هجوم جوي يستهدف قوات الانتقالي في حضرموت    خبير في الطقس: برد شديد رطب وأمطار متفرقة على عدد من المحافظات    ميرسك تعبر البحر الأحمر لأول مرة منذ عامين وتدرس عودة تدريجية    تقرير أممي: ثلثا اليمنيين يعانون انعدام الأمن الغذائي ومعدلات الجوع تسجل ذروة غير مسبوقة    حضرموت.. إحباط زرع عبوات ناسفة على الطريق الدولي المؤدي إلى منفذ الوديعة    اليمنيون في مسيرات مليونية: القرآن خط أحمر وفلسطين قضية الأمة    هيئة رعاية أسر الشهداء تعلن صرف إعاشة أبناء وآباء وأمهات الشهداء والأرامل وزوجات المفقودين    تقرير أممي: تصعيد الانتقالي في حضرموت أجبر آلاف الأسر على الفرار والنزوح    جريمة إرهابية مروعة    المتحدث الرسمي للقوات الجنوبية : ثلاثي الإرهاب يرد على خسائره باستهداف قواتنا بطائرات مسيّرة    أبناء أبين يؤدون صلاة "جمعة الثبات والتمكين" في ساحة الاعتصام بزنجبار    حين يرفع الانتقالي علم الدولة وتمسك السعودية ختم الدولة... رحلة الاعتراف الدولي للجنوب    قيادة السلطة المحلية بالبيضاء تنعي حاتم الخولاني مدير مديرية الصومعة    شرطة المرور تعلن إعفاء أكثر من ثلاثة ملايين مخالفة مرورية    قراءة تحليلية لنص "نور اللحجية" ل"أحمد سيف حاشد"    مهرجان ثقافي في الجزائر يبرز غنى الموسيقى الجنوبية    أمطار شتوية غزيرة على الحديدة    معارك ليست ضرورية الآن    بوتين يؤكد استعداد موسكو للحوار ويشيد بتقدم قواته في أوكرانيا    الموسيقى الحية تخفف توتر حديثي الولادة داخل العناية المركزة    "المحرّمي" يُعزِّي في وفاة السفير محمد عبدالرحمن العبادي    الأرصاد تتوقع أمطارًا متفرقة على المرتفعات والهضاب والسواحل، وطقسًا باردًا إلى بارد نسبيًا    بالتزامن مع زيادة الضحايا.. مليشيا الحوثي تخفي لقاحات "داء الكلب" من مخازن الصحة بإب    الأوبئة تتفشى في غزة مع منع دخول الأدوية والشتاء القارس    "أسطوانة الغاز" مهمة شاقة تضاعف معاناة المواطنين في عدن    قوة أمنية وعسكرية تمنع المعتصمين من أداء صلاة الجمعة في ساحة العدالة بتعز    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    الحبيب الجفري يحذّر من تسييس الدين: الشرع ليس غطاءً لصراعات السياسة    الإصلاح يصفي أبناء تعز: استقالات تتحول إلى حكم إعدام بسبب رغبتهم الانضمام لطارق صالح    أزمة خانقة في مخابز عدن.. المواطن يعاني والانتقالي يبيع الأوهام    خبير دولي: على الانتقالي التركيز على الإعلام الخارجي بالإنجليزية لبناء التفهم الدولي لقضية الجنوب    الذهب يسجّل أعلى مستوى له في التاريخ    كأس ملك اسبانيا: تأهل اتلتيك بلباو وبيتيس لدور ال16    صحيفة أمريكية: خطاب ترامب الأخير .. الأمور ليست على ما يرام!    السبت .. انطلاق سباق الدراجات الهوائية لمسافة 62 كم بصنعاء    الحرية للأستاذ أحمد النونو..    المغرب يتوج بطلاً لكأس العرب بانتصاره المثير على منتخب الاردن    انعقاد الاجتماع الفني لبطولة مديريات محافظة تعز - 2026 برعاية بنك الكريمي    القرفة في الشتاء: فوائد صحية متعددة وتعزيز المناعة    تجار تعز يشكون ربط ضريبة المبيعات بفوارق أسعار الصرف والغرفة التجارية تدعو لتطبيق القانون    صنعاء.. البنك المركزي يعيد التعامل مع شبكة تحويلات مالية    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    نادية الكوكباني تفوز بجائزة نجيب محفوظ لأفضل رواية عربية للعام 2025    سان جيرمان يتوج بكأس القارات للأندية لأول مرة في تاريخه    طائرة شحن إماراتية محمّلة بالسلاح تصل مطار الريان بحضرموت    أرقام فلكية.. الفيفا يعلن عن الجوائز المالية لكأس العالم 2026    بين الاعتزاز والانسلاخ: نداءُ الهوية في زمن التيه    شرطة أمانة العاصمة تكشف هوية الجناة والمجني عليهما في حادثة القتل بشارع خولان    اتحاد كرة القدم يعلن استكمال تحضيراته لانطلاق دوري الدرجة الثانية    روائية يمنية تفوز بجائزة أدبية في مصر    صباح عدني ثقيل    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    صباح المسيح الدجال:    مأرب.. السلطة المحلية تكرم فريق نادي السد لكرة القدم بمناسبة الصعود لدوري الدرجة الثانية    تأكيداً على عظمة ومكانة المرأة المسلمة.. مسيرات نسائية كبرى إحياء لذكرى ميلاد فاطمة الزهراء    جوهرة الكون وسيدة الفطرة    بدعم سعودي.. مشروع الاستجابة العاجلة لمكافحة الكوليرا يقدم خدماته ل 7,815 شخصا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفنان الكبير/ محمد عبده زيدي السيناريو الدرامي والمضمون الجمالي للأثر الموسيقي في اغانيه
نشر في عدن الغد يوم 30 - 03 - 2020


بقلم الفنان/ عصام خليدي
حملت مدينة عدن على جنباتها منذ مطلع القرن الماضي مشروعاً غنائياً موسيقياً كان نقطة تحول وإنقلاباً فنياً في مسار هيكل قوام بنية الأغنية اليمنية من النمط التقليدي المتداول والمعهود إلى مرحلة جديدة تميزت بإشتغالاتها الجادة والمدروسة ذلك بخلق أشكال غنائية جديدة وقوالب موسيقية حديثة أستندت على الطابع العلمي المنهاجي وتمردت بوعي ودراية على شكلها السائد والمعروف في ذلك الوقت،فقد أستطاع جيل الريادة من الفنانين تأسيس وبناء قوالب وأشكال موسيقية غنائية (حديثة) جمعت بين الأصالة والمعاصرة والتجديد وسميت فيما بعد بما يعرف بالغناء الحديث الذي تجاوز بقيمته الفنية ومستواه الراقي المتطور كل ما كان سائداً وموجوداً في تلك الحقبة الزمنية فأصبحت الأغنية العدنية بلونها وبثوبها وحلتها الغنائية الموسيقية الجديدة والغناء الحديث وجهين لعملة واحدة، وكان من أبرز روادها ومؤسسيها الفنانون الكبار: خليل محمد خليل ، يحيى مكي ، سالم بامدهف ، إسكندر ثابت، أحمد قاسم، المرشدي ،محمد سعد عبدالله ،محمد عبده زيدي، وآخرون..
وفي واقع الأمر أتسمت تجليات الغناء الحديث بروئ وأفكار ومحاور فنية متعددة وأصبحت قاسماً مشتركاً حرص بالإشتغال عليه غنائياً وموسيقياً كل جيل الريادة ،إضافة لذلك الهاجس الإبداعي الرائع والعام في الإنشغال الفكري بالحداثة والتجديد، وكانت كل هذه الأفكار الغنائية و الموسيقية في ذلك الوقت تنضوي تحت شعار ومفهوم اللون العدني أو الأغنية العدنية لأسباب متداخلة متشعبة سياسية/ ثقافية/ إقتصادية/ إجتماعية/ وجغرافية..لسنا بصدد شرحها في هذا المقام إلا أنها في حقيقة الأمر قدمت للغناء اليمني مستوى عالياً وراقياً ومتطوراً في أسلوب صياغة الجملة الغنائية الموسيقية أرتقى بذائقة المستمع في الداخل والخارج بشكل عام،وكان لمدينة عدن السبق الإبداعي الحضاري والإنساني.
كان لكل واحداً من الفنانين الرواد طريقته الخاصة ومدرسته المستقلة المتفردة عن زملائه الفنانين الآخرين، جعلت له ملامحاً وإستقلالية تميزت بها تجربته الغنائية والموسيقية بتعامله وتعاطيه مع (التجديد والحداثة) بأدواته الفنية الخاصة وأسلوبه ونهجه المتميز في صياغة نتاجاته الإبداعية،وقد سبق وأن تحدثنا في مواضيع عديدة نشرت تباعاً بالصحف وأشرنا بالتفصيل إلى ما يميز كل تجربة من التجارب عن غيرها..
نحن اليوم نقف أمام (تجربة فنان شامل ملتزم في غاية الأهمية ) حمل على عاتقه مهمة تغيير أسلوب الغناء اليمني من الغناء (التطريبي) إلى أسلوب جديد عُرف بمسمى الغناء (التعبيري) ،فقد كان الغناء اليمني حينها يعتمد على قوة الصوت والأداء الذي يستند على السلطنة والتطريب وحرفية الصوت بزخرفاته وعُربه وحلياته أثناء الأداء وهو ما عُرف بالغناء التطريبي،أما الغناء التعبيري يختلف تماماً عن سابقه إختلافا جدرياً إذ أن الغناء التعبيري يعتمد على رقة الصوت ودقة التصوير والتعبير الذي يجسد المعاني بإحساس قوي مصحوباً بأداء هادئٍ عميقٍ راكزٍ للفنان دون تكلف أو إفتعال..
فإذا أستمعنا إلى الحان وأعمال الفنان الرائع محمد عبده زيدي سنجدها عبارة عن قصة وسيناريو غنائي موسيقي ( يُقرأ بالأذن ) يحمل دلالات نغمية درامية مكثفة، مما يضع (الفنان الزيدي) في مصاف الملحنين القلائل الذين يمنحون الكلمة والأغنية عموماً قدرات تعبيرية تصويرية درامية وإضافات موسيقية نغمية وإيقاعية ودلالات وروئ (إبداعية إستثنائية) تعكس النفس اللحني والمقامي والأبعاد الجمالية لهذا الفنان (العبقري) الذي يُعد ضمن قلة من الملحنين ليس على مستوى اليمن وحدها بل على المستوى العربي الذين ( تبنوا عنصر التصوير والسيناريو الدرامي في المضمون الجمالي للأثر الموسيقي) ،فوق أنه يجمع في تجربته والحانه بين عنصري (التعبيروالتطريب)، والحقيقة أن ما قدمه الراحل محمد عبده زيدي في الغناء اليمني من أغنيات خالدات أتسمت بالعمق والثراء والخصوبة والفرادة والتميز لم يكن معهوداً في سياق تاريخ الغناء اليمني المعاصر إلا بتجربة الأستاذ إسكندر ثابث الذي كان لها السبق والخوض بهذا الأسلوب الموسيقي الغنائي الدرامي الحديث والجديد مع وجود التمايز والخصوصية بين كل من التجربتين.
فالأستاذ محمد عبده زيدي نجد الحانه وموسيقاه تفصح بوضوح عن قدرتة الفائقة وحنكته في تجسيد إنفعالاته وأحاسيسه وخلجاته للتعبير عن مضامين ومعاني النص الغنائي الذي يتعاطاه فيضيف بصوته المتفرد (الهبة الإستثناء) والحانه أبعاداً جمالية وروحية تعطي للنص الغنائي إضافات جمالية زاخرة بالصور والدلالات والجمل الموسيقية الرائعة المتناغمة المتمازجة مع صوتة الدافىء الشجي العميق، فيأخدنا عند سماعنا لأعماله إلى عوالم وفضاءات إبداعية رحبة نطوف بها فنستمع ونشاهد ونتأمل في وقت واحد (لسيناريو موسيقي غنائي بصري) في غاية الروعة والجمال يعتمد على (منهاج القصة المكتوبة بأسلوب نغمي عالي التكنيك )،مع توافر عناصر الدراما التعبيرية التي تتجسد في (البداية / الحبكة / والنهاية )، وإذا أردنا التأكد من صحة ما أشرنا إليه آنفاً علينا العودة إلى أعمال الأستاذ محمد عبده زيدي التي لايمكن الفصل في أغانيه بين المذهب والكوبليهات وإلا حدث خلل في سياق اللحن والأغنية ذلك لأن بناءها المعماري الهندسي الموسيقي الغنائي الدرامي متماسك متسلسل كوحدة فنية مترابطة ،ومن هنا تأتي مصداقية الزيدي وعظمته في تصوير وترجمة معاناته مع الشعراء بكل إقتدار وحرفية و صدق وأمانة دون صنعة أو تكلف في كل حالاته الإبداعية التي قدمها في مشوار حياته الفني ،فبقيت وستظل تلك الاعمال الغنائية راسخة في الذاكرة والضمير والوجدان الرومانسي والعاطفي،بل ونستطيع القول أنها(وشمت في تاريخنا الغنائي اليمني الحديث والمعاصر) ونتذكر في هذا المقام على سبيل المثال لا الحصر أغانية الشهيرة ذائعة الصيت: السعادة / ورأسك / صابر/ غصب عني/ ياحبيب العمر/ أنت لي دايم/ الدودحية/ غزيرالسلى / فقدان/ بتذكره حبك/ ياقلبي كفاية / أحلف بحسنك/ تعال/ جميل الوجه والقامه / القناعة/ الوصية/ لاتتعب نفسك / أيام تمر وتدور / والله بلدنا نورت وغيرها.
رغم العطاء الفني والإنساني الذي قدمه (الزيدي) للوطن وفي أعلى درجاته وتجلياته عاشقاً ومناضلاً غيوراً وأستاذاً معلماً للأجيال،برغم كل ذلك لم ينل مايستحقه من الوفاء والرعاية إلى أن توفاه الله ..
شكل الفنان محمد عبده زيدي ( ثنائية ناجحة) مع الشاعر الجميل مصطفى خضر وقدما (تحفاً وروائع فنية) بالإضافة إلى تعامله مع شعراء آخرين، منهم الأساتذة الأدباء : أحمد الجابري / نزار قباني / لطفي جعفر أمان/ ناصر علوي الحميقاني/ أحمد الحماطي/ عبدالرحمن إبراهيم/ محمد عبدالله بامطرف / فريد بركات/ عبدالله عبد الكريم/ الأمير صالح مهدي العبدلي ..
تعامل الأستاذ محمد عبده زيدي مع المقامات الشرقية الأصيلة في أغنياته ووظفها بإستخدامات أبعادها النغمية بطريقة غير مسبوقة أبرزها المقامات التالية: الراست/ البيات/ الكرد / راحت الأرواح/ السيكا / والحجاز كاركورد، بالإضافة للمقامات الغربية كالماجير / والنهوند ..
كان الفنان محمد عبده زيدي يشغل منصب رئيس قسم الموسيقى في (إذاعة عدن)، إضافة لذلك عمل (مهندساً وضابطاً للصوت) وله بصمات موثقة في كثيرمن التسجيلات الغنائية والفنية التي قدمها لزملائه الفنانين..
قدم ودعم الأستاذ محمد عبده زيدي العديد من الأصوات التي تبناها في الساحة الفنية من المطربين والمطربات أهمها: صباح منصر/ رجاء باسودان / جمال داؤد/ عصام خليدي/ محمد خميس/ ياسين العلس / نجيب سعيد ثابت / كفى عراقي/ منى همشري/ إيمان إبراهيم ..وآخرين..
تأثر الفنان محمد عبده زيدي بالفنان الموسيقار أحمد قاسم في بداية حياته وكان عازفاً للكمان بفرقته التجديدية ثم أرسله (بن قاسم) بعد ذلك للقاهرة لدراسة هندسة الصوت على نفقته الخاصة..
عشق الفنان محمد عبده زيدي تجربة الفنان الكبير عبد الحليم حافظ ومدرسته الموسيقية الغنائية مع الملحنين العظماء: محمد الموجي/ كمال الطويل/ بليغ حمدي، التي تميزت بأسلوب الغناء التعبيري والأداء العميق والصادق وأتذكر أنه إبتدأ حياته كفنان بأغنية (قولي حاجة) التي غناها عبد الحليم حافظ وأشتهر بها كمطرب وقد نجح (الزيدي) أيضاً في هذه الأغنية و قدمها بحفل فني كبير شهد ولادته كمطرب منذ تلك اللحظة، قدم الأستاذ محمد عبده زيدي أعمال موضوعية هادفة ووطنية بأسلوب ومعالجة فنية جديدة وتناول موسيقي متطور وراق..
وثبات فنية متألقة:
ظل عطاء فناننا القدير محمد عبده زيدي متجدداً متدفقاً حتى آخر (رمق في حياته) وبقيت نتاجاته الإبداعية تنبض بالحيوية والحركة منذ بداياته الأولى وكذلك في أعماله الجديدة والحديثة التي قام بتسجيلها مؤخراً للإذاعة والتلفزيون ( العدني ) قبل رحيله ، من هذه الأعمال المتميزة أغنية : لا تتعب نفسك كلمات / لطفي جعفر أمان، وأغنية شكراً لخطابك الأخير كلمات / نزار قباني، بالإضافة لأغنية القناعة كلمات/ ناصر علوي الحميقاني ،وجدير بالإشارة أنه قام بتوثيق وتسجيل كل هذه الأعمال الرائعة في (إذاعة وتلفزيون عدن) رغم ظروفه الصحية الصعبة، كما أتذكر أنه أبدع في أغنية ( القناعة ) التي ُسجلت أيضاً في حفل فني وحفظت في ( مكتبة تلفزيون عدن ).. ولكن للأسف لم نعد نشاهد أعماله الثلاثة الأخيرة التي أشرت إليها آنفاً تُعرض وتبث في ( الفضائية العدنية..؟! ).. والحقيقة أن الزيدي رحمه الله (حقق ما عجز عنه الكثيرون) من الفنانين الأحياء الذين على قيد الحياة ولكنهم (ماتوا فنياً ) منذ زمن طويل ،فعند الإستماع إلى أعماله الأخيرة نجده في كل أغنية من الأغاني الثلاث التي ذكرناها يختلف شكلاً ومضموناً ببراعة وحنكة تؤكد قدرته الفائقة على الإستمرارية والتجدد بما يتواءم وينسجم مع آخر صيحات ومبتكرات الزمن الذي يعيشه وربما في أحيان كثيرة (يسبق عصره في التنبؤ) بما يمكن أن يحدث للأذن المستمعة والمتلقية لأعماله ونتاجاته المتألقة فظل الفنان المبدع محمد عبده زيدي عائشاً في وجداننا وأرواحنا وقلوبنا بأعماله وأغنياته الساحرة الأسرة الآخاذة رغم رحيله..
شكلت عطاءاته ونتاجاته (الغنائية الموسيقية الوطنية) نموذجاً مغايراً خرج به عن المألوف ولعل أبرزها على سبيل المثال: والله بلدنا نورت/ ياسلام ياتلال/ الوصية / ياشعبنا .. ياشعبنا (أفرح وغني يابطل .. يالله على درب الأمل)/ ياجميلة والظفائر.. والعديد من الأناشيد الوطنية التي حملت وتبنت قضايا وهموم وتطلعات شعبنا اليمني، وأتسمت غالبيتها بالعاطفة الجياشة المتدفقة بالمشاعر والأحاسيس المفعمة بمفاهيم الإنتماء والولاء والحب والعشق للوطن، إضافة لرشاقة وحيوية الإيقاعات والأرتام المصاحبة للجمل الموسيقية المتنوعة الباذخة في وطنياته البديعة..
والواقع أن من أهم أسباب حبي وعشقي وإحترامي (للزيدي) أنه رفض أن أكون (مقلداً) لمحمد عبده زيدي أو لغيره من الفنانين الأخرين وشجعني بالنصيحة والرأي السديد للإستقلال بشخصيتي (الفنية الجديدة) الأمر الذي جعله كبيراً في قلبي إسماً ومعنى لا ينفصلان على الإطلاق.
عرضت القناة الفضائية اليمنية بمناسبة الذكرى (16) لرحيل الفنان محمد عبده زيدي مجموعة من أغانية من ضمنها أغنية قدمها على (العود فقط) في ثمانينات القرن الماضي حملت أهم الألحان في زوامل (خيلت براقاً لمع) وذلك يؤكد ما ذكرناه سلفاً من وثبات وإلتقاطات فنية جادة وهامة للفنان العظيم محمد عبده زيدي..
عرفت الأستاذ القدير محمد عبده زيدي كتلة من المشاعر والأحاسيس معتز بنفسه وبفنه وقد كان بالنسبة لنا ولا يزال معلماً وأخاً كبيراً وصديقاً صدوقاً منذ عرفناه إلى أن توفاه الله..
كلمة لابد منها :
أن فقدان ورحيل المبدع الخلاق الزيدي بما يحمله من قيم جمالية إبداعية ووطنية عظيمة راقية يُعد خسارة فنية فادحة لايمكن تعويضها على الإطلاق ونحن بدورنا كمهتمين نُذكر ونلفت عناية الجهات المعنية بتاريخ وفاته 26/ ديسمبر/1993م مايقارب( 27 عاماً) مضت منذ أن فارقنا (الفنان الصادق والانسان) محمد عبده زيدي ولم تلتفت إليه القنوات والمؤسسات الرسمية ممثلة (بوزارة الثقافة) أو (إذاعة عدن) الذي أفنى جل عمره في خدمتها وتبوأ أعلى المناصب القيادية في عصرها الذهبي.. تصوروا لم يشفع تاريخه الحافل والمشرف الزاخر بالانجازات الوطنية والإنسانية..؟!
لم يشفع ذلك الرصيد الضخم(بتكريمه) بما يليق وينسجم ومكانته الإبداعية المرموقة في قلوبنا وحياتنا من خلال ماقدمه من بصمات وعطاء متميز وشم في ذاكرة الوطن الفنية، رغم أننا نسمع ونقرأ في الصحف عشرات المكرمين في ظل غياب المعايير والمقاييس ممن يجيدون نسج العلاقات العامة (الدراويش) أصحاب الوساطات بمختلف أشكالها وأنواعها، لقد سبق فناننا الزيدي الجميع (وكرمنا بفنه الراقي والأصيل)، أما مايحدث له وللمبدعين الحقيقيين أمثاله من تغييب وتهميش وجحود ونسيان فهو مؤشر يبين ويوضح مانحن عليه من سقوط شمل بطغيانه ومفاسده كل مفاصل المشهد الثقافي الإبداعي الراهن.
العناوين الجانبية:-
1. إذا أستمعنا الحان وأعمال الفنان الرائع محمد عبده زيدي سنجدها عبارة عن قصة وسيناريو غنائي موسيقي ( يُقرأ بالأذن ) يحمل دلالات نغمية درامية مكثفة
2. يُعد الفنان العبقري (الزيدي) ضمن قلة من الملحنين ليس على مستوى اليمن وحدها بل على المستوى العربي الذين ( تبنوا عنصر التصوير والسيناريو الدرامي في المضمون الجمالي للأثر الموسيقي)
3. تعامل الأستاذ محمد عبده زيدي مع المقامات الشرقية الأصيلة في أغنياته ووظفها بإستخدامات أبعادها النغمية بطريقة غير مسبوقه أبرزها المقامات التالية: الراست/ البيات/ الكرد / راحت الأرواح/ السيكا / والحجاز كاركورد، بالإضافة للمقامات الغربية كالماجير / والنهوند
4. يأخدنا عند سماعنا لأعماله إلى عوالم وفضاءات إبداعية رحبة نطوف بها فنستمع ونشاهد ونتأمل في وقت واحد (لسيناريو موسيقي غنائي بصري) يعتمد على (منهاج القصة المكتوبة بأسلوب نغمي عالي التكنيك )،مع توافر عناصر الدراما التعبيرية التي تتجسد في (البداية / الحبكة / والنهاية )
5. كان الفنان محمد عبده زيدي يشغل منصب رئيس قسم الموسيقى في (إذاعة عدن)، إضافة لذلك عمل (مهندساً وضابطاً للصوت) وله بصمات موثقة في كثير من التسجيلات الغنائية والفنية التي قدمها لزملائه الفنانين
6. رغم العطاء الفني والإنساني الذي قدمه (الزيدي) للوطن وفي أعلى درجاته وتجلياته عاشقاً ومناضلاً غيوراً وأستاذاً معلماً للأجيال،برغم كل ذلك لم ينل ما يستحقه من الوفاء والرعاية إلى أن توفاه الله ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.