صحيح جدا ان الحوثيين قد اجهزوا على الرئيس علي عبدالله صالح وقضوا على آمال عودة اسرته الى الحكم ربما الى الابد في مقابل احلال حكم بيت بدر الدين الامامي الكهنوتي السلالي العنصري , إلا أنهم مع غيرهم من الخصوم السياسيين فشلوا حتى الآن في تقويض جماهيرية المؤتمر الشعبي العام نفسه أو النيل منها .. وهي مهمة قد توكل لاحقا لبعض قيادات الحزب ألتي أظهرت تماسكها وتضامنها الكبير حتى الآن رغم رحيل الزعيم. تأسست شعبية المؤتمر منذ اغسطس 1982 م على دعامات مقدرات السلطة والقوة والثروة وكاريزمية الرئيس صالح نفسه الى درجة قيل معها ان المؤتمر هو صالح , وصالح هو المؤتمر .. الآن لا سلطة ولا ثروة ظاهرة للحزب سوى تركة شعبية كبيرة وثقيلة من ملايين الأعضاء والموالين لشخص الرئيس السابق قد لا تقوى على الصمود أكثر من ثلاث سنوات فقط. لعل تبادل وتوزيع الأدوار المتوازن والتكامل بين قيادات المؤتمر في الداخل والخارج الذي ظهر كنهج واسلوب عمل سياسي بعد رحيل صالح يعد أبرز ملامح المرحلة العصيبة التي تهدد وجود هذا الكيان التنظيمي ووحدته .. فلم تنشأ أي تعارضات او تناقضات حادة ولا حتى متوسطة الشدة بين قيادة صنعاء بزعامة صادق أمين ابو رأس القريب ظاهريا من الحوثيين ولا بين قيادات الخارج في السعودية والقاهرة وابو ظبي , من ابوبكر القربي وسلطان البركاني وحتى احمد عبيد بن دغر وأحمد علي عبدالله صالح , وما يقال عن تيار مؤتمري جنوبي موالي لعبدربه منصور هادي والمهندس احمد الميسري لا يعدو أكثر من رهان مناطقي محدود الأثر ومؤقت , فلا الرئيس عبدربه مؤهل لزعامة المؤتمر مستقبلا كما هو حاله اليوم مع السلطة, ولا الميسري يجهل طبيعة اللعبة التي يديرها لصالح مستقبله السياسي في الغالب , فاما ان يحاول الأخير ابقاء المؤتمر متماسكا في الجنوب ( وهو الصواب) واما ان يخسر كل حساباته أمام قابلية المؤتمريين في هذه المناطق للذوبان والزئبقة في كيانات وتنظيمات سياسية اخرى بديلة. وما يشاع حاليا عن مؤتمر موالي لشرعية هادي وآخر للحوثيين او ال عفاش ليست أكثر من تعبيرات فردية شاذة لقيادات لم تصل إلى درجة شق صف المؤتمر ووحدته التنظيمية بما فيهم الذين تسللوا الى زفة الرئيس هادي بعد جفاف ضروع سلطة الصالح إثر حركة فبراير 2011 م الثورية. أطراف عديدة تراهن على أضعاف المؤتمر او احتوائه وتقاسمه لكن الحوثيين هم الطرف المؤثر الذي يؤرقهم أيضا وجود حزب كبير في مناطق نفوذهم بحجم المؤتمر الشعبي العام , وعلى الخصوص في قلب العاصمة صنعاء وما حولها حيث تتنامى شعبية احمد علي صالح المدعوم بتضامن قبلي واسع .. ولطالما ظلت شعبية حزب الإصلاح الكبيرة في أمانة العاصمة على سبيل المثال أقل خطرا على الحوثيين من غيرهم رغم حصولهم في انتخابات برلمان 2003 م على 12 مقعدا نيابيا في الامانة من إجمالي مقاعدها ال 19.. فالقاعدة الشعبية للاصلاحيين هناك لا تتكئ على تركيبة اجتماعية مستقرة بل متغيرة جذورها غالبا من القادمين إلى العاصمة من مختلف مناطق اليمن الأسفل , فيما أصبح ميول قبيلة حاشد بعد تفكك سلطة رموز ومشايخ بيت الأحمر القبلية أكثر لجهة عائلة الرئيس الصالح , بدليل تغير المزاج القبلي العام الذي حسم معارك الحوثيين مع بيت الاحمر والإصلاح في عمران بين يناير ويوليو 2014 م بدعم من الرئيس صالح نفسه الذي اوعز لانصاره هناك والحرس الجمهوري بدعم الحوثيين ولو بالحياد الإيجابي .. ومثلهم قبائل بكيلية لا تزال وفية للصالح وعائلته .. وقد فاقم ترفيع قيادة مؤتمر صنعاء مؤخرا لأحمد علي صالح إلى منصب الأمين العام المساعد من تبرم عبدالملك الحوثي الذي ابرق شخصيا لتعنيف صادق أمين ابو رأس ويحي الراعي واتهمهم بخدمة وموالاة العدوان. في فترة تحالفهم الاخيرة كان تأثير الحوثيين كبيرا على سلطات المؤتمر , بل بلغ الى درجة الوصاية حتى في أيام الرئيس صالح نفسه , فقد اعترضوا على صدور قرارت مجلس النواب الخاصة بوضع ميناء الحديدة تحت إدارة مشتركة وإشراف اممي لضمان تسليم أجور ومرتبات موظفي الدولة على الرغم إنه لا يوجد لهم اي عضو آخر غير يحي الحوثي في البرلمان الذي فقد شرعيته حاليا بمقاطعة 92% من أعضائه. معظم أعضاء مجلس النواب ال27 المتبقين في صنعاء اليوم رغم قلتهم إلا أنهم يمثلون المؤتمر الشعبي العام .. ولضرب ما تبقى من سلطة تشريعية للمؤتمر أجرى الحوثيون مؤخرا انتخابات صورية غير شرعية في 27 دائرة انتخابية شاغرة بوفاة ممثليها , في محاولة لفرض كتلة مزيفة بديلة اوموازية عبر انتخابات مزورة بإشراف جماعة انقلابية تخضع لعقوبات الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة.
* مصدر قوة المؤتمر*
بإعدام الرئيس صالح ظهيرة 4 ديسمبر 2017 م على أيدي الحوثيين , وتخلصهم ظاهريا من نفوذ حليفهم القوي الا انهم فقدوا معه أبرز غطاء سياسي لسلطة شرعية منتخبة من الشعب كانت توفرها لهم الكتلة البرلمانية الكبيرة للمؤتمر الشعبي العام , بصرف النظر عن الأثر المحدود لمقاطعة باقي كتل الأحزاب الأخرى .. فبعد رحيل زعيمهم قاطع أكثر من 210 أعضاء برلمان مؤتمريين انعقاد مجلس النواب الذي تحول مقره وسط صنعاء الى قاعة للاشباح ونعيق البوم ليلتحقوا بقطار من سبقهم من المناوئين لسلطات بيت بدر الدين الحوثي أمثال حزبي الإصلاح والناصريين والمستقلين. وتعمقت عقدة افتقار سلطة الحوثيين الى شرعية شعبية اكثر حينما لم تفلح كل الضغوطات والترهيب وحصار بيوت الاعضاء بالمدرعات والاطقم العسكرية بجلب أكثر من 27 برلمانيا من بينهم رئيس المجلس يحي الراعي من أصل 301 عضوا , ما يعني فرض عزلة شعبية مطبقة على سلطة الانقلاب الثاني للحوثيين. كتلة المؤتمر البرلمانية هي نفسها التي اوعز لها الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعدم مناقشة او قبول استقالة الرئيس عبدربه منصور هادي في يناير 2015 م ربما لأن صالح لم يطمئن الى البديل المقرب منهم الذي اقترحه عليه الحوثيون. وبنجاح انعقاد مجلس النواب الموالي للشرعية في سيئون أبريل الماضي بحضور 120 عضوا ومباركة 125 عضوا آخرين غالبيتهم يمثلون المؤتمر الشعبي العام في الداخل والخارج فقد الحوثة آخر امانيهم في الحصول على اعتراف ولو محدود بسلطتهم. ولم يكتفوا بإرسال طائرات مسيرة الى حضرموت كمحاولة لقصف قاعة الاجتماعات ومنع الانعقاد بل داهموا ايضا منازل النواب المؤتمريين في صنعاء ونهبوا محتوياتها واحتلوها , وفي مقدمتها منزل الشيخ سلطان البركاني رئيس البرلمان الجديد والأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام.. ولم يفلح اعتراض برلمان الراعي الصوري على المداهمات في فرملتهم. لكن ترهيب الحوثيين رغم ذلك نجح نسبيا في تراجع 30 عضوا من كتلة المؤتمر البرلمانية كانوا في طريقهم للمشاركة من القاهرة إلى سيؤون , واكتفوا بتأييد زملائهم ضمنا وربط غيابهم بشرط رفع العقوبات الدولية المضروبة على احمد علي عبدالله صالح .. الا أن بعض الأسباب تعود أيضا إلى ملاحقات وتهديدات الحوثيين التي قد تطال عائلاتهم وأموالهم وممتلاكتهم الخاصة. بعد مقتل الرئيس صالح فشل الحوثيون في الحصول على اعتراف كتلة المؤتمر البرلمانية ولا الهيئات القيادية للحزب , ولم يفلحوا كذلك في تسويق أنفسهم أمام هيئات ووفود الأممالمتحدة كممثل رئيسي وطرف وحيد لسلطة انقلاب صنعاء بعد قضائهم على صالح , فلا زال المؤتمر عبر ممثليه في الداخل أو الخارج هو الطرف المؤثر على توجهات التسوية السياسية الدولية في اليمن , ولم تؤثر تصفية صالح أيضا على مكانة المؤتمر الشعبي العام وسلطته البرلمانية والحزبية , بل زاد ذلك من نقمة المجتمع الدولي على الحوثيين. يتصور السلاليون إن تغلبهم على عقدة افتقاد الشرعية الشعبية والدستورية متاح لهم هذه المرة اكثر من ذي قبل بتصفية مجلس النواب وسلطته .. وهذا بالضبط هو الخطر الكبير على مستقبل المؤتمر الذي يمثل نوابه الأغلبية الكاسحة في البرلمان بين كتل الأحزاب النيابية الاخرى. وعندما وجه مهدي المشاط رئيس ما يسمى المجلس السياسي الاعلى مؤخرا يحي الراعي باقرار إسقاط الحصانة البرلمانية على أعضاء مجلس النواب المشاركين في دورات برلمان الشرعية بتهمة الخيانة العظمى إنما اراد بذلك تفكيك الوحدة التنظيمية للمؤتمر الى الابد بأيدي قلة ضئيلة من نواب المؤتمر نفسه لا يتجاوز عددهم 22 شخصا هم الذين لا يتورع الحوثيون عن اعتبارهم كل الشرعية المعتبرة للبرلمان اليمني الذي يتألف من 301 عضو.!!. لعلها مسألة شبيهة تذكرنا بالمتهم المدان جنائيا الذي أراد إصدار الحكم على القاضي وليس العكس. يعتقد الحوثيون أيضا إنه بإجراء محاكمات للنواب بتهمة الخيانة العظمى سيلغون إرادة التفويض الجماهيرية الممنوحة لهم , وبالتالي إلغاء أبرز سلطة جامعة للارادة الشعبية اليمنية التي ترفض حكم السلاليين الكهنوت انفسهم. وسوف يسهل إصدار أحكام غير شرعية باعدام النواب استكمال مسيرة السطو ونهب ومصادرة ممتلكات و اراضي وعقارات واموال النواب الكثيرة كغنيمة مباحة , وكورقة ترهيب وضغط موازية يجبرون بها أعضاء البرلمان الآخرين الرافضين لهم بالخنوع والتراجع تحت سطوة وبطش سلطة الانقلاب. ولعل اي مجازفة لرئيس مجلس نواب صنعاء يحي الراعي بالتطاول على حصانة زملائه المؤتمريين وغيرهم ستفضي الى انقسامات حادة وانهيار شامل لوحدة الحزب التنظيمية وربما صراعات داخلية مكلفة تقود إلى تصفيات وانتقامات بين رموز ورؤوس المؤتمر قبل غيرهم. وما لم يستطع الحوثيون تحقيقه بالقوة قد يتاح لهم بالحيلة , وبادوات من داخل البيت المؤتمري ذاته. ويعلم يحي الراعي قبل غيره إن ال27 عضوا الذين يرأسهم لا يمثلون اي نصاب شرعي ولو نسبي حتى مع احتساب اللا شرعيين ال27 شخصا الجدد الذين اقحمهم الحوثيون بديلا لنواب متوفين في بعض الدوائر الانتخابية. فلا الحوثيون يحوزون على أدنى صفات الشرعية الشعبية لإدارة انتخابات نيابية , ولا مجلس الراعي الكاريكاتوري لديه شرعية موازية لمجلس النواب الفعلي الذي رفض أعضاؤه وصاية السلاليين عليهم.
*ما بعد الصدمة
إنها الفرصة الأخيرة المتاحة للمؤتمريين على ما يبدو في ان يكونوا او لا يكونوا , فهم ليسوا حزبا عقائديا راسخا كالاصلاح مثلا يستطيع الصمود والتكيف لأطول مدى ممكن إزاء التقلبات والخضات السياسية, كما أنهم فقدوا ابرز مقومات البقاء التي نشأ عليها المؤتمر , اعني بذلك السلطة والثروة والقوة وشخصية الزعيم المؤثرة الجامعة لهم , اما الميثاق الوطني فهو واجهة عامة ويافطة تصلح أيضا لأي ائتلاف سياسي آخر يرفع شعارات الوطنية والوحدة , فلا يغني كل ذلك عن إن المؤتمر يواجه معضلات حقيقية في الحفاظ على وحدته الداخلية وتجديد خطابه السياسي والاعلامي البديل , وتجاوز منتسبيه وانصاره مرحلة أزمة التكيف مع المتغيرات كأي حزب كبير واجهته الصدمات المتتالية , من الحركة الثورية التي أطاحت بانفراده الطويل بالسلطة الى انقلاب حلفائه الحوثيين الجدد عليه واعدامهم للزعيم الذي لم يتمكنوا من نصرته او حتى الاحتجاج السلمي للمطالبة بجثمانه. وليس المطلوب من المؤتمريين ان يكونوا مثلا مع شرعية عبدربه منصور بالضرورة بقدر ما ينبغي عليهم عدم الصدام معها فهم حاليا بحاجة الى قوة عسكرية مثل ألوية العمالقة (سلفيةولي الامر) تسند ثباتهم في جبهة الساحل الغربي او الضالع , مع تحديد الأولويات بدءا من تبني المواجهة الشاملة ضد مشروع الحكم السلالي العنصري الحوثي , الى تبني نهج قضايا الديمقراطية والحريات السياسية والنقابية والوحدة الوطنية , والانطلاقة العقلانية نحو مربعات النضال اليومي للدفاع عن حقوق المواطنة المتساوية بدلا عن الصراع على السلطة. أما رهان العودة الى الحكم عبر القوة العسكرية المحدودة المتبقية لعائلة وأنصار الصالح او التعويل على وعود المدد الدولي والإقليمي للمؤتمر فمجرد عكاكيز مؤقتة لا يراهن عليها كثيرا في ضخ الحياة الى مستقبل الجسد المنهك لهذا التنظيم الوطني. وتحتاج مرحلة السلام القادمة في اليمن الى أحزاب وتنظيمات سياسية مدنية سلمية على قدر من النضوج الفكري الواعي وليس الى مليشيات مسلحة متخندقة يقودها أصحاب الثأرات الشخصية والحزبية والطائفية وسلاطين الحروب بعناوين وغطاء الوطنية الزائفة , فلا يحتاج المؤتمر او غيره من الاحزاب الى اعادة تسويق أنفسهم للناس كقوى موغلة في التوحش ووممعنة في تدمير المستقبل. وكان طارق محمد عبدالله صالح أكثر انسجاما مع نفسه عندما قال في أحد منشوراته على الفيس بوك انه سيقاتل الحوثيين للثأر لعمه الرئيس المغدور به) , أما أولاد الأحمر وحزب الاصلاح فلا يقولون أنهم يقاتلون الحوثيين لاستعادة حقوق مواطنتهم وممتلكاتهم المسلوبة والمصادرة , بل رفعوا سقف التضليل الإعلامي الى ذريعة دفاعهم عن الثورة والجمهورية والديمقراطية والوحدة , ومعهم في الزفة يرفع عبدربه منصور هادي السقف الإعلامي للمواجهة الى أقصاه بزعم قتال الحوثيين لصالح مشروع دولة اليمن الاتحادي فيما تنضح ممارساته الفعلية باستغلال السلطة ومزاياها لحسابات قروية ومناطقية ضيقة في ابشع صورها. وللمؤتمر الشعبي العام في اليمن مراجعة تجربته وتحالفاته السياسية والاجتماعية والرهان على الذات أكثر للخروج برؤية انتقادية تقييمية فاعلة تمكنه من التجديد وتفادي حالة الضياع والتفكك التي وقعت في شراكها أحزاب السلطة المشابهة في بلدان الربيع العربي.