منذ أن كنا صغار كانت تمر علينا أعياد الثورة دون ان نعيرها أي اهتمام، كانت بالنسبة للكثيرين مناسبات للاستمتاع با العطل الرسمية وفرصة للبعض للتصفيق والرقص لإثارة انتباه القادة. أما اليوم، فالجميع يستشعر أن هذه الأيام هي بقايا أنصع المراحل في تاريخ اليمن الحديث. فقد استطاع ثوار سبتمبر ان ينهو النظام الامامي واستبداله بنظام جمهوري يجعل الناس سواسية أمام القانون. فلا يختلف اثنان على أن مزاج هذا الشعب يختلف كثير عن بعض شعوب المنطقة. النظام الجمهوري يتوافق مع عقلية اليمني ذات الطابع المتمرد، فهم لا يُحكمون بالقوة، ولا يستمروا بالتحالفات طويلا. اليمنيون دخلوا الإسلام بالسلم، ولو كانت الحرب، لكان هناك شريحة كبيرة منا اليوم مازالت على دين النصرانية واليهودية. فكنا اول من أسلم ب رسالة، ودون ان نرى او نسمع من ذلك النبي العظيم. أختار اليمنيون أن يناصروا الرسول الكريم في كل غزواته واثروا الجندية لا القيادة والغنائم. في المقابل كانت أول حركة ردة في الإسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حياته من اليمن بقيادة مسيلمة الكذاب. فلعل أهم ما قامت به ثورة سبتمبر، هو تحديد شكل الحكم في اليمن لاستقرار مستدام يتناسب مع مزاج اليمني المتمرد، فلا اسرة ولا جين يحكم اليمن. ولأننا شعب في دولتين، فعندما بدأت صنعاء بتنفس الصعداء في سبتمبر 62، انتقلت رياح الثورة للجنوب، حينها قال المناضل علي عنتر "كنا واثقين انه وبما ان صنعاء ورائنا فلابد لعدن ان تنتصر" – هكذا كانت علاقة صنعاءبعدن! وبدأ ثوار الجنوب بتكثيف عملياتهم العسكرية ضد الاحتلال البريطاني وكانت تلك الشرارة في 14 أكتوبر 63م وانتهت إجلاء اخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر 67. أخرج الجنوبيون بريطانيا التي أنشأت سكك الحديد وبنت الكليات التقنية في الجنوب وجعلت من ميناء عدن خامس ميناء عالمي بعد ليفربول -اخرجناها بعد كل ما فعلت! فهي طبيعة اليمني التي مهما صبرت لا تقبل الإذعان – فهل يتعظ الجيران! بعدها غنينا النشيد الوطني في الجنوب رددي أيتها الدنيا نشيدي، وكنا ننشده أيام الطلائع وفي مدارس الجنوب قبل الوحدة والذي صار نشيد الوحدة بعدها بتغييرات طفيفة. فقد كنا شعب واحد داخل دولتين! في 90 تمت الوحدة لتضم الجغرافيا التي طالما فرق هذا الشعب. يومها كان القرار يمني-يمني بامتياز. كانت الأرواح سامية، فلم يأبه أحد للخطوط الحمراء ولا الامتعاض الجيران، ولا للتحذيرات ولا للخسائر ولا للمخاطر التي يمكن أن تنتج عن اندماج دولة يعادل سكانها 4 اضعاف دولة الجنوب. بلا شك هناك أخطاء في أي وحدة اندماجية غير مدروسة، لكن التناغم الثقافي والتاريخي والجغرافي لهذين الشعبين هو من دفع اليمنيون لهذه المغامرة الكبيرة. وكم نحن اليوم في أمس الحاجة لهذه الروح المتمردة للخروج من هذا النفق المظلم. خمسين عاما ونيف مضت على هذا التاريخ التليد، وهناك من يريدنا ان نعود للوراء لوضع قد لفظة اليمنيون قديما. نعم، سيتبعك الكثيرين لمجابهة أي عدوان خارجي حتى لو كانوا في يوم هم الحلفاء – فهي استجابة حتمية لطبيعة اليمني التي حدثتكم عنها مسبقا، لكن عندما ينتهي هذا العدوان كيف ستقنع هؤلاء أن الحكم لا يتم دون المؤهل الجيني؟ في المقابل، يحز في النفس أن نرى من يمثل المعسكر الجمهوري اليوم ارتهن للوصاية الخارجية وقبِل أن يعيش خارج اليمن مسلوب الإرادة، وفي هذا تجني كبير على شعب كبير. شخصيا، أرى ان اليمنيون انجزوا كثيرا في مؤتمر الحوار الوطني. وعلى الرغم من تحفظاتي وتحفظات الكثيرين على بعض مخرجات الحوار، وعلى آليات التصويت التي تمت فيه، ولكن يشفع لهذه المخرجات انها يمنية حتى لو تخللها بعض التذاكي والفساد. انا مؤمن ومعي الكثيرين ممن لا ينسون التاريخ، ومن هم قادرين على التمييز بين أخطاء الأنظمة السابقة، وبين هوية الوطن ومستقبل الدولة، ان اليمن سيتعافى ما دمنا نعلم أبناءنا قيم سبتمبر وأكتوبر المجيدين، وحتى لو انقسمنا كانتونات صغيرة يتنازعها دول الإقليم، سنعود من جديد تحت راية يمن كبير عاجلا ام اجلا بإذن الله.