إذا لم تغضب عدن لمثل هذه الجرائم فمتى تغضب ، وكل مدينة لا تعرف الغضب تموت في مستنقعات الحياة ، وتصبح نسيا منسيا ، وما كان لمدينة كعدن أن تموت بشقاوة القلة من أبنائها ، والذين يصنعون عذابها وبكل طيف ولون و في كل طور من أطوار حياتها وتاريخها . وكأنما عدن خلقت لدمع والدم والنسيان ، لا عاشقة للبحر وسمفونية خالدة لعشاق الحياة والراقصين على الجرح من أجلها ، والذين قضوا بالحب من أجلها ، وبذلوا أرواحهم وهي أعلى وأجل ما يملكون من أجلها ، وكتبوا بدمائهم القانية قصة حب لها ، وان لم يكمل الشهداء بعد فصول حكاياتها . عدن مدينة لا تموت وهي من تغتسل بدماء الأحرار من أبنائها وتزداد نقاء وطاهره ، وكشفت عن مشروعها الأزلي لشهادة وقالت انها قدرا مقضيا على حياة الرجال من فلذات أكبادها . عدن قديسة البحر وراهبة الزمان ، في قلبها تولد الفضيلة وتموت الخيانة كل يوم وتخرج كل جيفة منها إلى ملامحها البحري بلا خوف من أسباب التلوث لأنها تعرف كيف تداوي جراحاتها وتسلمها لضوء والنسيان . تعبت المدينة في الحياة وفي رحلة البحث فيها عن الحق والحق نور الهي مبين ، حتى إذا ما استقرت لنجم هوى ورماها بغفلة الأولين وداء السنين لكنها لا تستكين لكل جاهل منهم اتى على غفلة منها وخرج في ثقب من ذاكرتها الملبدة بهموم الحزين من أبنائها الثائرين الذين تستوقد منهم مشاعل الطريق لرحلتها الأبدية و السرمدية في البحث عن الحق ومتى تهتدي إليه . عدن مدينة من الشرق مثقلة العينين بالجمال ومسحة الاحزان المعمرة عليها تسكن تفاصيلها ووقع الفجيعة ، وقد استوطن الخوف فيها ، ولا تعرف الراحة ولا النوم في حياتها الصاخبة المملؤة بالفراغ . عدن مدينة لا تموت لكنها مدينة الاحلام و الموت وفنار العالم ونحبها على علاتها وحقا ان من الحب ما قتل .