تذكرت حوار جرى ( قبل اكثر من اربعين عاما ) بين عاملين من عمال البلدية ، حيث مر احد العاملين القدامى ، ولاحظ عامل اخر ( عامل مستجد ) يقوم بتنظيف احدى غرف التفتيش لمجاري الصرف الصحي ، واثناء مروره توقف ليشاهد ماذا يفعل هذا العامل ، ولاحظ ان العامل ( المستجد ) لايقوم بالعمل كما ينبغي حسب المطلوب ، ونظرا لان العامل المستجد لايعرف العامل القديم فلم يكترث له ودار بينهم الحوار التالي : العامل القديم : ماذا تفعل يابن الناس ، انت لاتقوم بالعمل بشكل صحيح وتحتاج الى تدريب . العامل المستجد : انا *غطاس متدرب* ( غطاس تحت التدريب ) ومش مستعد استمع لاي من هب دب في الشارع ، ومن تكون انت حتى تعطيني نصائح ؟؟ !! العامل القديم : انا لست ممن هب ودب .. انا يابن الناس *غطاس اول* .. انت لو جلست تفحر عمرك كله لن تصل الى الدرجة التي وصلت اليها انا .. الوصول الى درجة *غطاس اول* ليس بالسهل ولاينالها الا المجدون والمثابرون في العمل ، ولا اظن انك ستصل الى تلك الدرجة ولو بعد عشرين سنة . لاحظوا معي كيف كان الشخص قديما يفتخر بمهنته وتخصصة ويتحدث عنها باعتزاز ، هذا الاعتزار بالعمل وهذه الظاهرة تكاد تكون منعدمة اليوم . ولعلم القاريء الكريم ان عمال الصرف الصحي كان لهم هيكل وتوصيف وظيفي حسب الخبرة والكفاءة وهذا التوصيف يبداء من الادنى الى الاعلى كالتالي *غطاس متدرب* ( غطاس تحت التدريب ) *غطاس مساعد* *غطاس* *غطاس اول* *كبير الغطاسين* وكان يقتصر عمل الغطاسين تحت التدريب ومساعدي الغطاسين على تنظيف غرف التفتيش التي لايتعدى عمقها الياردة الواحدة ( 90 سم ) . اما غرف المجاري الكبيرة والموجودة في الشوارع العامة والتي عمقها يصل الى خمس ياردات او اكثر ( حوالي 4.5 امتار ) فيمنع الغطاسون المتدربون والغطاسون المساعدون من العمل فيها بسبب خطورة العمل فيها من جهة وبسبب محدودية خبرتهم من جهة اخرى ، ويقتصر العمل في هذه المجاري العميقة على الغطاسون والغطاسون الأوائل تحت اشراف كبير الغطاسين . تذكرت هذا الحوار وآلامني ماجرى لعامل النظافة "نجدي" الذي توفى وهو يؤدي واجبه المقدس ( في تنظيف شوارع مدينة عدن ) في العيد ، وكان ألمي كبير من حالة الاهمال التي تعيشها بلدية عدن ، وكان ألمي اكبر من حالة اللامبالاة التي تمارسها الحكومة ( الشرعية ) تجاة عمال البلدية ( عمال النظافة عمال الصرف الصحي ) وحالة التهميش التي يكابدونها ، لقد كانت بلدية عدن تحظى بمكانة عالية بين المواطنين في الزمن الغابر وكانت تحظى برعاية خاصة من قبل حكومات ماقبل الاستقلال وحكومات ماقبل الوحدة المبركة ، وكان عمال النظافة وعمال الصرف الصحي يحظون باحترام الجميع بسبب الدور الذي يلعبونه في الحفاظ نظافة المدينة وجعلها خالية من الأوبئة . وكان عمال البلدية يحظون بالرعاية الصحية . لقد كانت سلطات البلدية هي المسؤلة عن النظافة وعن مجاري الصرف الصحي ولكن من بين الخطايا التي ارتكبت بعد عام 1994 تم فصل جانب الصرف الصحي من البلدية وتم الحاقه بالهيئة العامة للمياه وانتقلوا من النظام الاداري الانجليزي الراقي الذي كان معمول به الى النظام الاداري الدحباشي ( اليمني ) المتخلف ، ان ذلك الاجراء لم يكن خطاء غير مقصود بل كان بداية لسياسة ممنهجة لتدمير بلدية عدن وتحويل عدن من مدينة الى قرية او دون ذلك ، كما صرح به رئيس النظام انذاك ( المتواجد حاليا بالثلاجة ) ، لقد كان ذلك الاجراء خطيئة من الخطايا الكبرى التي عانت منها مدينة عدن ، ولاتزال تعاني منها اليوم ، وستظل تعاني منها في المستقبل . ياقوم ايعقل ان نشيع جنازة انسان وننقله الى المقبرة في سيارة القمامة ( الزبالة ) ، اي درجة من الانحطاط وصلنا اليها ، واي حالة من عدم الاحساس بالمسؤلية انحدرنا اليها . يامسؤلون لقد توفى عامل النظافة "نجدي" وهو ينظف الشوارع من قاذوراتكم . لقد استكثر المسؤلون الفاسدون المفسدون على "نجدي" حتى سيارة اسعاف لنقل جثمانه الى المقبرة . *ان هذا يعطينا دلالة ان الوساخة والنجاسة لم تعد تكمن في اكياس الزبالة المرميه في الشوارع بل انتقلت واصبحت نهجا سلوكيا لعلية القوم في هذه البلاد* نسال الله ان يتغمد "نجدي" بواسع رحمته وان يسكن حلاله الجنة، وان يلهم اهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان .فكل نفس ذائقة الموت . ياقوم اهتموا بالبلدية وبعمالها ، فحينما كان هناك اهتمام بالبلدية كانت مدينة عدن ضمن الخمسين مدينة الأوائل في العالم من حيث التخطيط والتنظيم والنظافة و "تصنيف مدن العالم لعام 1964" خير شاهد على ذلك .