غرقت عدن اليوم، ولكن غرقها كان في شبر ماء كما يقولون، فمطرة بسيطة رأينا الخزى، والبوار، والكذب على الذقون، والبهذلة، والعشوائية، غرقت عدن بسبب العشوائيات التي بنيت في ممرات السيول، وعلى مرأى، ومسمع الدولة، والحكومة، والمجالس المحلية، والمواطنين، فالدولة لم تعر عدن اهتماماً، والحكومة نظرت لها مجرد عاصمة مؤقتة سرعان ما ينتهي دورها، وتعود الحكومة إلى صنعاء ذات الحسن، والجمال، وذات الممرات الواسعة، والوسائل الحديثة لتصريف مياه الأمطار، وعجبي كل العجب من المجالس المحلية التي هي مشغولة بمتابعة ما تجود به المنظمات من قمح، ودقيق، وزيت، وعدس، ليتقاسمونه مع المواطن، وأثار استغرابي المواطن الذي رأى من يستبيح طريقه، ويبني في ممرات السيول، ليحرف مجراها، لتطمر الجميع، ولم ينطق ببنة شفه. اليوم بسبب هذه المطرة عادت مياه المجاري إلى منازل المواطنين، فعاشوا اليوم بين مياه المجاري، وداخل منازلهم، والشوارع غرقت بمياه الأمطار التي لم تجد لها منفذاً، فحسبنا الله، ونعم الوكيل. عدن اليوم غرقت، ولفظت بعض أحيائها النفس الأخير، تدمرت مبانيها، وانتهت طرقاتها، وكله بسبب مطرة بسيطة لا تزيد مدتها عن نصف ساعة، والسبب ليست الأمطار الغزيرة، ولكن ما أصاب عدن هو غزارة الفوضى، والعشوائيات، والمقاولات الفاشلة، والإهمال، عدن نستطيع أن نقول عنها أنها مدينة فاشلة، منكوبة، مسحوبة على خشمها، ممرمطة بين قوات عسكرية تتدافع على متنفساتها، وقطع طرقاتها، والبناء في ممرات السيول في جبالها، والقتال على أبواب البنوك على شيكات المساكين، فعدن اليوم بحاجة لتخطيط، ومن أول، وجديد، وبحاجة لاستعمار بريطاني جديد، لتعود لسابق عهدها، فلا تظنون أن من جاء من فوق كدمة، أو من شعب من شعاب جبال اليمن سيخططها، بل اعلموا أنه سيسدد مجاري المياه فيها، وسيغير معالمها، لأنه مجرد إنسان همج، لا يشبه إلا البهيمة، بل هو بهيمة ناطقة ترمي مخلفاتها في كل مكان في عدن، فلك الله يا عدن، والله يستر عليك من الكوارث، وأشدها الكوارث البشرية، وما أكثرها هذه الأيام. أخيراً عزائي، ومواساتي لمن فقدناهم اليوم بسبب هذه المطرة، وعوَّض الله على كل من كانت عليه خسائر مادية.