مساحات خضراء واسعة متنوعة الكلا والأشجار ، الأنعام من الجمال والنوق وصغارها تأكل هنا وترتع هناك . يأتي وقت الظهيرة بالهجير اللافح فتتوزع الإبل وصغارها في المكان لتتفيأ ظلال الأشجار وتمارس عملية إجترارها لما في معدتها من غذاء مستمتعةً بذلك . غير بعيد عن ذاك المشهد يجلس رجل أشيب محتبياً ، صهرت الشمس عظامه وأذابت جلده وحفر الزمان أخاديد غائرة في وجه أسمر لفحته الشمس مرارا ً عديدة وتغضّن جلد وجنتيه يلف الأشيب جسده بشال ومأزر قديم ولا يبدو عليه آثار همة او صحة . راعي الإبل يستظل تحت شجرة وارفة الظلال ويأكل لقيمات من خبز يقي بها رمق جوعه إلى أن يحين موعد الرواح . فبينما هو في استراحة الظهيرة يأتيه صوت من غير بعيد منادياً إياه : يا عم عبدالله يا عم عبدالله هيه خير إن شاء الله يا ولدي ..بشٌّر والله يا عم عبدالله سامحني جيت لك بخبر ماهوه خير .! آااه ..كل اللي يجيبه ربنا خير . أيش عندك ؟ هات خبر . والله جماعتك تركوا بيتك من غير رجعة ، وبلغوني انهم يطلبون منك الطلاق . تنهد العم عبدالله عميقاً وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . أنا أيش قصٌرت معها . كانت تلك الزواجه رقم (3) التي لم يكتب لها الإستمرار في السنوات الأخيرة من بعد أن توفيت شريكة عمره الاولى فكلما تزوج بواحدة لا تلبث ان تمر فترة وجيزة الا وتطلب منه الطلاق ، دون سبب ولا تفصح عن سبب طلاقها فيطلقها لرغبتها في ذلك . راعي الإبل هذا يمتلك من الأموال والمواشي ما لا حصر له ، وتطمع فيه الكثير من الأسر الإنتهازية في تزويج بناتهم الصغيرات منه دون مراعاة لفارق السن او التكافؤ الإجتماعي والنفسي بينهم ، بل طمعاً في أن يرثوه وتؤول ثروة هذا الراعي الشيخ الكهل إليهم . إنه الطمع . إنه الطًمع .
غادره الرجل صاحب البشرى غير السارة وظل هو تحت ظل الشجرة يفكر طويلاً في حاله وما آل إليه .،فقررهذه المرًة ألا يطلق حتى يعرف أين وجه القصور عنده ولماذا يطلبن الطلاق بعد فترة لا تتعدى الستة أشهر من زواجه؟ فأبى أن يطلٌق ، من هنا بدأت عجلة ومشوار الشريعة والتشارع بينهما بالدوران . تدخل الأقرباء من الخيرين والصلحاء لرأب الصدع بين الزوجين وإصلاح ذات البين، لكن المحاولات باءت بالفشل وكل متمسك بطلبه . هي تطلب الطلاق دون إبداء أسباب هو يرفض الطلاق حتى يعرف الأسباب . إحتار أهل الحل والعقد من العقال والمشائخ في القرية، ولم يجدوا حلاً ، فقرروا نقل المشكلة إلى المحكمة والقضاء ليفصل فيها . تحسّس القاضي العوينات الزجاجية لنظارته ثم أنزلها إلى طرف أرنبة أنفه متفحصاً ملف القضية المعروضة أمامه .. يطرق القاضي بمطرقته على الطاولة وينادي على حاجب المحكمة يا عسكري الذي بعده يدخل العم عبدالله يمشي بتؤدة وملتحفاً شاله القديم على ظهره ، وبدأت أجزاء عارية من جسده لم يضمها الشال ويعتمر ( كشيدة) معصوبة على رأسه في عدة لفٌّات ، ويتوكأ بعصاه وإلى جواره زوجته صغيرة السن كأنها زهرة نديه تفتحت باكراً ًببستان . س.: لماذا تطلبين الطلاق ؟ سأل القاضي فلم تجب الفتاة . أدرك القاضي أنها لا ترغب في الكلام في وجود الزوج ، فأمر بإخراج العم عبدالله من القاعة . هاه. ، الآن يمكنك الكلام بصراحة وبكل راحة . فخاطبت القاضي في شبه بكاء هذا هذا الشيبة تعبني كثير كثير وجاب لي الجنان . يريد حقه الشرعي مني واصل واصل . عندما يقوم من النوم يريد حقه الشرعي . عندما يعود من صلاة الفجر يريد حقه الشرعي . عندما يجهز الإبل للمرعى صباحاً يريد حقه الشرعي . عندما يرجع المغرب مع الإبل ويتناول عشاه ، يريد حقه الشرعي . قبل أن ينام يريد حقه الشرعي أنا تعبت .. تعبت .. خلاص ماعاد أشتيه . طلقني ، طلقني منه . وراحت في نوبة طويلة من البكاء المرير . ينهض القاضي من على كرسيه فزعا وقد أعتلى وجهه الذهول والإستغراب من هول ما سمعه ،وبدأت الغيرة من هذا الشايب الكهل تأكل قلبه وحواسه . وقال : كل هذا من فعل الشيبة ؟ قولي غيرها يابنت الناس لا يبان عليه . فهزٌت رأسها إيجاباً وقالت : ايوه أيوه والله العظيم ، كله منه ، جنن بي . في هذه الأثناء راح القاضي يتمثل في خياله وجه زوجته وهي بقربه في سرير النوم وقد كست وجهها علامات من الضيق والتعاسة وعدم الرضا بسببه ! كما هو الحال في صورة الإعلانات التجارية للمنشطات الجنسية . قبل .. وبعد . ثم قال للفتاة بصوت ممزوج بالمرارة والحنق -- يابنتي نصيحة لله إرجعي لزوجك غيرك ما حصل الذي حصلتيه وصرخ في حاجب المحكمة حانقاًً : يا عسكري جنّي يشلّك ادخل العم عبدالله . قعد العم عبدالله على الكرسي ، فسأله القاضي بلهفة وسرعة أيش تشتغل يا عم ؟ يا ولدي ماعندي شي شغل . أنا راعي جمال وبس لا ، لا ياحاج ، أقصد أيش تأكل من الطعام ؟ فيجيب العم عبدالله يا ولدي ما آكل إلٌا لحم الجمال .فقط وكسرة خبز وقليل لبن إبل ..كل يوم هكذا على هذه الحال ولا غيره . بس بس هذا هو أكلك؟ ياحاج زايد فوقه قطعة من سنام الجمل وقطعة من كبدة الجمل .اذبح كل شهرين جمل صغير وأجفف لحمه في الشمس وبعدين هات لك يا أكل !. هذا أكلي لا زايد فوقه ولا ناقص ! ياعسكري شل عمك عبدالله وزوجته من قدامي الآن وأغلق الباب ولا تسمح لأ حد بالدخول . يتأكد القاضي من خلو القاعة تماماً ثم يحرك كرسيه الدوٌّار إلى الوراء قليلاً ويقوم بفتح ( سوستة سرواله ويخاطب ( ........) بتاعه ؟ هاه آاح ، شوف كيف الناس إللي تعرف تشتغل صح ؟ لحم جمل ، سنام جمل ، كبدة جمل . مش هو أنت يا .... توف .توف توف تفو عليك. يا حق الدجاج ( ههههههه ) يقولون أن القضاة المبجلين عمدوا إلى تغيير حميتهم الغذائية .. تمت