تمرد على السفينة باونتي مبنية على أحداث حقيقية ترجمة دكتور طارق علي عيدروس السقاف أستاذ الترجمة والترجمة الفورية المشارك في جامعة عدن الفصل الثاني التمرد ذات مساء وفي إحدى الليالي بتاريخ السادس والعشرين من شهر نيسان رأى آدمز القبطان على سطح السفينة ، وكان الغضب باديا على مُحياه ، وكان الاخير واقفا بالقرب من كريستيان. سأل القبطان نائبه كريستيان قائلا ( أين جوز الهند الخاص بي يا سيد كريستيان؟ كان عددها الخمسين منذ يوم أمس ، أم اليوم فاصبح عددها عشرين؟ هل لك أن تفسر لي هذا؟) ، رد كريستيان قائلا ( لا.. يا سيدي. لا علم لدي بهذا الخصوص. لم أراها مطلقا ولم آخذها. إنك تعرفني جيدا أيها القبطان). تمعن القبطان النظر في الضابط البحري الشاب ولكن لم ينبس ببنت شفة. كان البحار آدمز يعرف بأن كلا من القبطان ونائبه كريستيان كانا صديقان حميمان في الماضي ولكن ليس الان ، فقد كان القبطان دائم الغضب ، بينما كان نائبه دائم القلق.
عاد القبطان إلى نائبه ثانية وقال ( أنت من أخذ جوز الهند الخاص بي ، أعرف هذا يقينا ، إنني أتهمك و جميع الضباط الآخرين بسرقة جوز الهند!! اللعنة عليكم جميعا....).
في الرابعة فجرا ، رأى آدمز كريستيان مرة أخرى ، كانت ليلة هادئة ، وكانت السفينة تبحر ببطءٍ. أخذ كريستيان قطعة من الخشب و حقيبة ، وكان الغضب باديا على مُحياه على ضوء القمر. كان هناك ضابط بحري شاب آخر يدعى جورج ستيوارت ، كان يتحدث مع كريستيان. سأل ستيوارت كريستيان بشيء من الاستغراب قائلا ( ماذا تفعل يا سيد كريستيان؟) ، رد كريستيان بغضب ممزوج بالحزن قائلا ( اللعنة!!! إن القبطان بلاي يشكك في ذمتي ، بل إنه لا يحب أحدا من ضباطه، يجب علي مغادرة هذه السفينة حالا..) اندهش ستيوارت وقال ( تغادر السفينة!!!؟؟؟ عن ماذا تتحدث؟ كيف ستغادر السفينة ونحن في وسط هذا المحيط؟؟؟؟!!!!)....رد كريستيان ( لدي بعض الطعام في هذه الحقيبة ، وقطعة من الخشب ، كما يمكنني السباحة!!! إننا لسنا بعيدين عن جزيرة تافوا ، فربما أستطيع الوصول إلى هناك سباحة...)...اندهش ستيوارت كثيرا من كلام كريستيان فقال ( تسبح إلى تافوا!!!؟؟؟ لابد وانك مجنون لتقول مثل هذا الكلام!!! هل تريد أن تموت يا رجل؟؟) رد كريستيان ( لم يعد يعنيني هذا الامر كثيرا ، لا يمكنني البقاء هنا مع هذا الرجل ، إنه لا يُطاق ، لقد طفح الكيل ، فكل يوم يصرخ القبطان في وجهي ، وباقي لنا عاما كاملا حتى نصل إلى وطننا الام إنكلترا ، فلا يمكنني التحمل أكثر من هذا...) هنا رد ستيوارت مهدئا من غضب كريستيان فقال له ( إنني افهم وأقدر شعورك هذا ، فكثير من البحارة يخشون القبطان بلاي ولا يحبونه ، ولكن أن تغادر السفينة فهذا برأيي ليس حلا ، يجب عليك البقاء ، إنك أفضل ضباطنا على الاطلاق ، اسمعني الان....لدي خطة......) كان القبطان بلاي في السرير عندما انفتح عليه باب قمرته ، دخل كريستيان قمرة القبطان مع ثلاثة من البحارة. كان الوقت ما يزال فجرا ، وكانت الظلمة منتشرة في كل مكان. فتح القبطان عينيه مع ضوء القمر ، فرأى نائبه كريستيان واقفا أمامه شاهرا سلاحه في وجهه. هنا صرخ بلاي مندهشا ( ما هذا؟؟ أخرجوا من هنا.. اللعنة عليكم جميعا...إنها....) لم يدعه كريستيان يكمل كلامه فقال موجها كلامه إلى احد البحارة المرافقين ( اقبض عليه....) ، اندفع أحد البحارة وقبض على ذراعي القبطان وثبتها خلف ظهره ، وقام كريستيان بربط ذراعي القبطان بالحبل وقال له بلهجة آمرة ( والان يا سيد بلاي...تحرك أمامي) ...أخرج البحارة القبطان من قُمرته واتجهوا به صوب سطح السفينة. كان القبطان يرتدي قميصا فقط بدون بنطلون أو أحذية...كان هناك حوالي اثني عشر رجلا مسلحا بالبنادق و السيوف على ظهر السفينة. رفع كريستيان ذراعي القبطان المقيدة بالحبل إلى الاعلى ، ووقف آدمز خلف القبطان وكان مسلحا هو الاخر.
هنا جن جنون القبطان ، فصرخ فيهم قائلا ( ماذا تفعلون؟ أتركوني حالا أيها....) هنا قاطعه آدمز قائلا ( كن هادئا واستمع لما يقوله السيد كريستيان) ، لكن القبطان عاد لصراخه وقال ( ولكنني انا قبطان هذه السفينة...) ،هنا رد عليه كريستيان بهدوء قائلا ( ليس بعد الان...إن هذه سفينتنا الان) بعدها التفت كريستيان صوب آدمز قائلا ( ضع القارب على البحر يا آدمز) ...كان القارب عبارة عن مركب صغير طوله سبعة أمتار ، وقد وضعه آدمز على البحر بالقرب من السفينة ، رد كريستيان ( حسنا فعلت يا آدمز، ابقي إلى جواري الان) ، بعدها نظر كريستيان صوب بحارة آخرين ، ولم يكن يحبهم كثيرا ، فقال موجها كلامه لهم ( أنتم أيها الرجال ، انزلوا إلى القارب حالا وبسرعة)....هنا صرخ بلاي قائلا ( لا...على الجميع البقاء في السفينة ، وتنفيذ أوامري، إنني أنا القبطان...وآمركم بان تساعدوني الان) ، قال هذا محاولا الهرب من قبضة آدمز ، ولكن كريستيان أمسك بالحبل ، ورفع آدمز سكينه ووجهها صوب وجه القبطان وقال ( حاول أن تعملها ثانية أيها القبطان ، وسوف ترى ما لا يسرك) .... في هذه الاثناء و في مقدمة السفينة ، ظهر الصبي بيتر هايود ، وكان النعاس باديا على عيناه ، بعد ان رأى ما رآه ، شعر بالخوف الشديد ، وقال ( ماذا يحدث هنا؟) ، رد عليه كريستيان مهدئا من روعه ( كن هادئا يا بيتر، ستبقى معنا ولا تخف...) ، ثم التفت صوب الرجال ثانية وقال لهم بلهجة آمرة ( قلت لكم انزلوا إلى القارب أيها الرجال.. ) ، عندها نزل بحذر ثمانية عشر بحارا إلى القارب ، بعد ذلك اقتاد كريستيان بلاي صوب طرف السفينة قائلا له ( والان جاء دورك أيها القبطان..)، أنزل اثنان من البحارة القبطان بلاي إلى القارب ، بأوامر من كريستيان ، وقام البحارة بتزويد القارب بالخبز مع برميل من الماء وقليل من اللحم وبعض القناني من مشروب الروم والخمر وحبل وشراع وبعض من الكتب الخاصة بالقبطان. بعدها وجه كريستيان كلامه للقبطان بلاي قائلا ( أرأيت ، كان بإمكاننا قتلك ، ولكننا قررنا بانك تعيش على هذه المؤن التي زودناكم بها لمدة أسبوع أو أسبوعان...) ، هنا صرخ بلاي بغضب قائلا ( ولكن لماذا فعلت هذا يا كريستيان؟ إنني قبطان هذه السفينة و صديقك ...) رد عليه كريستيان باستهجان ( صديقي!!!؟؟ ليس بعد الان...ألا تفهم...لقد هنتني وآلمتني كثيرا على هذه السفينة ، لقد تحولت حياتي إلى جحيم بسببك ، وكذلك جميع البحارة عانوا من ظلمك وقسوتك وجبروتك...وتأتي الان لتقول لي بانك صديقي!!!!) هنا رد عليه بلاي وهو في الزورق قائلا ( ستكون في الجحيم طيلة حياتك ، وستندم يا كريستيان اشد الندم على فعلتك هذه...ستندم في وقت لن ينفع فيه الندم...) قال بلاي هذا ثم جلس مع زملائه الاخرين على القارب. راقبهم كريستيان وزملائه من البحارة المتمردون من خلف السفينة ، بعدها قاموا بفتح عدد من القناني من مشروب الروم وقاموا بشربها وقد ملأتهم الغبطة والسعادة.....أحد البحارة المتمردون كان يشرب الروم ويضحك كثيرا بشماته وهو يشاهد بلاي وزملائه على القارب وقال ساخرا ( إن إنكلترا في هذا الاتجاه ايها القبطان ، بمسافة ثلاثين الف كيلو متر باتجاه الشمال...) هنا وعلى متن السفينة باونتي حيث المتمردون مع زعيمهم كريستيان ، قال آدمز بفرحة غامرة ( لننسى أمر إنكلترا يا صديقي ، إنني أفكر بجزيرة تاهيتي ، وتلك النساء الجميلات المثيرات، هناك تكون السعادة حقا خصوصا مع زعيمنا الجديد القبطان كريستيان..)...هنا نظر كريستيان صوب رفيقه آدمز بشرود لبرهة ولكنه لم يبتسم. كان وجهه شاحبا ويبدو عليه كثير من القلق ، وبعدها نظر إلى البحر صوب الزورق الذي كان به القبطان ورجاله على البحر وهو يبتعد شيئا فشيئا حتى اختفى عن ناظريهم تماما...هنا رد كريستيان على تعليق رفيقه آدمز فقال ( تاهيتي أو إنكلترا أو حتى السفينة باونتي ، لم يعد الامر مهما الان يا جون...يبدوا ان الجحيم ينتظرنا!!!!) يتبع.......