تحظى إيران بأهمية استراتيجية لدى دول مجلس التعاون الخليجي، بصرف النظر عن مستوى العلاقات الفعلية القائمة بين إيران وكل دولة من هذه الدول على حدة، الأمر الذي يجعل من التعرف على توجهات الرأي العام في تلك الدول إزاء إيران ضرورة لا تقل أهمية عن وضعها الاستراتيجي، لا سيما في المرحلة الحالية التي لم يعد ممكنًا فيها تجاوز الرأي العام وتوجهاته إزاء مختلف القضايا. إذ لم تعد إيران -من وجهة نظر الرأي العام العربي بصفة عامة- تلك الدولة التي تقود ما عرف ب"محور الممانعة" ضد إسرائيل والسياسات الأمريكية خلال السنوات الماضية، حيث بدأت الصورة الذهنية المرسومة لإيران في التغير التدريجي نحو انحدار واضح في شعبيتها، سواء بسبب سياستها الخارجية ودورها في المنطقة، وخصوصًا في العراق ولبنان والخليج، وموقفها من الأوضاع في البحرين وسوريا، أو بسبب سياساتها الداخلية، وخاصة ما يتعلق بقمعها تظاهرات ما سمي ب"الحركة الخضراء" التي ظهرت على الساحة عقب انتخابات الرئاسة الإيرانية التي أجريت في عام 2009. يكشف الاستطلاع الذي أجرته "مؤسسة زغبي للأبحاث" لصالح "المعهد العربي الأمريكي"، منذ سبتمبر الماضي وحتى بداية العام الجاري، على حوالي 20 ألف مواطن في 17 دولة عربية و3 دول إسلامية مجاورة لإيران هي: تركيا وأذربيجان وباكستان، ونشرت نتائجه في 5 مارس الجاري، عن أن صورة إيران لدى دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت تتسم بالسلبية؛ إذ تشير نتائج الاستطلاع إلى أنه -باستثناء الكويت- فإن توجهات مواطني الخليج غير إيجابية تجاه إيران، وتأتي السعودية في المرتبة الأولى من حيث احتفاظ مواطنيها المستطلعة آراؤهم بصورة غير إيجابية عن إيران وذلك بنسبة 84%، ثم قطر بنسبة 79%، والإمارات بنسبة 69%، وعمان بنسبة 57%، والبحرين بنسبة 56%، وأخيرًا الكويت بنسبة 50%.
إضافة إلى ذلك، فعند طرح السؤال عن الدول التي يرغب المواطنون في أن تكون نموذجًا للتنمية والتقدم ويمكن الاقتداء بها في دولهم، لوحظ أن إيران لم تحصل على تأييد النصف في أي من الدول الست، وكانت أعلى نسبة لتفضيلها كنموذج بين كل من البحرينيينوالكويتيين بنسبة 46% و44% على التوالي. أما الدول الأربعة الأخرى فقد رأت الأغلبية أن إيران ليست نموذجًا تنمويًّا يُحتذى، وذلك بنسبة 67% في السعودية، و48% في قطر، و56% في الإمارات، وأخيرًا 41% في عُمان. علاوة على ذلك، لم توافق الأغلبية في كافة دول المجلس على اعتبار نظام الحكم في إيران نموذجًا للحكم في بلدانهم. وتجدر الإشارة إلى أن ثمة أغلبية واضحة في الخليج تؤيد "الحركة الخضراء" في إيران بنسب تراوحت بين الثلثين والثلاثة أرباع في كل من قطر (73%)، والكويت (70%)، والإمارات (68%)، والسعودية (62%)، وبنسبة أقل في عُمان (61%)، والبحرين (53%). يلاحظ أن 50% من المواطنين في الكويتوالبحرين أشاروا إلى أن دور إيران في المنطقة سلبي، لا سيما في العراق وسوريا ولبنان والخليج، بينما بلغت هذه النسبة الثلثين في كل من الإماراتوعمان، وثلاثة أرباع فأكثر في كل من قطر والسعودية، وحتى في اليمن رأت الأغلبية أن ثمة دورًا سلبيًّا لإيران في المنطقة، باستثناء لبنان التي رأى 43% من اليمنيين أن دور إيران إيجابي فيها مقابل 33% قالوا إن دورها سلبي. كما ذكرت الغالبية أن دور إيران سلبي في سوريا، ففي الكويت بلغت هذه النسبة 51%، وفي البحرين 53%، وفي قطر 81%، وفي الإمارات 69%، وفي السعودية 81%، وفي عمان 64%، وفي اليمن 46%. وحول دور إيران في البحرين، ذكر 46% من البحرينيين أن دور إيران سلبي مقابل 36% قالوا إنه إيجابي، فيما رأى 59% من الكويتيين أن دور إيران سلبي مقابل 27% ذكروا العكس، وفي اليمن اعتبر 37% أن ثمة دورًا سلبيًّا لإيران في البحرين مقابل 24% قالوا العكس. أما في سائر الدول الأخرى، فقد ذكرت أغلبية واضحة أن لإيران دورًا سلبيًّا في البحرين بنسبة بلغت 81% في السعودية، و74% في قطر، و68% في الإمارات، و62% في عمان. وعلى المنوال ذاته، أشارت الأغلبية إلى وجود دور إيراني سلبي في منطقة الخليج بنسبة تزيد قليلا عن النصف في كل من الكويت (53%)، والبحرين (54%)، في مقابل أغلبية كبيرة في قطر (85%)، والإمارات (71%)، والسعودية (70%)، وعمان (66%)، واليمن (46%). وتجدر الإشارة إلى أن أغلبية الخليجيين يرون أن سياسة إيران تعزز الانقسام الطائفي في الدول العربية، وذلك بنسب مرتفعة في قطر (82%)، والسعودية (76%)، والكويت (76%)، وبنسب أقل في الإمارات (63%)، والبحرين (60%)، وعمان (59%). وبوجه عام، تؤكد النتائج غياب رضا الرأي العام الخليجي في مجمله عن دور إيران في دعم السلام والاستقرار في كل من منطقة الخليج وسائر الدول العربية؛ إذ رأت أغلبية كبيرة في السعودية (83%)، وقطر (76%)، والإمارات (71%)، وبنسبة أقل في عمان (57%)، والبحرين (49%)، أن إيران لا تسهم في دعم السلام والاستقرار في الدول العربية. وخلاصة القول إن سياسات إيران وتعاملها مع الملفات "المشتعلة" في المنطقة، لا سيما مواقفها المؤيدة للثورات والاحتجاجات التي شهدتها دول مثل مصر وتونس واليمن، والتي تتناقض مع دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، فضلا عن قمعها ل"الحركة الخضراء" المطالبة بالتغيير؛ قد انعكست في تكون صورة سلبية للغاية عن إيران لدى الرأي العام في دول مجلس التعاون الخليجي الست.