- أمسينا على أبوابه.. رمضان قادم، لكن الغالبية كأنها لا تحس.. كأنها لاتدري.. الناس مشغولون بالمهاترات.. واحد يدعي أن بقرته ولدت عجلا، والآخر يقول: بل حماري هو من ولد.. مشكلة عويصة، وخصوصا عندما يكون الآخر هو الغضنفر، أي الليث، والأكثر إشكالية أن يدعي أحدهم أن حماره هو الوحيد القادر على حل معادلة قانون النسبية لإسحاق نيوتن، فيدعي آخر قدرة حماره على الوقوف على خشبة المسرح، والغناء بأحلى الألحان المفضلة للمطرب فلان، والمطربة فلتانة، وغير ذلك من الدعاوى التي لا تحترم عقلا، ولا تراعي نقلا.. ولا هدف لها سوى أن تقنعنا بأن الثور يمكن أن يروي العطشان بحليبه النقي الطازج، وأن الشمس يمكن أن تسقط من عليائها، وتغدو قطعة من الذهب في يد زعطان أو فلتان من البشر.. - رمضان على الأبواب.. شهر أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وخاتمته عتق من النيران.. يقال في حلوله: ياباغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.. يقول ملك الملوك في عليائه، ومن على كرسيه: (كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به) وبعض الناس لاهون، كل يغالي بسلعته، وقد يبيع غير مايملك، ويسلك للمال كل مسلك، ولا يهتم لحلال ولا حرام، وكله على ما يرام، مع أن الله طيب، ولا يقبل إلا طيبا، وصاحبنا صائم، عابد، لا يأكل إلا الحرام!! ولا يطعم أهله إلا الحرام، وربما شتم، وقذف، واغتاب، وشهد الزور في المحكمة، وفي الفيسبوك، وتويتر، وأرسل عشرات الرسائل الكاذبة من جهازه لمعارفه في الواتس، واستلم مقابل الأتعاب، ثم تصدق لمرضاة الملك الوهاب!! رمضان المحبة.. رمضان الخير.. رمضان البركة، رمضان الإخاء، رمضان التكافل، لكن الكثيرين لا يعلمون إلا أنه شهر الشفوت، واللبنية، والشربة، والعتر، والكبسة، والزربيان، والأماسي، والعزائم، والولائم، ولذلك يقاتلون أكثر من أي وقت مضى، وأكثر من كل الشهور للوصول إلى مايسمونه بالعمولات (تخفيف لمفردة رشوة) كما يقال للخمر مثلا مشروبات روحية، فيعقد كل مايمكن من العقد للوصول إلى المقصد، وتوفير مايكفي لشراء المرقحة الممرقحة، والمائدة المفلطحة، والجلسة المسطحة، وكله عنده حلال بلال، وماء زلال. - رمضان الإسلام، وكما قال حبيب الله، ومصطفاه، وخليله، ورسوله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ولذلك فهو- أي المسلم- مأمور في رمضان بترجمة ذلك عمليا، (فإن قاتله أحد فليقل إني صائم) لكن هذا البعض لا تعلم منه الشجاعة والإقدام في البطش بالمساكين (طبعا) وربما بأهله، وأخوانه، وزوجته، إلا في رمضان، والسبب أنه (صااااائم) ونسي أنه في شهر الرحمة، والعفو، والتسامح، والإخاء. - لقد مزقنا العنف، وشتتتنا الأهواء، والعصبيات، والحزبيات، وصار كل من حمل سلاحا دولة بحالها، يشخط، وينخط على عباد الله، وكما يقول المصريون: (يا أرض انهدي، ماعليك قدي) المطلوب أن يكون هذا الشهر شهر مراجعة، فليكن مناسبة رائعة للقاء، وفرصة للمحبة، نأمل هذا، ونتوسم خيرا في أبناء هذا البلد، فقد كثر الشقاق، وبعدت الشقة، واتسعت المشقة، وتربصت بنا الأخطار من كل حدب وصوب.