يبدو أننا على موعد مع جولة أخرى من جولات العبث بهذا الوطن، وأمام محاولة جديدة من المحاولات المستمرة للتلاعب بمستقبل ومصير أبنائه. مؤتمر الحوار "الوطني"، الذي يحشد له نظام "التوافق" منذ ما يزيد عن العام، ويتحدث عنه أكثر من حديثه عن معاناة الناس، أو مشكلة الانقطاعات اليومية المتكررة للكهرباء، ليس أكثر من كلمة حق يراد بها... باطل!.
صحيح أن الحوار من حيث المبدأ هو قيمة إنسانية رائعة، ويجب على الجميع مساندته، كسلوك حضاري، وكخيار سلمي آمن، لكنه في الحالة اليمنية ليس للأسف سوى وسيلة لتمييع القضايا الرئيسية، وإشغال الناس بقضايا هامشية، وبصراعات وخلافات جديدة، تعمق الانقسام، وتجعل الحلول الممكنة صعبة... المنال!!.
هكذا جرت العادة، وهكذا يحكي واقع التجربة، ومن يتناسى، أو يمنّي نفسه بأحلام وردية، ما عليه إلا العودة بذاكرته إلى الوراء، ورصد مناسبات الحوار الكثيرة، التي لم يسفر عنها سوى "تفريخ" أسباب جديدة... للخلاف.
على مدى عام بأكمله، ومنذ بدأت الخطوات العملية لعقد هذا المؤتمر، لم تحظ قضايا الوطن والمواطن الأساسية باهتمام يذكر، إذا ما قورن ذلك بالضجة التي أثيرت حول أسماء المتحاورين، ونسب تمثيل "العائلات" والأحزاب والقوى السياسية، التي نالت نصيب الأسد من الأخذ والرد، ومن الجدل... العقيم!.
أؤمن شخصياً بأن الحل لمشاكل اليمن لن يتحقق عبر المزيد من هذه الحوارات العبثية، أو من خلال التصريحات الإعلامية، أو المؤتمرات الصحفية، أو مناورات وألاعيب وتحالفات رجال السياسة وأدعياء... الدين.
وإذا كانت الدولة جادة فعلاً في بحثها عن حلول كما تدعي، فهي ليست بحاجة مثلاً إلى التحاور مع ينهب أراضي الناس، وليست ملزمة بمحاججة من يقطع خطوط التيار الكهربائي، فضلاً عن أن الحوار لن يكون بمثابة كلمة السر، التي سترفع المظالم، وتعيد الحقوق إلى... أصحابها!.
اليمن في هذا الظرف الصعب ليست بحاجة للمزيد من الثرثرة والحوارات العبثية، بل هي في أمس الحاجة إلى إرادة حقيقية، وقرارات واعية، ونوايا صادقة، وإلى وجود مشروع واضح لبناء دولة مدنية حديثة، يقوم على أساس وطني خالص، ويديره اليمنيون بأنفسهم وبإمكاناتهم وطاقاتهم، دون وصاية أو توجيه من... أحد!. نقطة أخيرة:
اختيار تاريخ 18 مارس بالذات موعداً لبدء أعمال هذا المؤتمر، وهو التاريخ الذي يصادف ذكرى جمعة الكرامة، أبرز محطات الثورة الشعبية، هو اختيار خبيث، وغاية في السوء، ولم يأت أبداً من... فراغ!!.