عجبا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير؛ وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته ضراء، صبر؛ فكان خيرًا له، وإن أصابته سرّاء، شكر؛ فكان خيرًا له. وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن" المؤمن وحده من بين كل الخلائق، كل أمره خير، ما بين رضا بالقضاء والقدر، خيره وشره..وما بين التسليم والاستسلام، والانقياد والطاعة. لأنه علم أن كل ذلك من عند الله، فرضي بذلك وسلّم. مع التوكل على الله في جميع أمره، مع الصبر والتصابر، في المكان الذي يكفر فيه آخرون ويتضجرون ويتأففون ويعترضون..أما المؤمن فحاشاه. "ما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على قدميه[في الدنيا] وليس عليه خطيئة". الخوف والرجاء قرينان في حياة المؤمن، صنوانٌ، سيان، كجناحي طائر، يعتمد عليهما كليهما، من أجل الاستمرار في التحليق.. المؤمن إذا حلّق لا يسقط، ولا ينبغي له أن يسقط؛ فهو القوي في المدلهمات والنازلات، وهو المستسلم في الأقدار والآجال؛ من أسقام ونوازل وعلل وحروب ومصائب.. قضاء الله وقدره نافذان على الخلائق، وحده المؤمن الذي يتقبلها رضا واستسلامًا، خيرها وشرها. -المؤمن يُحسن الظن بربه سبحانه وتعالى، ولا يقنط ولا يُسيء، ولا يكفر، ولا يستسلم. "أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء"كما في الحديث القدسي. والمؤمن مع توكله وقوة عزيمته وثقته بربه، يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.. وهو وإن كان متوكلًا، فهو كذلك المؤمن: الذي يحتاط بالتحصينات العامة الشرعية، والتي دعاه الإسلام إلى اتخاذها، والإيمان بنفعها وتأثيرها وجدواها؛من أذكار وأوراد ورقى وأدعية.. ومن توجيهات نبوية طبية شرعية في النأي بالنفس عن الأضرار، وحرمة الإضرار بالضروريات الخمس، والتي دعت أصول الشريعة وأسسها إلى حفظها وصونها، ومنها النفس.. -فالمؤمن لا يلقي بنفسه إلى التهلكة. -والمؤمن يحذر البينات. -وينأى بنفسه عن المهلكات والشبهات. -ويذهب بنفسه نحو طب القلوب ليتزود، ونحو الإرشادات ليطبقها، فيسلم من الضر، ويسلم من ضر غيره، -يدرك جيدًا حماية الشريعة العامة، للشكل العام من الناس؛ فلا يضر نفسه، ولا يضر غيره. -يعلم أن الضر والنفع بيد الله وحده، وليس المرض مسببًا بنفسه، ولا فاتكًا بذاته، ولا مُعديًا بحقيقته السببية، بل المسبب لكل ذلك وحصول هذا إنما يكون بأمر الله وحده "وما يعلم جنود ربك إلا هو". -يدرك المؤمن جيدًا عقيدة ذهبيةً،وثابتًا مرتكزًا من أهم الأصول في هذا الشأن، وهذه الركيزة العقدية موجودة في قوله عليه السلام كما في وصيته لحبر الأمة عبدالله بن عباس :" وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُف". -"تطببوا"توجيه نبوي، وأمر شرعي، لا يغفله المؤمن، ولا يكون ضعيفًا بترك الأمر. -والمؤمن أواب رجاع تواب، وبالأخص في أزمنة البلاء والفتن والمصائب، فيكون أكثر عبادة، وإيمانًا، وتوكلا، وصبرًا، وتحصنًا، ورضا، وطاعة. -والمؤمن يدرك عقيدة استجابة الدعاء، مع توفر أسبابه وشروطه "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم". -ويدرك أنه "لا يرد القضاءَ إلا الدعاءُ" كما في حديث نبينا عليه السلام. -وبالعودة والتوبة والرجوع والإنابة، وبصلاح المجتمع وسلامة الأخلاق، وحسن المعاملات بين المسلمين، تُرفع بإذن الله الأمراض والأسقام والأوبئة والابتلاءات. -يطالب المؤمنون-بمختلف طبقاتهم-بتحمل مسؤولية المعالجة؛ فصلاح المجتمع وسلامته تبدأأن من كل شخص يحمل اسم الإيمان، فيجاهد نفسه ويعالجها قدر المستطاع. وكما قال الطحاوي-رحمه الله-:"والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن، وأفضلهم عند الله، أطوعهم وأتبعهم للقرآن".