الفيفا يحدد ملعب نهائي مونديال 2030    انهيار كارثي ..الدولار في عدن 2872 ريال    مصور: استشهد بعملية إرهابية.. شبوة تودع الشهيد المصعبي بمراسم تشييع رسمية    مصر تعلن اكتشاف ذهب وفضة في الصحراء    الحشود تتوافد الى الساحات للمشاركة في مسيرات نصرة غزة    القوات المسلحة الجنوبية تتصدى لهجوم عدائي حوثي شمال غرب الضالع    الأرصاد يحذر من التواجد في ممرات السيول    إيجا تنهي مغامرة بيلندا وتبلغ النهائي الأول    النصر إلى مقر جديد.. الإيرادات نصف مليار.. ومغادرة رائد ومرام    الإسبانية نويليا.. ثاني صفقات سيدات الهلال السعودي    اليابان تطور أول رحم اصطناعي كامل.. نحو مستقبل بلا حمل ولا ولادة تقليدية    الذهب يرتفع مع تصاعد التوترات التجارية بفعل رسوم ترامب الجديدة    جريمة بشعة في الضالع ذبح طفلة حديثة الولادة ودفنها    تدشين امتحانات القبول والمفاضلة في كلية الطب البشري جامعة ذمار    أزمة أخلاقية في المجتمع المصري: للغش مطاوعة يدافعون عنه    رسميا.. توتنهام يتعاقد مع الغاني محمد قدوس    إقرار صهيوني بصعوبة القضاء على التهديد من اليمن    العثور على كنز أثري مذهل يكشف أسرار ملوك مصر قبل الأهرامات    العثور على نوع جديد من الديناصورات    مكافأة تاريخية.. كم سيجني باريس سان جيرمان إذا توج بكأس العالم للأندية؟    عن بُعد..!    إتلاف أكثر من نصف طن من المخدرات المضبوطة في سواحل العارة    حزب رابطة الجنوب العربي ينعي الفقيد الوطني بن فريد    الكتابة والذكاء الاصطناعي    خطورة ممارسات "بن حبريش" على وحدة المجتمع الحضرمي    وزير النقل يزف بشرى بشأن انجاز طريق هام يربط مأرب    صدور قرار بنقل عدد من القضاة .. اسماء    زوجة طبيب معتقل في صنعاء تكتب مناشدة بوجع القلب للافراج عن زوجها    إسرائيل تطالب واشنطن باستئناف الضربات ضد الحوثيين في اليمن    آلام الظهر أزمة عصرية شائعة.. متى تحتاج للطبيب؟    لماذا تتجدد أزمات اليمن وتتعاظم مع كل الاجيال؟!    صنعاء.. تحديد موعد إعلان نتائج الثانوية العامة    إنقاذ ناجين من السفينة "إترنيتي سي" واستمرار البحث عن مفقودين في البحر الأحمر    الحكاية من البداية غلط ..؟!    صعدة: ضبط 5 أطنان حشيش و1.7 مليون حبة مخدرة خلال عام    الدولار يتخطى 2830 ريالاً والبنك المركزي يناقش مع البنوك إعادة هيكلة الشبكة الموحدة    - الممثل اليمني اليوتيوبر بلال العريف يتحوّل إلى عامل بناء في البلاط اقرأ السبب ؟    ميسي يسجل ثنائية رابعة تباعا مع إنتر ميامي ويحطم رقم بيليه    الكثيري يطّلع على نشاط اتحاد التعاونيات الزراعية الجنوبي    بعد اتهامها بعدم سداد 50 ألف يورو.. غادة عبد الرازق تخرج عن صمتها وتكشف حقيقة ما حدث    صاروخ حوثي يهز سماء إسرائيل ودوي صفارات الانذار    تحذيرات أممية: أزمة الغذاء في اليمن تتفاقم وسط نقص حاد في المساعدات    سان جيرمان يلقن ريال مدريد درسا ويتأهل لنهائي كأس العالم للأندية    رئيس الوزراء يوجه بصرف مستحقات الطلاب اليمنيين المبتعثين وتصحيح قوائم الابتعاث    سريع يعلن استهداف مطار إسرائيلي    يهودي من أبوين يهوديين.. من هو الخليفة أبو بكر البغدادي؟    بابور الاقتصاد تايراته مبنشرة    سؤال لحلف بن حبريش: أين اختفت 150 ألف لتر يوميا وقود كهرباء    ما فعلته الحرب بمدينة الحُديدة اليمنية .. رواية (فيلا ملاك الموت) للكاتب اليمني.. حميد عقبي.. سرد سينمائي يُعلن عن زمن الرماد    عدن.. المدارس الاهلية تبدأ عملية التسجيل بدون اعلان رسمي وبرسوم مشتعلة وسط صمت الوزارة    فتّش عن البلاستيك في طعامك ومنزلك.. جزيئات خفية وراء 356 ألف وفاة بأمراض القلب سنويًا    علماء يحلون لغز جمجمة "الطفل الغريب"    خبير: البشرية على وشك إنتاج دم صناعي    العلاج بالحجامة.. ما بين العلم والطب والدين    أين علماؤنا وفقهاؤنا مع فقه الواقع..؟    العام الهجري الجديد آفاق وتطلعات    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة بذكرى استشهاد الإمام الحسين 1447ه    عاشوراء.. يوم التضحية والفداء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"موت التراجيديا" وموت المؤلف التراجيدي
نشر في عدن الغد يوم 10 - 02 - 2019

إن موت المأساة هو مأساة في حد ذاته، ولعل هذا التعبير مناسب جدا من حيث المنطق لدحض فكرة موت المأساة أو موت المؤلف المأساوي، لان المأساة تقتضي تغير الحال من الأفضل إلى الأسوأ.
ولعل هذا المقال هو نقد لفرضية اذكرها نهاية هذا المقال تبنت فكرة موت المؤلف المأساوي أو موت المأساة معتمدة على بعض الأعمال الفنية العالمية في العصر الحديث كأقصى ما يمكن ان إيجاده والاستدلال به أهمها مسرحية "هاملت ماكينة" للألماني هاينر موللر ومسرحيات الايرلندي كانتور.
وبالحديث عن مسرحية هاملت ماكينة نقول أولا إن حياة هاملت المأساوية ليس في موضوع المسرحية وقصتها بل في تاريخ تقديمها على الخشبة كانت تجسد الحال الأفضل الذي تشترطه المأساة قبل التحول إلى الحال الأسوأ وهو موت هاملت وتوقفه وهذا التغير والتبدل يجسد المأساة الجديدة التي قامت على أنقاض موت المأساة كما تفترض مسرحية هاينر هاملت ماكينة لكنه لا يستطيع ان ينفيها، ونستطيع أن نسميها من قبيل ما يمكن وصفه بمسميات عصر الحداثة " مأساة ما بعد موت المأساة" إن صحت هذه الفرضية أصلا.
وأقول إن صحت لإن الاعتماد على نموذج هاينر موللر "هاملت ماكينة" فقط في اثباتها قد يقول تفكيك الرموز المستخدمة فيه كلاما آخر ربما هو أبعد من مجرد فكرة موت المأساة أو موت المؤلف المأساوي فبدأ من رمزية اسم المسرحية "هاملت ماكينة " نجد ان هذه التسمية مجتزأة من جملة يفيد اكتمالها معنى كما تفترض ذلك اللغة وأساليب البلاغة بالضرورة وقد تكون تلك الجملة هاملت ماكينة لإنتاج المآسي واكتفاء المؤلف بلفظتي هاملت ماكينة له غاية لعلها فنية وبلاغية اذ تفترض ان يشارك المتلقي في إدراك المعنى والدلالة الناقصة في الجملة من خلال معطيات العرض وتفاصيله، ثم يتكشف لنا شي آخر من خلال الدلالات التي يحملها اسم المسرحية فنجد أن هاملت هو اسم والحالة هنا تناص مع مسرحية هاملت لشكسبير يرمز و يحيل إلى المأساة التي تجسدت في قصة شكسبير ثم ماكينة والذي يحيل إلى فكرة الإنتاجية المأخوذة من الثقافة الصناعية الألمانية موطن المؤلف التي اشتهرت بالمكائن الصناعية في مجالات كثيرة وهنا نجد ان هذه الماكينة هي معنوية في المعنى فدلالة المأساة الملاصقة لاسم هاملت قد كرست تلك الماكينة نفسها لإنتاجها وهذا ما يؤكده مضمون المسرحية الذي يحشد فيه هاينر اكبر وأشهر الإعمال الفنية المسرحية التي أنتجت تعبيرا عن مآسي وكوارث في أزمنة مختلفة وكان هاملت هو السبب في إنتاجها وفقا لما تفرضه التفاصيل وهذا يمكن ان يحمل على اكثر من وجه ومنها أن هاملت هو النموذج الفني المأساوي الذي احتذاه الكتاب في صناعة المأساة والتعبير عنها وهو يشبه قول ديستوفيسكي "لقد ولدنا جميعا من معطف جوجول" تعبيرا عن انتهاج كتاب روسيا في ذلك العصر منهج وطريقة جوجول في الكتابة السردية وينطبق عليه الوصف وفقا لتلك الرؤية لهاينر " المعطف الماكينة" وهو حين نحمله على وجه آخر اكثر اتساعا يعبر عن منطق هاينر الساخر واللاذع يمكن تمثيله بهذا الشكل "ألم تتعب الماكينة الإنجليزية من انتاج المآسي وتصديرها للعالم" لإن هاملت هو رمز يعبر عن هوية وانتماء أيضا وإذا نظرنا إلى الفترة الزمنية لكتابة المسرحية فقد نتأكد من صحة هذا التفسير وهنا لا تكون هذه المسرحية إعلانا عن موت المأساة بل سخرية سوداء لاذعة تعبر عن الرفض والثورة على سياسات إنتاج المآسي والحروب.
إن فعل التبدل هذا لا يختلف في سياقه عن فعل الرأسمالية حين توهمت أن طفرة التكنولوجيا قد ألغت مركزية المعرفة التي عاشتها قرون طويلة من الزمن حين خلقت لمن يجيد التأمل خارج الصندوق؛ مركزية أعظم تدير هذه المعرفة وتتحكم فيها من خلال نقطة واحدة فقط في هذا الكوكب هي ذات النقطة التي انطلقت منها. وهذا ما يمكنني أن أسميه ايضا في سياق تسميات عصر الحداثة "مركزية ما بعد موت المركزية". أو لعلها من أراد أن يوهمنا بذلك لاحقا لتوظيف هذه المركزية من ثم في مجالات تنافس ربحية واستخدامات استخباراتية وغير ذلك.
واذا افترضنا التشابه في مسرحيات المرحلة الثالثة للكاتب البولوندي كانتور مع حالة هاينر موللر في مسرحية "هاملت ماكينة" حين قام بتعطيل مسرحه، في هذه المرحلة من حياته الفنية و الذي يتخذ من الموت موضوعا له، من الرمزية والحمولات الدلالية والاكتفاء بتقديم مقاطع مجتزأة من كوارث البشر ومآسيهم ليقول من خلال ذلك أن الرمز والدلالة التي تشير إلى المأساة في العمل الفني قد وصلت إلى مرحلة الموت وعلى الأشياء أن تقدم نفسها بنفسها وتشير إلى المآسي والموت بلا وسيط وهو يشبه التحول نحو المركزية الكبرى لإنتاج هذه الدلالة وكما يبدو بوضوح فإن كاونتر قد قام بتعطيل الفعل تماما الذي ينتج الدلالة في الجزئيات الصغرى لمكونات عرضه المسرحي لكنه يقوم بإحداث التأثير في المتلقي ضمن شروط المسرح الدرامي الأرسطي وفي سياق اكبر تكون مهمة الفعل التغيير في عالم الحياة والواقع لإن ما تقوم به مكونات عرضه المسرحي من موسيقى وحركات وشخوص ليس سلوكا لإن السلوك هو ما يحدث دون إرادة وحرية اختيار يشبه ان نرى أنسانا ينزلق او كرسيا يقع ولإن تلك المكونات لا تقدم سلوكا من هذا القبيل فإنها بالتالي تقدم فعلا هو ذاته الفعل الدرامي في مسرح ارسطو وان قلنا ان الفعل قد مات حين أصبحت مكونات العرض بلا رمزية او إحالات فإن هذا الموت قد خلق ماهو اكبر حين شكل مجمل العرض مركزية أكبر للفعل الدرامي بكل شروطه لينتج دلالة صبغت بطابع المركزية ايضا هي دلالة الموت والتعبير عن المأساة وهذا ينتج مصطلحان حداثيان الأول ذكرته انفا وسميته "تراجيديا ما بعد موت التراجيديا" والثاني اسميه "فعل ما بعد موت الفعل الدرامي" وهما ينطبقان على ما أنتجه هاينر موللر وكانتور ايضا وبالإمكان أن نضيف ايضا تسمية أخرى هي "دلالة ما بعد موت الدلالة".
هذا التحليل وهذا النقد هو رد على ما جاء في فرضية وضعها الدكتور العراقي محمد سيف في مقال له وهذا نصه:
"تاديوز كانتور ليس أرسطيا بامتياز
محمد سيف/باريس هاينر مولر في مسرحية هاملت ماكينة، قام بتفكيك المسرحة الغربية التي يمثل هاملت بالنسبة لها الرمز، كشخصية وممثل.
بحيث فقدت الشخصية معناها، لأن هاملت لم يعد قابلا للعب، وهو اليوم يبحث عن مؤلف مثلما تبحث شخصيات بيراندلو عن مؤلف. وهذا يعني لم يعد هناك مؤلف مأساوي. بعبارة أخرى، إن رموز مسرح الماضي، مثل هاملت أو الكترا، مقدر لها أن تنتهي من تحنيطها في كراسي متحركة. فهاملت ماكينة، مسرحية تنتمي إلى مسرح ما بعد الدراما، تحتفل بالميتا تمسرح وموت المسرح يقول الممثل: " كنت هاملت". ولن يكون هناك بعد أو لم يعد. إن عروض مسرح ما بعد الدراما، بمثابة انقطاعات دقيقة زمنية بدون مستقبل.
كان تاديوز كانتور نفسه يتصرف، ك chorodidaskalos إغريقي يستخدم النص كمادة لتحقيق العرض الذي يبحث في مكان أخر عن معناه في غير معنى النص، وبالتالي إعادة مسرحة المسرح. فكانتور لا يربط فقط، كما يقول هانس ليمان، مسرح ما قبل الدراما مع مسرح ما بعد الدراما ، وإنما إنه يخلق، قبل كل شيء، معنى عروضه بالوسائل الموسيقية وثقافة الجمهور، لا سيما هو نفسه يكون على خشبة المسرح، كشخصية أساسية في العمل، وحده فقط الذي يستطيع أن يلعبها. وهكذا، ففي مسرحية عودة يوليسيس، هناك فرقة جنود تمشي بشكل ميكانيكي، وكذلك جنود نازيون وسوفييت، في موكب استعراضي عسكري وهم يضربون الأرض بكعوب أحذيتهم العسكرية، يقودهم صوت كمان الحاخام الذي يلعب لحنا يدمي القلب من وحي الغيتو- كلمة غيتو في الأصل تشير إلى المنطقة المحجوزة والمفروضة على اليهود حيث يمكن أن يعيشوا فيها وفقا لقوانينهم وعاداتهم الخاصة بين الشعوب الأجنبية الصورة المركبة غير معقولة، وهي حتى ليست رمزية. إنها ببساطة عبارة عن قوة عاطفية لا تصدق ومع ذلك، فهذه المسرحية لديها نص، بعنوان عودة يوليسيس للكاتب البولوني Stanislav Wyspianski، ولكن هذا النص لم يكن بالنسبة لكانتور سوى مادة للعرض إن قوة كانتور، تكمن في ان مسرحياته لا يمكن أن تستأنف أو يعاد إنتاجها لا لشيء إلا لأن من الضروري أن يكون هو نفسه موجودا فيها.
إن كانتور تجاهل أرسطو منذ البداية. لقد كان حقا غير أرسطي وإن مسرحه بمثابة مهرجان جنائزي وهو الذي يتحكم فيه أو ينظمه، وخالي من أي حمولة سياسية كانت أو رمزية ويدعو الجمهور الذي ينتمي إلى عالم الموتى للاحتفال معه بالانهيار. وإن هناك معنا واحد لمسرحه، هو الموت وهذا ليس موضوعا، وإنما جمالية مسرحية لقد اختراع كانتور مسرحا طقوسيا يحتفل بكوارث القرن العشرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.