أجمل ما في الدنيا صبر المؤمن على البلاء أو الإبتلاء والمصائب مع الحمد والشكر لله وإحتساب الأجر من عند جل في علآه، فالدنيا من طبيعتها الإبتلاء ومن لم يوطن نفسه أو يأقلمها على المواقف الصادمة ويتخذ من الصبر مفتاحاً للمرور نحو آفاق واسعة ورحبة من الأمل أما هو افضل فذلك انسان ينغص على نفسه حياته ويضيع عليها الأجر الوفير، نحن المسلمين علينا أن نتأمل في كتاب الله عز وجل وننظر الى ما أمرنا به من الصبر والتجلد والإحتساب عند حلول أو نزول مصيبة ما بنا. فمشروع حياتنا يجب اقتباسه من نور سيرة حبيبنا ونبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو خير قدوة وأعظم نموذج للصابرين، علينا أن ننظر في أحوال نبينا وصحابته الكرام وسلفنا الصالح ونستلهم منهم اعظم مواقف الصبر على البلاء وكيف أنهم صبروا على الشدائد والمحن لينالوا خير الدنيا والأخرة، فالصبر له من الأجر العظيم والمنزلة الرفيعة عند الله عز وجل ما لا يتخيله أحد من الناس وقد اكرم الله من يتصف بصفة الصبر بإنزال آية فيها وعد البشارة لمن هو صابر على البلاء حامداً شاكراً الله عليه فقال تعالى في محكم التنزيل (وبشر الصابرين) فيا لها من بشرى سعيدة. هنيئاً لمن اتصف بهذه الصفة العظيمة، ولنا في قصة الصحابي الجليل مصعب ابن عمير رضي الله عنهم خير مثال للصابرين فهو نموذج لمن ترك رغد العيش ولذة الدنيا ومتاعها ورخائها مفضلاً عنها حياة الفقر والكدح والتعب من أجل دين الله مكابداً ألوآن المعاناة بصبر واحتساب، فهو الصحابي الذي صبر على السجن في مكة وكان يدعو أمه لكي تسلم وهو موثق ومكبل في سجنه ولم تؤثر فيه مغريات الدنيا ومتاعها. روى ابن إسحاق في مغازيه عن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه قال : "كنا قوماً يصيبنا صلف العيش بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدته، فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك، وصبرنا له، وكان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة، وأجوده حلة مع أبويه، ثم لقد رأيته جهد في الإسلام جهداً شديداً حتى لقد رأيت جلده يتحشف تحشف جلد الحية عنها، ثم أكرمه الله عز وجل بالشهادة يوم أحد" قد أصيب بعض الصحابة بمصائب وحصلت منهم ردة فعل يكرهها النبي صلى الله عليه وسلم فكان يأمرهم بالصبر ويرشدهم إلى الصواب فيرجعون من فورهم رضي الله عنهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ : (مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ : اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، قَالَتْ : إِلَيْكَ عَنِّي! فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا : إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ : لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ : إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى) رواه البخاري ومسلم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري : "قَالَ الْقُرْطُبِيّ : الظَّاهِر أَنَّهُ كَانَ فِي بُكَائِهَا قَدْر زَائِد مِنْ نَوْح أَوْ غَيْره وَلِهَذَا أَمَرَهَا بِالتَّقْوَى، قُلْت (ابن حجر) : يُؤَيِّدهُ أَنَّ فِي مُرْسَل يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير الْمَذْكُور (فَسَمِعَ مِنْهَا مَا يُكْرَه، فَوَقَفَ عَلَيْهَا) وَقَالَ الطِّيبِيّ : قَوْله (اِتَّقِي اللَّه) تَوْطِئَة لِقَوْلِهِ (وَاصْبِرِي) كَأَنَّهُ قِيلَ لَهَا خَافِي غَضَب اللَّه إِنْ لَمْ تَصْبِرِي وَلَا تَجْزَعِي لِيَحْصُل لَك الثَّوَاب، قَوْله : (وَلَمْ تَعْرِفهُ) أَيْ خَاطَبْته بِذَلِكَ وَلَمْ تَعْرِف أَنَّهُ رَسُول اللَّه، وَزَادَ مُسْلِم فِي رِوَايَة لَهُ (فَأَخَذَهَا مِثْل الْمَوْت) أَيْ مِنْ شِدَّة الْكَرْب الَّذِي أَصَابَهَا لَمَّا عَرَفَتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَجَلًا مِنْهُ وَمَهَابَة، قَوْله : (إِنَّمَا الصَّبْر عِنْد الصَّدْمَة الْأُولَى) وَالْمَعْنَى : إِذَا وَقَعَ الثَّبَات أَوَّل شَيْء يَهْجُم عَلَى الْقَلْب مِنْ مُقْتَضَيَات الْجَزَع فَذَلِكَ هُوَ الصَّبْر الْكَامِل الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْأَجْر، وَقَالَ الطِّيبِيّ : صَدَرَ هَذَا الْجَوَاب مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلهَا : (لَمْ أَعْرِفك) عَلَى أُسْلُوب الْحَكِيم كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا : دَعِي الِاعْتِذَار فَإِنِّي لَا أَغْضَب لِغَيْرِ اللَّه وَانْظُرِي لِنَفْسِك، وَقَالَ الزَّيْن بْن الْمُنِير : فَائِدَة جَوَاب الْمَرْأَة بِذَلِكَ : أَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْ طَائِعَة لِمَا أَمَرَهَا بِهِ مِنْ التَّقْوَى وَالصَّبْر مُعْتَذِرَة عَنْ قَوْلهَا الصَّادِر عَنْ الْحُزْن بَيَّنَ لَهَا أَنَّ حَقّ هَذَا الصَّبْر أَنْ يَكُون فِي أَوَّل الْحَال فَهُوَ الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الثَّوَاب، وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ فِي رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة الْمَذْكُورَة (فَقَالَتْ أَنَا أَصْبِر أَنَا أَصْبِر) ، وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّم، أَنَّ مَنْ أُمِرَ بِمَعْرُوفٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْبَل وَلَوْ لَمْ يَعْرِف الْآمِرَ، وَفِيهِ أَنَّ الْجَزَع مِنْ الْمَنْهِيَّات لِأَمْرِهِ لَهَا بِالتَّقْوَى مَقْرُونًا بِالصَّبْرِ وَفِيهِ التَّرْغِيب فِي اِحْتِمَال الْأَذَى عِنْد بَذْل النَّصِيحَة وَنَشْر الْمَوْعِظَة، لذا فإن الصبر من اعظم الأمور التي ينبغي على المسلم التحلي بها والإيمان التام بالعاقبة المحمودة التي تترتب على هذا الأمر العظيم، فترويض النفس وتطويعها على الصبر احدى طرق واساليب الصلاح في الدنيا والأخرة لكون الصبر من اهم الأسس والشعب الإيمانية التي يلزم أقترانها بعمل المؤمن.