في علم السياسة تنفرد السلطة السياسية باتخاذ القرارات المؤثرة التي تعد من ضرورات الحفاظ على الدولة والمجتمع معاً. وعندما اتخذت السياسة الإماراتية والمملكة العربية السعودية موقفاً مباشراً وصريحاً من مغامرات الحوثي غير المحسوبة، استطاعت الدولتان تحقيق معادلة متوازنة، والانحياز غير المشروط إلى جانب الشرعية، بالرغم من واقع المعطيات والمتغيرات، ولعل الفكر السياسي وتلك الفلسفة العسكرية يعطيان تلك المعادلة تميزاً ومفاهيم واقعية. لقد كانت دولة الإمارات شريكاً أساسياً وفاعلًا في عملية «عاصفة الحزم» في اليمن في مارس 2015، إلى جانب المملكة العربية السعودية والجيش اليمني؛ لدحر ميليشيات الحوثي، وعصابات «القاعدة» الإرهابية، وإعادة اليمن سالماً معافى إلى أهله وشعبه. وقد أظهرت القوات الإماراتية، كفاءة عالية في ميادين القتال، فلم تكن تشارك في معركة إلى جانب قوات الشرعية إلا وكان النصر حليفها، واستطاعت بتدريبها العالي، وكفاءتها القتالية أن تطهر مساحات شاسعة من أرض اليمن من دنس الإرهاب والإرهابيين. وقد أسهمت القوات الإماراتية بأكثر من 30 مقاتلة جوية وقوة بحرية وبرية ضخمة، واستهدفت المقاتلات الإماراتية في بداية العمليات منظومات الدفاع الجوي في صنعاء وصعدة والحديدة، إضافة إلى منظومة الصواريخ ومراكز للقيادة ومستودعات إمداد في مأرب. كما حررت قوات الشرعية بدعم من قوات الإمارات ميناء عدن، وتمددت على الساحل الغربي؛ حيث سيطرت على مدينة ذباب وجنوباً باتجاه حضرموت، واستمر تمددها غرباً؛ حيث سيطرت على ميناء المخا، إضافة إلى السيطرة على محطة إسالة الغاز الطبيعي الوحيدة باليمن، والموجودة في بلحاف، كما ساهمت في استعادة ميناء تصدير النفط الرئيسي في الشحر. ودعمت القوات الإماراتية، قوات المنطقة العسكرية الخامسة بالجيش اليمني في مديريات حرض وميدي بمحافظة حجة، بهدف استعادة الأماكن التي كانت تحت سيطرة الحوثيين، وإنهاء سيطرة الميليشيات على ميناء الحديدة. وعلى جبهة حضرموت، لعبت القوات الإماراتية، دوراً بارزاً في التصدي لخطر إرهاب تنظيم «القاعدة» هناك، فشنت عمليات نوعية قضت بموجبها على شوكة الإرهاب في تلك المنطقة. وما نفذه جيش الشرعية بدعم إماراتي من خطط عسكرية، يمثل تطوراً كبيراً في إدارة المعارك، وتحقيق الانتصار، في واقع جغرافي معقد من التضاريس المختلفة، ومن يعرف اليمن يعرف طبيعة البيئة والتضاريس المعقدة التي تدور فيها. إن الإنتصارات التي تحققت بمساهمة الإمارات تعد هدية للشعب اليمني الشقيق. فالإمارات كانت ولا تزال تنظر إلى اليمن بوصفه العمق الطبيعي والاستراتيجي لها، وهي لن تتركه وحده؛ بل ستساعده في هذه المرحلة من خلال الانتقال من «استراتيجية القوة العسكرية» إلى خطة «السلام»، والتي تعني المحافظة على المناطق المحررة، وتعميق الأمن والاستقرار فيها، مع إبقاء اليد على الزناد تحسباً لأي طارئ قد يحدث. ولا شك أن ما حققته الإمارات في اليمن شيء عظيم ستذكره الأجيال المقبلة، ليس فقط من ناحية القوة العسكرية ، بل من خلال المساعدات الإنسانية والإغاثية الضخمة التي قدمتها للشعب اليمني منذ عام 2015 حتى هذه اللحظة، فقد قامت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي بتنمية ستة قطاعات رئيسية، هي: التعليم، والصحة، والأمن، والإغاثة، والبنية التحتية، وبرامج الإسكان، بإجمالي قيمة مساعدات بلغت نحو 9 مليارات و400 مليون درهم خلال الفترة من أبريل 2015 وحتى نوفمبر 2017، استفاد منها 10 ملايين منهم 4 ملايين طفل، وحصلت الإمارات على المركز الأول عالمياً كأكبر دولة مانحة في تقديم المساعدات الإنسانية الطارئة إلى الشعب اليمني لعام 2018 كمساعدات تنفذ بشكل مباشر، وفقاً لخدمة التتبع المالي «FTS » لتوثيق المساعدات في حالات الطوارئ الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، وهي تسهم بشكل فعال إلى جانب شقيقتها المملكة العربية السعودية في تنفيذ المشروعات التنموية التي تسهم في استقرار الأسر اليمنية، وعودة الحياة إلى طبيعتها. وقد أعلنت الإمارات عن تعهدها بمبلغ 500 مليون دولار أمريكي لليمن خلال عام 2019، ويشمل التمويل منحاً لوكالات الأممالمتحدة من أجل دعم اليمن، والتزام الإمارات بدعم اليمن على أساس ثنائي، لتمويل البرامج الطموحة الخاصة بدعم الاستقرار، بالتعاون مع كثير من الشركاء اليمنيين والدوليين. وقد أعلنت الأممالمتحدة، الخميس الماضي، أن دولة الإمارات، تصدرت المركز الأول عالمياً باعتبارها أكبر دولة مانحة للمساعدات للشعب اليمني الشقيق عام 2019. إن دعم الإمارات لليمن لن يتوقف، وسيستمر طالما أنه محتاج إلى هذا الدعم، فالمهمة لم تكتمل بعد، ولن تكتمل حتى يعود الاستقرار إلى كامل أرض اليمن، وتبدأ دورة الحياة الطبيعية فيها كما كان عليه الحال قبل انقلاب عصابات الحوثي على السلطة في صنعاء.