شهدت المنطقة العربية عبر تاريخها هجمات شاملة تستهدف هويتها وكانت هذه الهجمات سلبية تارة وإيجابية تارة أخرى وذلك في إطار الصراع بين الأقوام والشعوب والسكان في العصور الوسطى ذلك أن إستخدام القوة كان أساسياً في هذه الصراعات حيث كانت الغلبة دائماً للأقوى والأكثر وحشية وقد شهدت المنطقة عدة هجمات كبرى كالهجمات العربية الإسلامية والعثمانية والمملوكية والمغولية والصليبية ثم أخيراً الهجمة الصهيونية بالإضافة إلى الغربية القديمة والحديثة فما مصير كل هذه الهجمات وما تداعياتها على المنطقة وكيف أثرت على طبيعتها وهوية سكانها. يقول الخبير المخضرم حسام عبد المنعم النجار استاذ العلوم السياسية بجامعة عين شمس : من بين ما تعرضت له المنطفة العربية من هجمات قيام الإسكندر الأكبر بهجمة كبرى قبل الميلاد وكذلك الرومان الذين تعقبوا اليونانيين وحلوا محلهم في البلاد التي سيطروا عليها، ومصر التي كانت تحت حكم ملوك الفراعنة قد تم غزوها عدة مرات من البلاد المجاورة فكلما ضعف الحكم فيها وتصارع الحكام تعرضت لهجمات الفرس وبلاد ما بين النهرين أي العراق بالإضافة إلى هجمات الإسكندر الأكبر زمن ثم الرومان بعد ذلك لأكثر من ثلاثة قرون. ويضيف : شهدت مصر الغزو العربي الإسلامي ثم الغزو العثماني يليه الغربي خاصة الفرنسيين والبريطانيين وبالعودة إلى التاريخ القديم تعرضت مصر لما تعرضت له المنطقة من هجمات كما أننا لا نعرف على وجه اليقين متى انتهى العصر الفرعوني فيها فهل وضع نهايته الإسكندر خاصة وأن الحكم اليوناني والبطلمي استمر بعد ذلك على خلاف العصور التاريخية الأخرى حيث تخللت الغزوات الأجنبية الحكم الفرعوني الذي كان يسترد مصر من الغزاة إذ حدث ذلك أكثر من خمس مرات أم أن الحكم الروماني هو الذي أنهى الحكم الفرعوني أم أن الحكم الإسلامي - العربي هو الذي أنهاه علماً بأن الثابت تاريخياً هو أن الإسكندر والبطالمة حكموا مصر حتى الغزو الروماني العام 31 "ق.م" وأن العرب المسلمين قد أنهوا الغزو الروماني. ومضى يقول : إذا كانت المنطقة لم تتأثر كثيراً بالطابع اليوناني أو الروماني وظلت آثارهم تدل على حقبة واحدة من حقب التاريخ فإن العرب المسلمين أعطوا المنطقة الهوية العربية والإسلامية وتبادلوا الحكم العربي - الإسلامي من دمشق إلى بغداد أي الدولة الأموية التي فتحت الأندلس والدولة العباسية التي إستسلمت للمغول، اما العثمانيون الذين قاموا أصلاً على أساس الإسلام فدخلوا إلى البلاد العربية على أنهم مسلمون ولم يغيروا النظام العام الإسلامي فيها بل أن جمهور المؤرخين يعتبرون الغزو التركي عملية مركبة فهو من وجه تعميق للطبيعة الإسلامية للمنطقة ودفاع عن الإسلام ضد انتقام الإستعمار الغربي للغزوات العثمانية في قلب أوروبا ومن وجه آخر كانت حملة للغلبة والسيطرة على غرار الصراعات التي كانت سائدة في ذلك الوقت والملاحظ أن مصر والشام لم تتحالفا ضد العثمانيين وإنما احتل العثمانيون البلدين في عامين متتابعين 1416م و1417م وكانت الجيوش التي حاربت العثمانيين هي جيوش المماليك الذين لم يستعينوا بأبناء مصر أو الشام لذلك فان مصر والشام وقفتا معاً ضد أهم الغزوات والهجمات التي كانت تشكل تهديداً لهوية المنطقة ودينها ونخص منها ثلاثة ثم نبين الفوارق بين هذه الثلاثة على وجه التحديد، فالهجمة الأولى هي المغولية أي جيوش التتار من وسط آسيا وقد ضربوا المثل في الوحشية وسفك الدماء والغلبة والهيمنة واستعباد الشعوب إلى أن اهتدى قادتها فى العصور المتأخرة إلى الإسلام، اما الموجة الثانية فهي الصليبية التي جاءت من الغرب وكانت تتستر وراء صليب المسيح لكنها إحدى الهجمات الإستعمارية الغربية التي استمرت تؤرق المنطقة لأكثر من أربعة قرون وانتهت بالإستيلاء على معظم المدن الفلسطينية وبيت المقدس، أما الموجة الثالثة فهي الصهيونية التي بدأت نهاية القرن التاسع عشر في صورة هجرة الفلاحين من أوكرانيا وروسيا وشرق أوروبا ولكنها لم تكن هجرات بريئة أو تدخل في إطار التحركات السكانية التي لم تنقطع عبر العصور لقد جاءت هذه الهجرات لتستقر في فلسطين ولم تكن دولاً وإنما جماعات وأفراد في إطار منظور بدأت نذره في الأدب والثقافة الغربية خلال العصور الوسطى ثم بلورها "تيودور هرتزل" في كتابه (الدولة اليهودية) وكرسها "وعد بلفور" بأنها الوطن القومي لليهود. واردف : من الواضح تماماً أن المشروع الصهيوني صمم خصيصاً لإغتصاب كل فلسطين وليس لمجرد استعمارها أو احتلالها فلقد إستند على أوهام وأساطير بعضها يتصل بالتاريخ وبعضها يتصل بالتوراة وكلها أكاذيب وحيل وخزعبلات لإثبات أن اليهود يستردون أرضهم أي فلسطين لكونها أرض المعاد وهي أرض مقدسة زاعمين بأن الله قد خصصها لهم، لذا فإن الطابع الإستعماري -الإستيطاني - الإحلالي - الإستردادي الذي يقضي بطرد الفلسطينيين من بلادهم وإعلان "إسرائيل الكبرى" على كل فلسطين وما تيسر من أراضي مصر وغيرها هو الذي يميز المشروع الصهيوني القائم على زعم مفاده العقيدة الدينية والقومية، وبالمقارنة مع الهجمات السابقةيمكن القول بأن تلك ارتدت على أعقابها وتركت المعارك الفاصلة في مصيرها آثاراً تحكي عن هذه الأحداث، فالتتار والصلبيين عادوا إلى بلادهم بعد هزيمتهم وكانت مصر من تصدى لهم في الحالتين، وبالعودة إلى الإستعمار الغربي وهجمته على الدولة العثمانية والبلاد العربية يمكن القول بأنه هو من خلف إسرائيل بهذه المواصفات لكي تكون "قلب التفاعلات" وسنداً للغرب وأداته لإستنزاف المنطقة وثرواتها واذلال أهلها، فهذا المشروع يهدد هوية المنطقة العربية - الإسلامية، وبالنسبة إلى الهجمة المغولية فلقد كانت تهدد العروبة والإسلام في عقر دارها وكذلك الغزوة الصليبية التي كانت استعمارية في الأساس ولكنها موجهة إلى هوية المنطقة الإسلامية، أما هذا المشروع الصهيوني فخطورته تكمن بانه ليس له وطن يرتد إليه، حيث يزعم أن وطنه فلسطين وأن الفلسطينيين هم الذين اغتصبوها من اليهود، لذا نؤكد بإن مصير الصهاينة سيكون كمصير أسلافهم من الغزاة رغم اعتماد الحركة الصهيونية على حليفها القوة الأعظم وهي الولاياتالمتحدة الأميركية وسيقول الحق كلمته في نهاية المطاف وسينتصر حتماً على الباطل مهما طال أمده واشتدت سطوته.