية خاصة بأصحاب محلات الذهب والمجوهرات أسوة بالجمعية القائمة في عدن.. وحددنا الهدف من ذلك في الآتي: قيام جهة رسمية تمثل العاملين بحرفة الصياغة والبيع لتتحدث باسمهم مع الجهات الأخرى حكومية وغير حكومية. تنظيم العمل في مجال حرفة صياغة الذهب. التفاهم بين الصاغة فيما يخصهم من أمور ولمّ شملهم وتوحيد كلمتهم. ولا أبالغ إذا قلت إننا بحاجة ماسة لهذا الكيان، خاصة فيما يتعلق بالتخاطب مع الجهات الحكومية فنحن نعاني من الازدواجية في التعامل معنا، فعلى سبيل المثال الهيئة العامة للمقاييس قامت بإصدار تصاريح مزاولة العمل مع العلم أن هذه الرخصة قد صدرت لنا من قبل البلدية وكل جهة تعتبر نفسها هي صاحبة الحق في الإشراف ومن غير المعقول أن ندفع رسوماً لرخصتين تقومان بنفس المقام.. بالإضافة إلى إشراف الهيئة العامة للمقاييس والأشغال هناك أيضاً الغرفة التجارية ومصلحة الضرائب وغيره والكل يمارس علينا سلطته، وهناك أكثر من جهة تأخذ ضرائب ورسوماً حتى على العمال الموجودين لدينا، ووصل الأمر إلى محاولة فرض التأمين الشخصي علينا ونحن لسنا ضد النظام والقانون ولكن مع تنظيم كل ذلك ووفق مرجعية سليمة وبصورة معقولة.. أما بخصوص تقبل الصاغة أنفسهم للفكرة فهناك تفاعل ولكن ليس بالدرجة المطلوبة وأملنا تنفيذ الفكرة بالشكل المرضي للجميع، فالجمعية ليست حكراً على أحد وقيامها سيعطي جميع المشتغلين بالحرفة إمكانية العمل في ظروف أفضل.