خلال عملي في تلفزيون عدن كُلفت بإعداد برنامج خاص عن شخصية سياسية كبيرة ، وكنتُ مستغرباً حينها لماذا تم اختياري انا بالذات لهذا العمل ! وبرغم هذا قمت بإعداد وكتابة النص في مدة قياسية كما طُلب مني وشرعنا في تجهيز الافلام والاستعداد للتسجيل والمونتاج ، لكني فوجئت بالمشرف الخارجي عن العمل يعدل ويضيف عبارات وجُمل بحجة ان النص ليس قوياً بمستوى تلك الشخصية ، اذكر من تلك العبارات هذه العبارة : لَمْ ولنْ توجد اُم في اليمن تنجبُ مثل (...) . كتمت الغيظ في نفسي ولم اعترض بل ناقشته بهدوء ومنطق وقلت له : اولاً من حيث المنطق هذه العبارة صحيحة 100% باعتبار ان اي شخص في الدنيا كلها لا يتكرر مرة اخرى بتوافق نفس الزمان والمكان ، حتى التوأمان المتطابقان في الشكل لا يمكن ان يكونا متطابقين في الشخصية ،لابد أن يكون كلٍ منهما متفردًا في حياته واعماله . ثانياً اذا كنت تقصد بهذه العبارة تضخيم وتبجيل الرجل على اعتبار انه لا احد أفضل منه سيأتي في المستقبل فهذا خطأ لأنه نفي لاستقبال فعل مجهول ، نظر إليّ باستغراب وقال : انا اقصد ما ذكرته انت بعد ثانياً ، فهذا اقل ما يمكن قوله في حق هذا الرجل . وصلت الى قناعة بان الاستمرار في هذا العمل سيعرضني لمواقف قد تتسبب في توقيفي عن عملي وحرماني من راتبي الشهري ، فكان لابد من (مسايرة) الوضع والبحث عن مخرج آمن او حجة لعدم الاستمرار في البرنامج . قرر المشرف عن العمل ان عملية المونتاج ستكون بعد ساعات الدوام حتى ننتهي ويكون البرنامج جاهز خلال ايام ، فكرت في استغلال قرار المشرف لصالحي ولكن كيف ؟ تذكرت كلام احد الرواد الاوائل لتلفزيون عدن (الله يرحمه) عن كيف الخروج من الورطات في التعامل الاداري قال لنا انها مثل البطاطا الساخنة ، ونطقها بالإنجليزية (هوت بوتيتو Hot potato) عندما يرميها اليك شخص وتتلقفها انت بيديك لابد رميها لشخص اخر حتى لا تحرقك واضاف انها في الاساس لُعبة انجليزية يلعبها مجموعة من الاطفال الكبار كانت في البدء تستخدم فيها البطاطا الساخنة ثم استبدلت بأشياء اخرى غير ساخنة . اخبرت المشرف ان الذهاب والاياب الى التلفزيون بعد الدوام بعد ساعات العمل ويمكن تطول الى فجر اليوم التالي صعب بالنسبة لي ، فانا الوحيد من افراد طاقم العمل اسكن على بعد أكثر من عشرة كيلومتر عن مبنى التلفزيون وليس لدي مواصلات خاصة ، وهنا رميت البطاطا الساخنة فوق المشرف او كما يقال رميت الكرة في ملعبه مباشرة قال لي متبجحاً : (ولا يهمك ما لك إلا سيارة توديك وتروح بك ) كنت واثق من انه لا يستطيع توفير ما وعد به ، وفعلاً لم يستطع ولم تأتي السيارة ، وهكذا انسحبت من الطاقم ، ولكني حُرمت من مستحقاتي مقابل اعداد النص ومراقبة اكوام من الاشرطة على مدى اسبوعين وهذا لا يهم . هناك العديد من الذكريات والمواقف خلال رحلتي العملية في تلفزيون عدن الذي مات سريرياً في 2015م ، سأكتبها بين الحين والاخر دون انحياز لعل الشباب المتعطش للعمل الاعلامي المهني يستفيد منها ، الإعلام مهنة المتاعب اللذيذة .