لمن يقرأ التاريخ بعين مجردة بعيدا عن العاطفة وفرط الخصام سيجد بوضوح ان ما حدث يوم 26 سبتمبر 1962م في شمال اليمن كان منعطفا تاريخيا أشتمل معه جميع عوامل الفعل الثوري المعروفة. فقادة ذلك الفعل الثوري الذين قدموا من مدرسة الضباط الاحرار المصرية بعد ان تشربوا ادبيات النضال والثورة فيها لم يعودوا للشمال حينها للبحث عن سلطة او ثروة بل إنتفضوا حقا بوجه الإمامة رغبة منهم في تغيير واقع سقيم تمثل بواقع العبودية والتخلف. لكن ما الذي حدث بعدها؟ يمكن القول ان ما حدث بعدها! هو إحتواء تلك الثورة وإجهاض أهدافها ضمن مسلسل صراع الجمهورية والملكية الذي خيم حينها على سنوات ما بعد الثورة ورحيل الإمامة، يومها تاهت أهداف ثورة سبتمبر بين رحى خلافات المعسكرين المتاضدين المصري والسعودي آنذاك . ذلك الخلاف الذي يبدو انه جر معه واقعا جديدا تمثل ببقاء جسد الثورة السبتمبرية عبر نظام جمهوري ديكوري فيما غابت روح تلك الثورة وغابت إنعكاسات أهدافها المعلنة عن واقع الشمال..لذا يمكن القول ايضا انها كانت حقا " ثورة محتواة ". مثل عهد صالح امتدادا طبيعيا لحال تلك الثورة المحتواة وان بدى متحررا قليلا الا انه عاش لعقود رئيسا ملكا وتحت غطاء الجمهورية ايضا، تلك الجمهورية التي طالما كرست لإحتكار السلطة في طبقة معينة وجيرت كل مقدرات الدولة لتعزيز تلك السلطة تاركة الشعب المغيب وحده يحتفل بثورة لم ير منها الا إسمها فقط في بعض كتبه المدرسية وصحفه المحلية. ما حدث حاضرا! هو إفراغ المفرغ أصلا وتأكيد الواقع المعاش أساسا!! وتحت عنوان جديد أعادت الملكية تأطير حضورها في الشمال كسلطة حاكمة، فأدواتها لم تغادر يوما واقع السلطة حتى نسميها سلطة الامر الواقع بإستثناء فصلا الربيع القصيران اللذان عاشهما الشمال ابان حكم السلال والحمدي فقط. 21 سبتمبر! هو أيضا تاريخا أخر لثورة سبتمبرية أعلنها الحوثيون وان بدت بنكهة ملكية إمامية الا انها كذلك مثلت منعطفا جديدا في تاريخ الشمال مؤكدة عودته رسميا الى حاضرته التاريخية، حاضرة الكهنوت وواقع السادة والعبيد. وفي الحقيقة اقل ما يمكن قوله في وصف ما حدث يوم 21 سبتمبر حسب أدبيات الفعل الثوري هو"بالثورة المضادة" التي اغلقت كلية فصل ثورة 26 سبتمبر وللابد. اما فيما يخص وصفه "بالانقلاب "فهو توصيف قاصر يختزل حالة الصراع السياسي الحالي ففط، فالبرجوع الى ردة الفعل الشعبية شمالا والتي كانت متماهية بل ومؤيدة ومساندة غالبا لذلك الفعل الحوثي سيتأكد انه لا شيئ تغير واقعا حتى نسميه إنقلابا عدا تغيرا طفيفا ربما طرأ على مراكز النفوذ هناك،الى جانب الانتكاسة التي اصابت تعز الحالمة باعتبارها ربما الإستثناء الوحيد الذي استطاع ترجمة بعض اهداف ثورة 26 سبتمبر واقعا ملموسا .. بالمحصلة! الجميع في الشمال سبتمبريون لكنهم لم يتحرروا يوما من إرث الإمامة هكذا تبين، كان مشوارا سبتمبريا طويلا بدأ بحلم الجمهورية في 26 سبتمبر لينتهي بواقع الملكية مجددا في 21 سبتمبر .. فهل كان معظم قادة الشمال منذ البداية سبتمبريون ولكن إماميون؟!