منذ سنوات قليلة مضت، وانا بعيد عن فعاليات المنتديات الادبية والفنية، بعدنولحج وابين، بعد ان مرت فترة ليست قصيرة، اسهمت معها في إنجاز عدة فعاليات كبيرة ناجحة. ولم اكن المسؤول عن هذا الانفصال، بل كنت ضحية تآمر لمجموعة من العتاولة والشخصيات الكبيرة من المتنفذين، ارادوا اهلاكي وتحطيمي، والاستيلاء على كل انجازاتي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومؤخراً عاد الحق الى نصابه، بفضل رعاية من الله، وقد فوضته امري، وحكمته في كل ما اتخذته من قرارات ومواقف، هذا الى جانب التدخل الايجابي لبعض الشخصيات البارزة والكبيرة والمحترمة.
وانا اكن لهذه المنتديات حبا تقديرا كبيرا، واقدر الدور الكبير الذي تقوم به في سبيل احداث نوع من التنشيط والتأثير الايجابي على الحراك الادبي والفني، في ظل غياب النشاط الرسمي، فتأتي هذه الفعاليات الاسبوعية لتملأ جزءا من الفراغ، فنشعر معها اننا في مجتمع حريص على التثقف، واننا مجتمع طبيعي، ومازلنا نستمع للشعر والاغنية الجميلة، ونطالب بعرض مسرحية وتنظيم معرض تشكيلي والاهتمام بالفلكلور والرقص الشعبي وغناء الدان وغير ذلك من الفنون، واعد جميع المنتديات بأني عائد إليها بقوة حاملا لها مفاجآت ايجابية.
لقد لعبت المنتديات الادبية والفنية، وتحديدا في عدنولحج، دورا كبيرا في الحفاظ على ثباتنا وتوازننا الثقافي والاجتماعي، بما اسهمت به من رصد للحراك الفني والادبي، ودعمه وتطويره وتشجيعه وتقديمه للجمهور، وقد عُرف معظم الشعراء والفنانين من خلال المنتديات، قبل افتتاح الاذاعة والتلفزيون، ولعبت المنتديات دورا بارزا في تشكيل الوعي الاجتماعي والاخلاقي للمجتمع، وكانت لها سمعة محترمة بين الناس، باعتبار روادها من الصفوة ثقافيا وفكريا، ومن علماء الدين ومن كبار القوم وجاهة ومكانة اجتماعية ورجال السياسة الذين يناضلون من اجل استقلال عدن والجنوب كله للاستعمار وهيمنته الاستعمارية، مما ساعد ذلك على تنمية علاقات اجتماعية واخلاقية قوية ومتينة بين الناس، تقوم على جوهر الدين وعلى التثقف، وباعتبار رواد المنتدى واعضاءه هم النمودج والقدوة، مثل التراحم والتعاون والتكافل الاجتماعي، والحرص على تعليم الابناء حتى من قبل الفقراء، وعدم المبالغة في المهور وتكاليف الزواج، واحترام الاخر بصرف النظر عن موقفه من الدين، رغم وجود ديانات وطوائف مختلفة والعمل للحد من الجريمة، وغير ذلك من الممارسات الاجتماعية الراقية التي نفتقر اليها اليوم.
ومنذ العام 2000 م تقريبا، بدأت تظهر نتائج المؤامرة الغربية علينا، نحن العرب والمسلمون، وقد بدأت مطلع القرن الميلادي العشرين، وهم يستعدون اليوم للمؤامرة الثانية التي ستبدأ بمجرد الانتهاء من تصفية القضية الفلسطينية نهائيا وتأسيس الشرق الاوسط الجديد.
والحق اننا مسؤولون عن نجاح مؤامرتهم، فمنذ اكثر من ستين عاما ونحن نقتتل ونخون ونتآمر على بعضنا مما ينهى عنه الاسلام، نقيم انظمة حكم فاسدة، نؤسس ممالك مهترئة وامارات باسطة وجمهوريات اسمية، نكتب قوانين رائعة لا نحترمها ونؤسس دساتير ننقلب عليها، ونمارس مخالفات صريحة ضد شعوبنا بعيدة عن الدين وعن العدالة، ضف الى ذلك خلافاتنا العقائدية والمذهبية، التي كانت لا تذكر في عدن الا كنموذج للتسامح والسلم، صارت باعثا ومبررا للعنف والارهاب والتكفير، وعدن والجنوب امتداد للعالم الاسلامي.
ان كثيرا من الحكومات الاسلامية تمارس التجهيل والتكفير والارهاب ضد شعوبها وشعوب اخرى، لانها عبارة عن زعماء لهم مصالحهم وصفقاتهم المالية المحلية والدولية، وهم يفرحون بإثارة الخلافات الدينية بهدف ممارسة الارهاب واثارة الرعب بين الناس لاخضاعهم.
لقد قلدنا الغرب في كل شيء تقريبا، حتى في الابتعاد عن جوهر الدين، بابتعادنا عن القرآن الكريم، كتاب الله : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )، ورفعنا راية الارهاب والتكفير في وجوه بعضنا وفي وجوه غيرنا، اهملنا العلم والتصنيع والاستثمار والزراعة والثقافة غير المقلدة لثقافة الغير، لاننا اهملنا آيات القرآن، وهي كنوز يحتويها هذا الكتاب الصغير، فكل شيء يحتويه القرآن، على المستوى الكوني وعلى المستوى الارضي، وعلى مستوى حياة الناس، فآيات القرآن تحدثنا عن السلم والتعايش والسلام العالمي وحرية المعتقد : قال سبحانه : ( وَ إِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )، وهي تنبذ العنف والارهاب والاعتداء والاستبلاء على حقوق الاخرين، وسوف نجد آيات تقدم حلولا لمشاكل اجتماعية مختلفة، وآياتا في كل مجال.
وانا لا اقول اننا ابتعدنا عن الاسلام، فنحن شعوب موحدة مؤمنة مسلمة، ولكني اقول اننا ابتعدنا عن جوهر الاسلام بالتعصب والتكفير والتجهيل، وبسبب ظروفنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية منذ اكثر من مائة عام.
انني وفي هذه التناولة القصيرة ادعو المنتديات في الجنوب والشمال في اليمن، والمنتديات في كل قطر عربي واسلامي، لتعزيز دورها التنويري، فإلى جانب الادب والفن، عليها التنسيق فيما بينها لتنظيم فعاليات كبيرة في الهواء الطلق، الهدف منها دراسة آيات القرآن الكريم دراسة واعية وعلمية، وفهمها فهما جديدا على ان القرآن الكريم ليس فيه ما يدعو للاختلاف العنيف والارهاب والتكفير، الله واحد والنبي واحد والقرآن كتاب واحد، مما يساعد في خلق شخصية اسلامية لا يمكن تجهيلها او خداعها، قادرة على المطالبة بحقوقها السياسية والمعرفية والمعيشية، ونبدأ في بناء اوطاننا مستفيدين من ثرواتنا الهائلة الجوفية والسطحية والمائية والبحرية والنهرية وغيرها، واقامة صناعة متطورة وتنمية زراعية هائلة واستثمار حكيم.
انني اتوقع ان هذا سوف يحدث في عدن بعد سنوات سنوات قليلة، المهم ان نبدأ.
علينا البدء نبدأ في الانتقال الي الخطوات العلمية والعملية في التنفيذ الاقتصادي في مثلث ومربع الخيرات الوطنية والعربية والدولية، والحليم تكفيه الاشارة، أي نقصد مثلث الخير: ( عدن - لحج - تعز )، ومربع الخير: ( حضرموت - شبوة - مأرب - الجوف )، لتتعمق الوحدة العربية في مثلثات ومربعات الخيرات، للتعايش الوطني والعربي والدولي، المهم أن نبدأ، وننتقل من الصراعات والاقتتال، الى السلم، والسلام بالله السلام والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وعلى من والاه بسلام وامان وتحياتي لمن ادرك معني التعايش بسلام، والسلام عليكم جميعا لمن تمعن بمعنى السلام وراية السلام والعمل بسلام.
مبارك على الجميع شهر الصيام، شهر رمضان المبارك، 1440 ه - 2019 م، وكل عام وانتم بخير.
* رئيس الغرفة التجارية والصناعية بمحافظة لحج، رئيس الملتقى الوطني الاقتصادي التنموي الاستثماري، صديق المبدعين.