ربما تكون المرة الأولى، منذ تصاعد أزمة الملف النووي الإيراني قبل عشرة أعوام، التي يصبح فيها الرأي العام في غالبية الدول العربية وبعض الدول الإسلامية المجاورة لإيران، أكثر تأييدًا للمواقف الغربية التي تؤكد أن إيران لديها طموحات لإنتاج أسلحة نووية، وأكثر دعمًا لفكرة أن من حق دول مجلس التعاون الخليجي أن تولي مزيدًا من الاهتمام بتلك القضية، وأن تحول إيران إلى "دولة نووية" لن يسهم في تعزيز الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط. فقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرته "مؤسسة زغبي للأبحاث" الأمريكية أواخر العام الماضي، في 17 دولة عربية و3 دول إسلامية مجاورة لإيران هي (تركيا، وأذربيجان، وباكستان)، أن ثمة أغلبية كبيرة في كافة هذه الدول باستثناء لبنان (18%)، وليبيا (45%)، تعتقد أن إيران تطور برنامجها النووي بغرض إنتاج أسلحة نووية، وذلك بنسب تجاوزت 80% في السعودية، وقطر، ومصر، وتونس، والعراق، والأردن، وفلسطين، وتركيا، وأذربيجان، واقتربت من أو تعدت 70% في الكويت، والبحرين، والإمارات، وعمان، والسودان، والمغرب، والجزائر، وباكستان، وبلغت 59% في اليمن. "النووي" لا يحقق الأمن الإقليمي وتوضح النتائج أن ثمة أقلية لم تتجاوز 15% في كل من دول مجلس التعاون الخليجي، والأردن، وتركيا، وباكستان، وأذربيجان، ولم تتعدَّ 25% في كل من مصر، وتونس، والسودان، ولبنان، وفلسطين، تعتقد أن الشرق الأوسط سيكون أكثر أمنًا لو أصبحت إيران دولة "نووية"، بينما بلغت هذه النسب في المغرب (41%)، والجزائر (46%)، لتبقى أغلبية بسيطة في اليمن (61%)، وليبيا (55%) فقط ترى أن الشرق الأوسط سيكون أكثر أمنًا إذا أصبحت إيران دولة "نووية". ولعل هذا ما يفسر موافقة أغلبية تزيد عن 80% في 18 دولة (باستثناء الجزائر 63%) على مقولة أن من حق دول الخليج الاهتمام ببرنامج إيران النووي لأنه يجعل المنطقة أقل أمنًا، بينما لم يوافق على ذلك سوى أقلية في كل من العراق (32%)، ولبنان (18%). وتشير هذه النتائج إلى أن هناك قناعة واضحة لدى الجمهور العربي بالتوافق مع آراء القيادات السياسية الحاكمة حول أن إيران تسعى لإنتاج السلاح النووي، وأن المنطقة سوف تصبح أقل أمنًا إذا صارت إيران دولة "نووية"؛ وهو الأمر الذي لم يكن قائمًا بشكل واضح في استطلاعات سابقة أجرتها مؤسسة "زغبي" في عامي 2006 و2008 على سبيل المثال، وهو ما يعود إلى أن توجهات الجمهور العربي تجاه إيران لم تعد تقتصر على ردود فعل الأخيرة تجاه السياسات الأمريكية والإسرائيلية بالمنطقة فقط، بل ظهرت متغيرات جديدة خلال العامين الأخيرين نقلت الاهتمام كذلك إلى دور إيران في المنطقة، ومواقفها من دول "الربيع العربي" وأثرت على طبيعة إدراك طموحاتها الإقليمية؛ وهي متغيرات أسهمت في تراجع صورة إيران الإيجابية السابقة، إذ يشير الاستطلاع إلى أن لدى الأغلبية في 16 دولة صورة سلبية تجاه إيران في عام 2012. ولا توافق الأغلبية أيضًا في 15 دولة على مقولة أن إيران تسهم في تعزيز السلام والأمن بالمنطقة، وتعتقد الأغلبية في كافة الدول –باستثناء العراق ولبنان، مع انقسام رأي اليمنيين والأردنيين- أن إيران تلعب دورًا سلبيًّا في كل من العراق، ولبنان، والبحرين، وسوريا، ومنطقة الخليج، وتوافق الأغلبية في 16 دولة على أن سياسات إيران تسهم في تكريس الانقسام الطائفي في الدول العربية. رفض الضربة العسكرية وحول تقييم التعامل الدولي مع ملف إيران النووي، تظهر نتائج الاستطلاع أن ثمة ميلا واضحًا في أغلبية الدول العشرين التي أجري فيها الاستطلاع، للموافقة على السياسات المتبعة حاليا، والخاصة بفرض العقوبات الاقتصادية، حيث وافقت الأغلبية في 14 دولة (بنسب تفوق 65% في السعودية، وقطر، والأردن، وفلسطين، والأردن، والمغرب، والجزائر، وليبيا، وتركيا، وأذربيجان، وأقل من 65% في مصر، وتونس، والسودان) على أنه يجب على المجتمع الدولي فرض عقوبات اقتصادية ضد إيران إذا صممت على مواصلة برنامجها النووي، فيما انقسمت الآراء مناصفة في البحرين، وعمان، وهبطت النسبة إلى أقل من 50% في باكستان (49%)، والعراق (29%)، واليمن (18%)، ولبنان (17%). ويبدو جليًّا أن المواطنين في الدول العشرين يتفهمون الأبعاد الإقليمية والداخلية الخطيرة التي يمكن أن يفرضها توجيه ضربة عسكرية لإيران؛ إذ لم توجد أغلبية في أية دولة وافقت على توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية، سواء كان ذلك عبر تفويض دولي من الأممالمتحدة، أو من خلال توجيه ضربة منفردة. وعلى الرغم من أن الأغلبية لا تؤيد شن هجمات عسكرية ضد إيران، ربما بسبب الأضرار المخيفة التي قد تستتبع مثل هذه الهجمات، وربما أيضًا بسبب تفضيل الأغلبية إقامة منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط لأنها ستجعل المنطقة أكثر أمنًا (تشمل هذه المنطقة إسرائيل بالطبع)؛ فإن المقارنة التي يوضحها الجدول المرفق بين نسب المؤيدين لتوجيه ضربة عسكرية "شرعية" لمنشآت إيران النووية بين أعوام 2006 و2012 في بعض الدول التي شملها استطلاعا هذين العامين، توضح ارتفاع هذه النسب، والتي تبلغ أقصاها في تركيا (51%)، ومصر (39%)، والسعودية (36%)، وأدناها في الكويت (17%). وخلاصة القول، إن ما سبق يكشف أن توجهات الرأي العام في معظم الدول العربية والإسلامية المعنية مباشرة ببرنامج إيران النووي، تعكس قدرًا كبيرًا من التخوف إزاء تحول إيران إلى دولة "نووية"، لأن ذلك لن ينتج تداعيات إيجابية على أمن منطقة الشرق الأوسط، بالتوازي مع تفضيل انتهاج سياسة العقوبات الاقتصادية ضد إيران في حال أصرت على مواصلة برنامجها النووي، ورفض توجيه ضربة عسكرية لإيران، بشكل منفرد أو جماعي، على عكس رأي بعض المراقبين الأمريكيين الذين يرون أن نتائج هذا الاستطلاع قد تشجع على اللجوء للخيار العسكري من قبل الولاياتالمتحدة أو إسرائيل، أو كليهما معًا، لوقف الطموحات النووية الإيرانية.