تنفرد بنشر مذكرات ( الطريق إلى عدن ) الرئيس علي ناصر : الحلقة ( السابعة والثلاثون ) متابعة وترتيب / الخضر عبدالله : القرب من عدن قضينا بعض الوقت في العماد بما يكفي للراحة ولتناول الطعام وشرب الماء.. فقد تضاعف حماسنا ونحن نقترب من عدن لكي نشد الرحال والذهاب قبل المغيب لنصل السيلة في "الشيخ عثمان" محطتنا الأخيرة في هذه الرحلة الجميلة والمضنية في آن واحد. وحي الشيخ عثمان كان في بداية القرن السابع عشر عبارة عن مزار ديني للولي الشيخ عثمان (عثمان بن محمد التركي) المقبور فيها، وسميت المدينة باسمه. ويؤكد الرحالة الإنجليزي هنري سلت الذي زار المدينة في عام 1809 م، وهو في طريقة إلى لحج يشير أن هناك كانت لا تزال غابة كثيرة الأشجار بجانب القرية وقبة الولي، وتمتد المساحات الخضراء إلى عشرات الكيلومترات تشكل مرعى رئيسي للأغنام والجمال التي كانت تشاهد في كل أنحاء الغابة. كانت أشجار "السيسبان" (الماسكيت) تنتشر في الطريق.. وهي أشجار لها قدرة عجيبة على تحمل الجفاف الحر والشمس والملوحة. وبين الأشجار وحولها بنيت بعض المنازل من الطين والقش بطريقة عشوائية ويسكنها سكان الجبال القادمون من أبناء المملكة المتوكلية اليمنية وأبناء المحميات.. وعندما سألت عن هذه البيوت المتداخلة قيل لي أنها "الشيخ الدويل". أشعار وأهازيج ونحن في الطريق خطر لي أن هذه الرحلة لن تكتمل روعتها من غير أن يتخللها الحديث عن الشعر والشعراء في دثينة وبلاد الفضلي، فصورة هذه الأرض لا تكتمل ولا يمكن أن تعرفها وتعرف أسرارها الخفية ومعاناتها الحقيقية من غير أن تطّلع على شعرها. قلت لهم: - أسمعوني بعض ما تحفظونه من الشعر.. رد أحدهم: - يا إبني أيش تشتي من هذا الكلام؟ لكن العم سليمان قال: - شوف يا بني.. كان أبرز شعراء المنطقة في بداية هذا القرن علي رامي وناصر عبدربه مكرش المشهور ب"أبو حمحمة" وسالم صالح الفطحاني وعلي هادي ومحمد عوض "المشطر" ومنصور عشال وامسعيدي وجازع امفرحان وجازع مسعود وكعدان والدماني والجرو والخدش وغيرهم كثيرون. وأضاف : التقى بن رامي مع (أبو حمحمة) وجرت بينهما هذه المبارزة الشعرية الطريفة: بو حمحمة: بارك وثاني يا الثلاث أتوكلي والرابعة والخامسة والسادسة مسدوس علي رامي: الواحدة والثانية تتقلقلي والثالثة والرابعة والخامسة مخموس بو حمحمة: عشرين في عشرين يا رامي علي خمسين في ستين لا قد نسنس النسنوس سبعين في ثمانين با تتهلهلي تسعين توفي المية با تكبس على المكبوس علي رامي: كم لي ونا داعي في الخبت الخلي الي(غلي)متى بقبض على العلواني الدهبوس أنا محتبي برع وناصر داخلي الله يصيبك يا علي في لونك المكسوس قال برطم: الله اكبر على بوهم والله إن كل واحد منهم أحسن من الثاني. لكن ايش رأيكم لا سمعتكم من شعر يحيى عمر؟ قال العم سليمان: ونعم يحيى عمر هات يا برطم قال: يقول يحيى عمر: بومعجم يقول العشق حالي لكن عاد له نزلة وطلعة وله أيضاً سهر طول الليالي ودمع العين دمعة فوق دمعة ومن حب الصبايا لا يبالي ويخضع للهوى الفين خضعة ولايختاف من طعن النصالِ ولا تدخل معه في القلب فزعة أنا يا أهل الهوى قل احتيالي حبيبي ما أعترف لي كيف طبعه ملكني هاشني زين المشالي وقطّع مهجتي سبعين قطعة وأنا المملوك له حالي ومالي وكلي سرت في طاعه وسمعه قوامه مثل لغصان الطوالِ سقى الله طينها من كل فرعة وله عينين صنعة ذا الجلالِ تماوج دمعها كرمة بكرمة جبينه مثلما ضوء الهلالِ يعاند بالمسامر كل شمعة وريقه طب لكباد العلال عسل جردان صافي وسط شمعة وعنقه مثلما عنق الغزالِ نكع من قانصه عشرين نكعة وقال يحيى عمر: يحيى عمر قال للعشقة فنون ما هي بمن قد تعطر وانتقش والعشق ماهو بدحراج العيون و الا لمن قد كثر فيه البَلَش بحر الهوى راح به كم من زبون ذي بات يدحق على رأس الحنش و بات يقطف من أخبار الغصون زهر البساتين ذي يطلع غبش وقال يحيى عمر: يامن جدعك له أربعة ينسعون وأربع يلفون جعدك لا أنتفش وأربع يصفون وأربع يرصفون وأربع يرشون لك بالعطر رش وأربع يحنون وأربع يحجرون وأربع يقولون قم سيدي تمش وأربع يجيبون لك مبخر دخون وأربع ينادون لك مثل الشوش وألفين وأربعمائة دي يخدمون سندي وهندي وجملتهم حبش خضعوا لك الناس ذي ما يخضعون شجعان وأهل البنادق والنمش ويبدو أن الكلمات الرقيقة في الحب حركت أشجان العم سليمان الذي تذكر هذه القصيدة الجميلة لبن رامي: بن رامي علي بالله توكل بربّ العرش حكّام الدعية وبن رامي يقول لي قلب يشعل وباب العشق من فكّه بليّه نظرني صاحب الطرف المكحّل من الروشان يتفرّج عليه وساعدني على مطلع ومنزل على صوت الطرب والأرمنيّة وقطّعني قطع من كل مفصل وقلقلني فيَ المقلاء قليّة ويا طارح على لكعاب ململ وفوق الخدّ نقشة سمبليّة و رمّانة معه في الجنب لشمل وليمن فيه تفاحة طرية ومدّ اليد والرجل المحجّل وكلّمته ولا جوّب عليّه وقلت الفت علي باللّه تجمّل ونا باموت وين القبر ليّه وقال القبر لك بين السفرجل ومن تحت الزرار أسكن شويّة ونار العشق في قلبي تكلكل ولا هي من فؤادي منطفيّة مع غُمري فيَ الروشان بُلبُل وسوّى بي على لضلاع كيّة كلامه مثلما قهوة معسّل عليها من عسل صافي بقيّة فلنطة(1) بو خشب ميزر مسيّل جناح العصر بن رامي لقيّه وشلّ العقل من راسي وبدّل وضيعت الجماعة والفقيّة أنا شيبة ومن راسي تقوّل على أذوال الغصون الرازقيّة ومن هو زين له زامل ومهجل ومن هو خام ما يسوى وقيّة وصلّوا عالنبي في كل محمل لانّه كسّر الكفر القويّة عدد ما ينزل الماطر وهطّل وتصبح كل مجدوبة رويّة وقال الشاعر بن رامي علي: يا الله يا سامع تغاريد كل ديك لا صاح نص الليل تغريد تفطنه يا موثق الطير على أرياشه الحريك بأرياش ينفضها وبأرجيل طنطنة يسرح بعز الخالق المالك المليك والنوب مسراحه وماواه موطنه يقول بر رامي علي وقتنا عبيك عبيك معبوكات عبكة معبكنة لا تأمن امصاحب ولا ترتكي بخيك ولا كلام امصدق تلقاه مسكنه ومن حلف لك عهد لازم يعيب فيك لا شاف عدات امدراهم معكنة ان كان لا نته لا لفيته ولا لفيك يضحك ويلعب لك وهطفاه مشحنة يا وقتنا العياب خانك وعاب فيك يا دي عدم فيك الرضى والمراكنة ولا قدك مبرور من ذنب والديك اسجد وسبح لا ثيابك مصبنة حتى ولا حجيت لا مكة المكيك ذنبك على جنبك ذنوب المخاينة ويقول عن الشعر الغنائي :" ولا يمكن أن تكتمل صورة الشعر الغنائي دون أن يعرج الحديث الى فن الغناء في لحج، وهو يومئذ ولا يزال حتى اليوم الاكثر عذوبة وجمالا وشجنا ودقة في الوصف في الجنوب واليمن كُله.. وكان "القمندان" يقف على رأس هذه المدرسة الغنائية الرائعة ولايزال . وأثناء الحديث عن لحجوالحوطة ونحن نقترب من حدود السلطنة العبدلية في الطريق إلى عدن, قال أحمد مسعود برطم أن العوالق كانوا يعشرون الحوطة وأبين وبيحان ومروحة مستشهدا بقول الشيخ رويس بن فريد اليسلمي العولقي عندما ذهب العوالق ليعشرون السلطان العبدلي: قال الصليب (2) ابن الصليب العولقي ما أحد في الدنيا صليب إلا أنا بيحان نعشرها ونعشر مروحة والحوطة العليا (3) وذي حلّوا بًنا فرد عليه احد شعراء العبادل وقال: حيا بكم يا ذي ولبتو عندنا في حصن مبني من السمنت والنورة شف عادني با قول هكة في هكة لا تحسبني سمن في قارورة فضحك العوالق على هذا الرد.. وقال السلطان العبدلي: من اين جاء هذا الأهبل ليرد على العوالق؟ من سيرد عليهم كما يجب سأعطيه بندق ورصاص وفلوس. فخرج شاعر من ال باكازم كان موجوداً في بلاد العبادل ورد على الشيخ رويس اليسلمي بالقول: قل للصليب ابن الصليب العولقي ذي مركزه واني وعظمه قد ونى من باع خوته بالقروش الفلية لا يعشر الحوطة ولا يعشر (4) بنا وأخذ البندق والرصاص والفلوس لكن العوالق قاموا بقتله في العرقوب على هذا الشعر. ويبدو أن حديث الشعر والشعراء استغرقنا حتى إنني شاهدت من بعيد بيوت دار سعد التابعة للسلطنة العبدلية وعاصمتها الحوطة.. ودار سعد نقطة جمركية تجبى فيها الضرائب لصالح سلطان لحج. وقال أحمد مسعود أن دار سعد تابعة "لابوي" عبد الكريم فضل.. ولم أسأله لماذا قال (أبوي عبد الكريم) لكن يبدو أن تلك كانت من الأمور الشائعة, حيث أن الرعية تعظم الحاكم.. المهم أن دار سعد أو (دار الأمير) كما يسمونها تابعة لسلطان لحج العبدلي وهي على حدود مستعمرة عدن، واستحدثت فيها فيما بعد نقطة عسكرية تسمى "نمبر6" أخذت السعادة تدب في قلوبنا ونحن نقترب من (السيلة) حيث سنحط رحالنا في محطتنا الأخيرة في مدينة "الشيخ عثمان" بعد رحلة عناء طويلة ولكن جميلة. هاهي عدن أخيراً..! أو كما كان يسميها الأجداد "بندر عدن" أو "بلاد أحمد السركال"، المدينة التي تجعلني مبهوراً ومعجباً بكافة جوانب الحياة فيها المليئة بالحركة والنشاط، الزاخرة بما يبهر العين ويسر النظر. وهنا تذكرت طرفة حين كان الأطفال القادمون من "نمبر 6 " من لحج ينهقون كالحمير كي يسمح لهم العسكري الواقف في مدخل الشيخ عثمان (نمبر ستة) بالدخول إلى بلاد السركال وكما هو الحال عند مشاهدة أبناء المحميات البحر لأول مرة من العرقوب ينهقون كالحمير. كما ورد آنفا. وهي مطلع أغنية جميلة غناها الفنان احمد قاسم وكانت تذاع من اذاعة عدن باستمرار. --------------------------------------------------------- هوامش / 1-فلنطة تعني بندقية . 2-الصليب: تعني الشجاع 3 - الحوطة العليا: ويقال الحوطة الرعنة، ويقال ان نفوذ العوالق وصل الى الحوطة عاصمة الدولة العبدلية، وكانوا يأخذون عشوراً (ضريبة) سنوياً منهم، وأنهم رفضوا ذلك بعد مقتل الشيخ أبوبكر بن ناصر بن فريد، وهجمت قبائل العوالق على لحج وقال الشاعر: يا معن والدولة وجيش المحجري هدو بنا والزج من فوق القدم انتم لكم نوبة حمادي وأهلها واحنا لنا دار عبد الله وثم 4- ضريبة