تغيير طرائق التفكير قبل تغيير العواصم مخطئ من يعتقد إن تغيير العواصم قد يغير مواقف أو حتى يداعب شعور المطالبين بفك الارتباط. فمن جاد بعلمه , وشعاره , وعملته, وعاصمته ,ورئاسته , وتخلى عن عضويته في الجامعة العربية والأممالمتحدة , والمنظمات الدولية ...و الأكثر مساحة . والأقل عدداَ ... يمكن أن يقبل بالصدقة من حر ما جاد به سابقا الموضوع اكبر وأعمق . أعتقد إن الإخوة في الشمال بحاجة إلى أن يغيروا طرائق تفكيرهم ليس فقط عند التعاطي مع القضية الجنوبية ولكن أيضا تجاه القوى الممسكة بزمام السلطة في صنعاء, فتغيير العواصم لن يثني الجنوبيون عن مطالباتهم بخيار فك الارتباط ولو كانت العاصمة إمارة موناكو فما نحن بحاجة له اليوم هو أدارك الإخوة في الشمال إن حرب 1994م قد فرضت واقعاً جديداً, يزداد تعقيداً في الجنوب يوماً بعد يوم, بأبعاده الجغرافية والسياسية والثقافية.
إن حجم ومقدار التغيير الذي حدث في العاصمة صنعاء , ليس كفيلاً بأحداث أية فجوة أو تغيير في مواقف الجنوبيين, طالما وإن زعماء حرب1994م , مازالوا في هرم السلطة .ناهيك عن الحل الأمني الذي تنتهجه السلطة في الجنوب من عسكرة للمدن والقرى وصولاً إلى مطاردة الناشطين الجنوبيين و انتهاء ًبالشماعة الإيرانية والتي تتحفنا به النخب السياسية والثقافية لتبرير عجزها عن إيجاد الحلول العقلانية لما يعترضها من أزمات .
فالهجوم الذي يشنه الإخوة في الشمال على الرئيس الجنوبي سابقاً ونائب الرئيس في دولة الوحدة: علي سالم البيض وإقحامه في بيان الأممالمتحدة يكشف حالة التخبط في فهم الواقع في الشارع الجنوبي , لكون علي سالم البيض لحق بقطار الحراك الجنوبي بعد ردحاً من الصمت, ولم يكن يوماً سائقا له , فتعنت الإدارة في صنعاء بإيراد أسمة في بيان دول مجلس الأمن ليوازن كفف الميزان قد وسع من حركة الاصطفاف حوله. وأعتبره الجنوبيين اعتراف أممي بدورة الرمزي كقيادي جنوبي فالرسائل الوجدانية لا تكفي طالما وإن السياسات والممارسات التي تعالج بها القضية الجنوبية لم تتغير.
ربما يعود ذلك لاطمئنان النخب الثقافية والسياسية و الشعبية إلى الدعم الأوربي والإقليمي لوحدة اليمن, وعدم رغبتهم في انفلات الأوضاع في المنطقة المطلة على مصادر النفط والتخوف من القاعدة وتهديد خط النقل البحري . ذلك صحيحا. ولكن في المقابل على القوى في الشمال إن تستوعب أن الدعم الدولي والإقليمي لن يستمر طويلاً , وسيرضخ إن عاجلاً أم آجلاً للمطالبات بفك الارتباط , خاصة عند متابعتنا لاتساع وامتداد الفصيل المطالب بفك الارتباط في الشارع الجنوبي, وخير دليل على ذلك رسائل المليونيات التي شهدناها في عدن و تريم تكشف بشكل لا لبس فيه, اكتساح الحراك الجنوبي السلمي للمشهد السياسي في الجنوب ,وهو ما يجب الرهان عليه , فربما يوماً ما كان خيار فك الارتباط هو الخيار الدولي والإقليمي لضمان الاستقرار في الجنوب.