لا تكادُ تغيب عن أذهاننا تلك الحِقبة الصعبة التي عاشتها الجنوب عليه و منذ فجر 1994، والتضحيات العظيمة التي قدموها دفاعاً علي إراضة والتي لاتزال التضحيات لي يومنا هذا لتكون نبراساً وهدياً للسائرين على هذا الطريق .. طريق الجنوب واستقلاله. وما أذنَ الله للمؤمنين بالهجرة من مكة إلا بعد امتحانٍ وابتلاء وما كانت الهجرة إلا إشارةً ربانيةً إلى نجاح المسلمين في امتحان الصبر والثبات على الحق، لتبدأ مرحلةٌ جديدةٌ من الإعداد والتأسيس لبناء معسكر الإسلام الأول وانطلاق الفتوحات الإسلامية منه.
ثورة الجنوب المباركة وهكذا رُسم طريق الأحرار، ابتلاءٌ فصبرٌ وثبات .. هجرةٌ وإعدادٌ .. نصرٌ وعزة، حتى عادَ الجنوب بنا غريباً كما بدأ، وعاد تاريخُ الجنوب يروي حكايته من جديد على أرضٍ مباركةٍ قد تكفَّل الله بها؛ هي للجنوب محلَّ القلب من الجسد.
شباب أشعلوها ثورة شعب، صدحتْ الحناجر بالتكبير من جانب المحراب، فكُسرت قيودُ الذلِّ والعبودية، وضجَّت الساحات بجموع الثائرين، فاهتزَّ عرشُ الطغاة من جديد واجتمعت شياطين الإنس لوأد تلك الثورة اليتيمة.
وعادت ” أَحَدٌ أَحَدْ ” لتكون شاهداً على ثبات أهل الجنوب، ومارس فرعونها ما يعجز عنه البيان من وسائل القتل والتعذيب بُغية ضد الثائرين عن مطلب الحرية الحقِّ دون جدوى مع أرواحٍ مَزجت حلاوة الحريَّة مع مرارة العذاب فطَغتْ حلاوة الحريَّة وما عادت تأبه للعذاب!
– لا تُفارقني صورة أطفال مجزرة سناح دفنوهم والحزن يخيم في كل بيتً ما نقموا منه إلا رفضَ التنازل علي قصيتهم رفض بعبودية طاغوتهم بيدَ أنَّ القلب يأبى والجوارحُ تُقسم أنه لا معبود سوى الله، وكأنَّ صوتاً يهمسُ في أُذنَيه صبراً أهل الجنوب إنَّ موعدكم قريب” – باتت الجنوب كجسد خالدَ ابن الوليد، مافي أرجائها شبرٌ إلا وفيه رائحةُ شظيةٍ أو دم طفلٍ ودمعات ثكلى! ، الموتُ يطرق أبوابها صباح مساء لتصير جنةً سرمديَّة يسكُنها اكثر من الف شهيدٍ ارتقت أرواحهم الحيَّة توَّاقةً لجاذبيّة السماء، لتصلي صلاة الميِّت على أرواح الأمة الميتة!
سبقت بنا بدرُ و أُحدٌ أحداثَ ، شربنا من نهر من الدموع سالت أنهار من الدماء، ذقنا المرارة فأصيبَ الكثير منّا بالوَهَن، ثم أهملتْ الأسبابُ بالتنازُع والخلافات الداخليّة فذقنا طعم الهزيمة المُر، وكيدَت مؤتمرات الخيانة والكذب لتنحسر بقعة الثورة في كل ارض الجنوب وتستقر في الضالع ، هنا زُلزلت الثورة زلزالاً شديداً، ولكن .. كذلك الرُسل تُبتلى! عقود كاملة حوصرت فيه بعض المدن في شعابِ الجنوب ، زائرُها الوحيد هو الموت بشتَّى ألوانه ، قتل واغتيالات حرقاً وخنقاً تحت جحيم الطغاة وربَّما الجوع القاتل! ، والمشاهد من هولها تشيب مفارق الولدان ، بينما ظلت العلاقةِ مستمرةٌ بين ثبات أهلها ويأسِ العدو من التقدم! ، حتى فتح الله لهم باب من عنده نحو شُعلة الثائرين والأحرار ليمحّص الله الذين ثبتوا ويمحقَ الضفادع ومروِّجي مصالحات الذل والخيانة ؛ وليذهب الزبد ويبقى ماينفع الثورة والجهاد. واليوم نعيشُ في الجنوب والمتآمرون علي قضيتنا ، ليس لنا من يُخذِّل عنا ما استطاع ؛ ولن يكتمل حفر خندق الحقِّ حول تلك القضية حتى تُحطَّم صخرة التفرُّق الصمَّاء ، ونكمل طريقنا باجتماعاتنا الموحدة؛ تُفتح لنا قصورُ المحبة ونستكمل درب النضال وتُكسر أصنام الطُّغاة ويُذلّ المتآمرون، فالتاريخ اليوم نحنُ من يكتبه والمصير يُحدَّد بأيدينا إن حققنا شروط النصر مع حسن الظنِّ بوعد ربنا وصدق التوكل عليه.
والعبرة أنه ما كان فتح مكة إلا بعد مرارة العذاب وشدة الحصار وامتحان الهجرة وضيق الأحزاب! ، وما كُسر التتار بعين جالوت إلا بعد سقوط بغداد عاصمة الدولة العباسية! ، ولن يكون لنا بعد المؤامرة علي قضيتنا وضيق الأحزاب من مطلبنا المشروعة إلا فتح ونصرٌ من الله إنَّ الله لا يخلف الميعاد.