صحيفة غربية: الطائرات المسيرة اليمنية قادرة على اختراق المنظومات الدفاعية الجوية المتطورة    موجة برد جديدة متوقعة يرافقها انخفاض في الرطوبة    منافسات مثيرة في النصف النهائي لبطولة كأس الشهداء لتنس الميدان    إطلاق نار يغلق البيت الأبيض ويوقف حركة الطيران في واشنطن    عودة 48 صياداً إلى الخوبة اختطفوا وعُذّبوا في إريتريا    دوري الأبطال.. أرسنال يجتاز البايرن وسان جيرمان والريال يستعيدان التوازن    ترتيب هدافي دوري أبطال أوروبا بعد سوبر هاتريك مبابي مباراة ريال مدريد وأولمبياكوس    الجنوب العربي والطارئون على السياسة بعد 1967    بن حبريش يكرر خطيئة إخوان شبوة ويقود تمرداً مسلحاً يعيد حضرموت إلى مربع الفوضى    الإصلاح يعلن وقوفه مع بن حبريش لتأديب الإمارات    تقرير أممي: انخفاض ملحوظ لواردات الوقود والغذاء عبر موانئ الحديدة    الاغذية العالمي يستبعد قرابة مليوني يمني من سجلات المساعدات الغذائية    هزة أرضية في محافظة ذمار    قراءة تحليلية لنص" بعد الخطوبة وقبل القران" ل"أحمد سيف حاشد"    سعد لمجرد يمثل أمام القضاء الفرنسي مجددا بتهمة "الاغتصاب المشدد"    ألمانيا تُعلّق على قرارات الاعدام التي أصدرتها سلطات صنعاء بحق 17 مواطنًا    دوري ابطال اوروبا: ارسنال يطيح بالبايرن ويخطف منه الصدارة    الصحفي الكبير والمناضل القدير محمد قاسم نعمان    صنعاء.. مقتل مواطنين بانفجار عبوة ناسفة بمديرية نهم    قائد المنتخب اليمني يعتذر للجماهير بعد خسارة مؤلمة بركلات الترجيح أمام جزر القمر    قراءة في تقدير مركز استخبارات أمريكي لاحتمال تجدد المواجهة بين اليمن والكيان الصهيوني    مسام يُتلف 7175 لغماً وذخيرة حوثية في وادي دوفس بأبين    عاشق الحياة وصديق الموت    تقرير اقتصادي: اليمن ثالث دولة تعتمد في اقتصادها على تحويلات المغتربين    عدن.. تعيين قيادة لجهاز أمن الدولة بعد قرابة عامين من إنشائه    صعدة : الإفراج عن 140 سجينا تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة    تقرير خاص : "المؤتمر الوطني الأول للطاقة .. منصة تحول وطني لتعافي القطاع وبناء مستقبل مستدام"    الفريق الوطني لتبسيط الإجراءات يبدأ نزولاً ميدانياً لتقديم الدعم الفني لتطوير مركز خدمة المواطن في وحدات الخدمة العامة    إخوان الأردن ولبنان في مرمى «أمر ترامب».. تأثير «الضربة المزدوجة»    معرض وبازار للمنتجات التراثية للأسر المنتجة في صنعاء    الأحد القادم إجازة رسمية في صنعاء وعدن    مخيم طبي خيري مجاني للأطفال في مستشفى الكويت الجامعي بصنعاء    مليشيا الانتقالي تحشد باتجاه حضرموت وحلف القبائل يتوعد بسحقهم    الصمود الصعيد والشاطئ بير علي يقهران منافسيهما شباب مرخة والنهضة خورة ويخطفان بطاقتي التأهل في أولمبياد شبوة الأول للكرة الطائرة    وفد بريطاني يطلع على جهود مركز الملك سلمان ويشيد بدور المملكة في مساعدة اليمن    قيادة المنطقة العسكرية الرابعة تكرم قيادتي السلطة المحلية في الضالع وإب    منتخب الناشئين يفوز على كمبوديا بثلاثية نظيفة في تصفيات آسيا    تكريم الفائزين في مسابقة البحوث العلمية حول سرطان الثدي بكلية المجتمع بسيئون ..    اشغال مأرب يدشن حملة لإزالة المخالفات من أرصفة شوارع عاصمة المحافظة    الإمارات تتعهد بدعم كهرباء الجنوب بمليار دولار    إحباط تهريب مخدرات.. ومطالب بتوسيع سيطرة النخبة لحماية حضرموت    رحيل مفجع للداعية البارز محمد المقري في مكة المكرمة    صنعاء تستعد لانطلاق مهرجان المقالح الشعري    الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً جديدة في أبحاث الدماغ    الرياضة في الأربعينات: سلاحك ضد الزهايمر    تشيلسي يسقط برشلونة بثلاثية    ترحيل 1522 مهاجر أفريقي من صعدة    قراءة تحليلية لنص "خطوبة" ل"أحمد سيف حاشد"    أزمة أخلاق!    تدشين فعاليات إحياء ذكرى ميلاد فاطمة الزهراء بالامانة    فوز الكويت بمقعد العضوية في اليونيسكو لأربع سنوات    حين يتحوّل فستان إعلامية إلى معركة هوية في وطنٍ تُنهكه المآسي !!    خبراء التغذية: النظام الغذائي مفتاح التركيز الذهني    الصحة تعلن ارتفاع وفيات وإصابات التهاب السحايا في اليمن    الكثيري يُعزّي في وفاة الشاعر والأديب ثابت السعدي ويشيد بإرثه الأدبي والثقافي    تسجيل 26 حالة وفاة وألف و232 إصابة بالحمى الشوكية منذ مطلع العام الجاري    آخر حروب الإخوان    هيئة أسر الشهداء تُنفذ مشاريع تمكين اقتصادي بنصف مليار ريال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفنان الكبير/ محمد عبده زيدي السيناريو الدرامي والمضمون الجمالي للأثر الموسيقي في اغانيه
نشر في عدن الغد يوم 30 - 03 - 2020


بقلم الفنان/ عصام خليدي
حملت مدينة عدن على جنباتها منذ مطلع القرن الماضي مشروعاً غنائياً موسيقياً كان نقطة تحول وإنقلاباً فنياً في مسار هيكل قوام بنية الأغنية اليمنية من النمط التقليدي المتداول والمعهود إلى مرحلة جديدة تميزت بإشتغالاتها الجادة والمدروسة ذلك بخلق أشكال غنائية جديدة وقوالب موسيقية حديثة أستندت على الطابع العلمي المنهاجي وتمردت بوعي ودراية على شكلها السائد والمعروف في ذلك الوقت،فقد أستطاع جيل الريادة من الفنانين تأسيس وبناء قوالب وأشكال موسيقية غنائية (حديثة) جمعت بين الأصالة والمعاصرة والتجديد وسميت فيما بعد بما يعرف بالغناء الحديث الذي تجاوز بقيمته الفنية ومستواه الراقي المتطور كل ما كان سائداً وموجوداً في تلك الحقبة الزمنية فأصبحت الأغنية العدنية بلونها وبثوبها وحلتها الغنائية الموسيقية الجديدة والغناء الحديث وجهين لعملة واحدة، وكان من أبرز روادها ومؤسسيها الفنانون الكبار: خليل محمد خليل ، يحيى مكي ، سالم بامدهف ، إسكندر ثابت، أحمد قاسم، المرشدي ،محمد سعد عبدالله ،محمد عبده زيدي، وآخرون..
وفي واقع الأمر أتسمت تجليات الغناء الحديث بروئ وأفكار ومحاور فنية متعددة وأصبحت قاسماً مشتركاً حرص بالإشتغال عليه غنائياً وموسيقياً كل جيل الريادة ،إضافة لذلك الهاجس الإبداعي الرائع والعام في الإنشغال الفكري بالحداثة والتجديد، وكانت كل هذه الأفكار الغنائية و الموسيقية في ذلك الوقت تنضوي تحت شعار ومفهوم اللون العدني أو الأغنية العدنية لأسباب متداخلة متشعبة سياسية/ ثقافية/ إقتصادية/ إجتماعية/ وجغرافية..لسنا بصدد شرحها في هذا المقام إلا أنها في حقيقة الأمر قدمت للغناء اليمني مستوى عالياً وراقياً ومتطوراً في أسلوب صياغة الجملة الغنائية الموسيقية أرتقى بذائقة المستمع في الداخل والخارج بشكل عام،وكان لمدينة عدن السبق الإبداعي الحضاري والإنساني.
كان لكل واحداً من الفنانين الرواد طريقته الخاصة ومدرسته المستقلة المتفردة عن زملائه الفنانين الآخرين، جعلت له ملامحاً وإستقلالية تميزت بها تجربته الغنائية والموسيقية بتعامله وتعاطيه مع (التجديد والحداثة) بأدواته الفنية الخاصة وأسلوبه ونهجه المتميز في صياغة نتاجاته الإبداعية،وقد سبق وأن تحدثنا في مواضيع عديدة نشرت تباعاً بالصحف وأشرنا بالتفصيل إلى ما يميز كل تجربة من التجارب عن غيرها..
نحن اليوم نقف أمام (تجربة فنان شامل ملتزم في غاية الأهمية ) حمل على عاتقه مهمة تغيير أسلوب الغناء اليمني من الغناء (التطريبي) إلى أسلوب جديد عُرف بمسمى الغناء (التعبيري) ،فقد كان الغناء اليمني حينها يعتمد على قوة الصوت والأداء الذي يستند على السلطنة والتطريب وحرفية الصوت بزخرفاته وعُربه وحلياته أثناء الأداء وهو ما عُرف بالغناء التطريبي،أما الغناء التعبيري يختلف تماماً عن سابقه إختلافا جدرياً إذ أن الغناء التعبيري يعتمد على رقة الصوت ودقة التصوير والتعبير الذي يجسد المعاني بإحساس قوي مصحوباً بأداء هادئٍ عميقٍ راكزٍ للفنان دون تكلف أو إفتعال..
فإذا أستمعنا إلى الحان وأعمال الفنان الرائع محمد عبده زيدي سنجدها عبارة عن قصة وسيناريو غنائي موسيقي ( يُقرأ بالأذن ) يحمل دلالات نغمية درامية مكثفة، مما يضع (الفنان الزيدي) في مصاف الملحنين القلائل الذين يمنحون الكلمة والأغنية عموماً قدرات تعبيرية تصويرية درامية وإضافات موسيقية نغمية وإيقاعية ودلالات وروئ (إبداعية إستثنائية) تعكس النفس اللحني والمقامي والأبعاد الجمالية لهذا الفنان (العبقري) الذي يُعد ضمن قلة من الملحنين ليس على مستوى اليمن وحدها بل على المستوى العربي الذين ( تبنوا عنصر التصوير والسيناريو الدرامي في المضمون الجمالي للأثر الموسيقي) ،فوق أنه يجمع في تجربته والحانه بين عنصري (التعبيروالتطريب)، والحقيقة أن ما قدمه الراحل محمد عبده زيدي في الغناء اليمني من أغنيات خالدات أتسمت بالعمق والثراء والخصوبة والفرادة والتميز لم يكن معهوداً في سياق تاريخ الغناء اليمني المعاصر إلا بتجربة الأستاذ إسكندر ثابث الذي كان لها السبق والخوض بهذا الأسلوب الموسيقي الغنائي الدرامي الحديث والجديد مع وجود التمايز والخصوصية بين كل من التجربتين.
فالأستاذ محمد عبده زيدي نجد الحانه وموسيقاه تفصح بوضوح عن قدرتة الفائقة وحنكته في تجسيد إنفعالاته وأحاسيسه وخلجاته للتعبير عن مضامين ومعاني النص الغنائي الذي يتعاطاه فيضيف بصوته المتفرد (الهبة الإستثناء) والحانه أبعاداً جمالية وروحية تعطي للنص الغنائي إضافات جمالية زاخرة بالصور والدلالات والجمل الموسيقية الرائعة المتناغمة المتمازجة مع صوتة الدافىء الشجي العميق، فيأخدنا عند سماعنا لأعماله إلى عوالم وفضاءات إبداعية رحبة نطوف بها فنستمع ونشاهد ونتأمل في وقت واحد (لسيناريو موسيقي غنائي بصري) في غاية الروعة والجمال يعتمد على (منهاج القصة المكتوبة بأسلوب نغمي عالي التكنيك )،مع توافر عناصر الدراما التعبيرية التي تتجسد في (البداية / الحبكة / والنهاية )، وإذا أردنا التأكد من صحة ما أشرنا إليه آنفاً علينا العودة إلى أعمال الأستاذ محمد عبده زيدي التي لايمكن الفصل في أغانيه بين المذهب والكوبليهات وإلا حدث خلل في سياق اللحن والأغنية ذلك لأن بناءها المعماري الهندسي الموسيقي الغنائي الدرامي متماسك متسلسل كوحدة فنية مترابطة ،ومن هنا تأتي مصداقية الزيدي وعظمته في تصوير وترجمة معاناته مع الشعراء بكل إقتدار وحرفية و صدق وأمانة دون صنعة أو تكلف في كل حالاته الإبداعية التي قدمها في مشوار حياته الفني ،فبقيت وستظل تلك الاعمال الغنائية راسخة في الذاكرة والضمير والوجدان الرومانسي والعاطفي،بل ونستطيع القول أنها(وشمت في تاريخنا الغنائي اليمني الحديث والمعاصر) ونتذكر في هذا المقام على سبيل المثال لا الحصر أغانية الشهيرة ذائعة الصيت: السعادة / ورأسك / صابر/ غصب عني/ ياحبيب العمر/ أنت لي دايم/ الدودحية/ غزيرالسلى / فقدان/ بتذكره حبك/ ياقلبي كفاية / أحلف بحسنك/ تعال/ جميل الوجه والقامه / القناعة/ الوصية/ لاتتعب نفسك / أيام تمر وتدور / والله بلدنا نورت وغيرها.
رغم العطاء الفني والإنساني الذي قدمه (الزيدي) للوطن وفي أعلى درجاته وتجلياته عاشقاً ومناضلاً غيوراً وأستاذاً معلماً للأجيال،برغم كل ذلك لم ينل مايستحقه من الوفاء والرعاية إلى أن توفاه الله ..
شكل الفنان محمد عبده زيدي ( ثنائية ناجحة) مع الشاعر الجميل مصطفى خضر وقدما (تحفاً وروائع فنية) بالإضافة إلى تعامله مع شعراء آخرين، منهم الأساتذة الأدباء : أحمد الجابري / نزار قباني / لطفي جعفر أمان/ ناصر علوي الحميقاني/ أحمد الحماطي/ عبدالرحمن إبراهيم/ محمد عبدالله بامطرف / فريد بركات/ عبدالله عبد الكريم/ الأمير صالح مهدي العبدلي ..
تعامل الأستاذ محمد عبده زيدي مع المقامات الشرقية الأصيلة في أغنياته ووظفها بإستخدامات أبعادها النغمية بطريقة غير مسبوقة أبرزها المقامات التالية: الراست/ البيات/ الكرد / راحت الأرواح/ السيكا / والحجاز كاركورد، بالإضافة للمقامات الغربية كالماجير / والنهوند ..
كان الفنان محمد عبده زيدي يشغل منصب رئيس قسم الموسيقى في (إذاعة عدن)، إضافة لذلك عمل (مهندساً وضابطاً للصوت) وله بصمات موثقة في كثيرمن التسجيلات الغنائية والفنية التي قدمها لزملائه الفنانين..
قدم ودعم الأستاذ محمد عبده زيدي العديد من الأصوات التي تبناها في الساحة الفنية من المطربين والمطربات أهمها: صباح منصر/ رجاء باسودان / جمال داؤد/ عصام خليدي/ محمد خميس/ ياسين العلس / نجيب سعيد ثابت / كفى عراقي/ منى همشري/ إيمان إبراهيم ..وآخرين..
تأثر الفنان محمد عبده زيدي بالفنان الموسيقار أحمد قاسم في بداية حياته وكان عازفاً للكمان بفرقته التجديدية ثم أرسله (بن قاسم) بعد ذلك للقاهرة لدراسة هندسة الصوت على نفقته الخاصة..
عشق الفنان محمد عبده زيدي تجربة الفنان الكبير عبد الحليم حافظ ومدرسته الموسيقية الغنائية مع الملحنين العظماء: محمد الموجي/ كمال الطويل/ بليغ حمدي، التي تميزت بأسلوب الغناء التعبيري والأداء العميق والصادق وأتذكر أنه إبتدأ حياته كفنان بأغنية (قولي حاجة) التي غناها عبد الحليم حافظ وأشتهر بها كمطرب وقد نجح (الزيدي) أيضاً في هذه الأغنية و قدمها بحفل فني كبير شهد ولادته كمطرب منذ تلك اللحظة، قدم الأستاذ محمد عبده زيدي أعمال موضوعية هادفة ووطنية بأسلوب ومعالجة فنية جديدة وتناول موسيقي متطور وراق..
وثبات فنية متألقة:
ظل عطاء فناننا القدير محمد عبده زيدي متجدداً متدفقاً حتى آخر (رمق في حياته) وبقيت نتاجاته الإبداعية تنبض بالحيوية والحركة منذ بداياته الأولى وكذلك في أعماله الجديدة والحديثة التي قام بتسجيلها مؤخراً للإذاعة والتلفزيون ( العدني ) قبل رحيله ، من هذه الأعمال المتميزة أغنية : لا تتعب نفسك كلمات / لطفي جعفر أمان، وأغنية شكراً لخطابك الأخير كلمات / نزار قباني، بالإضافة لأغنية القناعة كلمات/ ناصر علوي الحميقاني ،وجدير بالإشارة أنه قام بتوثيق وتسجيل كل هذه الأعمال الرائعة في (إذاعة وتلفزيون عدن) رغم ظروفه الصحية الصعبة، كما أتذكر أنه أبدع في أغنية ( القناعة ) التي ُسجلت أيضاً في حفل فني وحفظت في ( مكتبة تلفزيون عدن ).. ولكن للأسف لم نعد نشاهد أعماله الثلاثة الأخيرة التي أشرت إليها آنفاً تُعرض وتبث في ( الفضائية العدنية..؟! ).. والحقيقة أن الزيدي رحمه الله (حقق ما عجز عنه الكثيرون) من الفنانين الأحياء الذين على قيد الحياة ولكنهم (ماتوا فنياً ) منذ زمن طويل ،فعند الإستماع إلى أعماله الأخيرة نجده في كل أغنية من الأغاني الثلاث التي ذكرناها يختلف شكلاً ومضموناً ببراعة وحنكة تؤكد قدرته الفائقة على الإستمرارية والتجدد بما يتواءم وينسجم مع آخر صيحات ومبتكرات الزمن الذي يعيشه وربما في أحيان كثيرة (يسبق عصره في التنبؤ) بما يمكن أن يحدث للأذن المستمعة والمتلقية لأعماله ونتاجاته المتألقة فظل الفنان المبدع محمد عبده زيدي عائشاً في وجداننا وأرواحنا وقلوبنا بأعماله وأغنياته الساحرة الأسرة الآخاذة رغم رحيله..
شكلت عطاءاته ونتاجاته (الغنائية الموسيقية الوطنية) نموذجاً مغايراً خرج به عن المألوف ولعل أبرزها على سبيل المثال: والله بلدنا نورت/ ياسلام ياتلال/ الوصية / ياشعبنا .. ياشعبنا (أفرح وغني يابطل .. يالله على درب الأمل)/ ياجميلة والظفائر.. والعديد من الأناشيد الوطنية التي حملت وتبنت قضايا وهموم وتطلعات شعبنا اليمني، وأتسمت غالبيتها بالعاطفة الجياشة المتدفقة بالمشاعر والأحاسيس المفعمة بمفاهيم الإنتماء والولاء والحب والعشق للوطن، إضافة لرشاقة وحيوية الإيقاعات والأرتام المصاحبة للجمل الموسيقية المتنوعة الباذخة في وطنياته البديعة..
والواقع أن من أهم أسباب حبي وعشقي وإحترامي (للزيدي) أنه رفض أن أكون (مقلداً) لمحمد عبده زيدي أو لغيره من الفنانين الأخرين وشجعني بالنصيحة والرأي السديد للإستقلال بشخصيتي (الفنية الجديدة) الأمر الذي جعله كبيراً في قلبي إسماً ومعنى لا ينفصلان على الإطلاق.
عرضت القناة الفضائية اليمنية بمناسبة الذكرى (16) لرحيل الفنان محمد عبده زيدي مجموعة من أغانية من ضمنها أغنية قدمها على (العود فقط) في ثمانينات القرن الماضي حملت أهم الألحان في زوامل (خيلت براقاً لمع) وذلك يؤكد ما ذكرناه سلفاً من وثبات وإلتقاطات فنية جادة وهامة للفنان العظيم محمد عبده زيدي..
عرفت الأستاذ القدير محمد عبده زيدي كتلة من المشاعر والأحاسيس معتز بنفسه وبفنه وقد كان بالنسبة لنا ولا يزال معلماً وأخاً كبيراً وصديقاً صدوقاً منذ عرفناه إلى أن توفاه الله..
كلمة لابد منها :
أن فقدان ورحيل المبدع الخلاق الزيدي بما يحمله من قيم جمالية إبداعية ووطنية عظيمة راقية يُعد خسارة فنية فادحة لايمكن تعويضها على الإطلاق ونحن بدورنا كمهتمين نُذكر ونلفت عناية الجهات المعنية بتاريخ وفاته 26/ ديسمبر/1993م مايقارب( 27 عاماً) مضت منذ أن فارقنا (الفنان الصادق والانسان) محمد عبده زيدي ولم تلتفت إليه القنوات والمؤسسات الرسمية ممثلة (بوزارة الثقافة) أو (إذاعة عدن) الذي أفنى جل عمره في خدمتها وتبوأ أعلى المناصب القيادية في عصرها الذهبي.. تصوروا لم يشفع تاريخه الحافل والمشرف الزاخر بالانجازات الوطنية والإنسانية..؟!
لم يشفع ذلك الرصيد الضخم(بتكريمه) بما يليق وينسجم ومكانته الإبداعية المرموقة في قلوبنا وحياتنا من خلال ماقدمه من بصمات وعطاء متميز وشم في ذاكرة الوطن الفنية، رغم أننا نسمع ونقرأ في الصحف عشرات المكرمين في ظل غياب المعايير والمقاييس ممن يجيدون نسج العلاقات العامة (الدراويش) أصحاب الوساطات بمختلف أشكالها وأنواعها، لقد سبق فناننا الزيدي الجميع (وكرمنا بفنه الراقي والأصيل)، أما مايحدث له وللمبدعين الحقيقيين أمثاله من تغييب وتهميش وجحود ونسيان فهو مؤشر يبين ويوضح مانحن عليه من سقوط شمل بطغيانه ومفاسده كل مفاصل المشهد الثقافي الإبداعي الراهن.
العناوين الجانبية:-
1. إذا أستمعنا الحان وأعمال الفنان الرائع محمد عبده زيدي سنجدها عبارة عن قصة وسيناريو غنائي موسيقي ( يُقرأ بالأذن ) يحمل دلالات نغمية درامية مكثفة
2. يُعد الفنان العبقري (الزيدي) ضمن قلة من الملحنين ليس على مستوى اليمن وحدها بل على المستوى العربي الذين ( تبنوا عنصر التصوير والسيناريو الدرامي في المضمون الجمالي للأثر الموسيقي)
3. تعامل الأستاذ محمد عبده زيدي مع المقامات الشرقية الأصيلة في أغنياته ووظفها بإستخدامات أبعادها النغمية بطريقة غير مسبوقه أبرزها المقامات التالية: الراست/ البيات/ الكرد / راحت الأرواح/ السيكا / والحجاز كاركورد، بالإضافة للمقامات الغربية كالماجير / والنهوند
4. يأخدنا عند سماعنا لأعماله إلى عوالم وفضاءات إبداعية رحبة نطوف بها فنستمع ونشاهد ونتأمل في وقت واحد (لسيناريو موسيقي غنائي بصري) يعتمد على (منهاج القصة المكتوبة بأسلوب نغمي عالي التكنيك )،مع توافر عناصر الدراما التعبيرية التي تتجسد في (البداية / الحبكة / والنهاية )
5. كان الفنان محمد عبده زيدي يشغل منصب رئيس قسم الموسيقى في (إذاعة عدن)، إضافة لذلك عمل (مهندساً وضابطاً للصوت) وله بصمات موثقة في كثير من التسجيلات الغنائية والفنية التي قدمها لزملائه الفنانين
6. رغم العطاء الفني والإنساني الذي قدمه (الزيدي) للوطن وفي أعلى درجاته وتجلياته عاشقاً ومناضلاً غيوراً وأستاذاً معلماً للأجيال،برغم كل ذلك لم ينل ما يستحقه من الوفاء والرعاية إلى أن توفاه الله ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.