المشهد الأول.. اسير في سوق مودية . انظر يمياً ويساراً .سرحت بي الذاكرة إلى الطفولة في سوق مودية كان السوق بسيطاً تملأه السعادة .حين كنت اسير فيه كنت أشعر أني اعرف كل الذي في السوق من بدايته عند مسجد الخير إلى الكهرباء (سجن مسمار سابق). وسط السوق مقهاية احمد ناصر . وصوت علي احمد الله يرحمه . وهو يغني بصوت عذب .. مجروح يا عالم و جرحي من اعز الناس. وبالقرب منه دكان العبد باعزب الله يرحمه . رمز الأمانة والصلاح . منذ عرفت عمري وانا اسمع العبد باعزب وهو يؤذن الأذان الأول فجرا . حتى توفاة الله . اما اليوم تغير كل شيء في السوق لم يبق على حاله غير مقهاية احمد ناصر بس المدير الآن عبدالكريم احمد بس ما يعرف يغني .بل وصوته . هههه ... وايضا الناس في السوق تغيرت وجوههم ولا أكاد اعرف منهم رغم الزحمة الشديدة إلا بعدد لأصابع . وانا في تأملاتي هذه يخترق سمعي صوت اعرفه .يا حضرة الوكيل تفضل معنا شاهي . ألتفت يساراً فإذا صديقي وزميل الطفولة جالسا ... كرر علي تفضل اشرب الشاهي ... المشهد الثاني ... مقهاية احمد ناصر .مبنى بسيط قديم الجدران كما هي لا يكاد تغير فيه شيء غير لون طلاء الجدران وهو أيضا قديم .الكراسي كما هي كراسي مشتركة طويلة من الخشب والطاولات من الحديد .. جلوس انا وزميلي وعدد من الزبائن قليل .. اقبل علينا عبدالكريم قائلا. اهلا بالوكيل. شاهي احمر او حليب . قال زميلي اثنين حليب . ونحن جلوس ونتجاذب أطراف الحديث .رأيت على زميلي ملامح عدم الرضا . والهم يعلو محياه... وقال لي اسمع يا وكيل .هناك سؤال محيرني . قلت له تفضل . قال ..إيش ذا الحاصل في البلاد .. نحن مش فاهمين حاجة .. خيبة أمل.. يا وكيل انت تعرف اني لا انتمي إلى أي ينظيم حزبي . انا مواطن بسيط . اشتي اعيش بأمن واستقرار . ما يهمني من هو الحاكم . زعطان او فلتان. بس نريد دولة . يا اخي ضبحنا من هذا الوضع لا نحن أحياء ولا اموات . لما كان الحوثي مسيطر عشنا أيام سوداء و تم طرد الحوثي قلنا الحمد لله انتهت الأيام السوداء .ولكن دخلنا في صراع جديد .وكل يوم حملة لطرد القاعدة واطقم تفحط في الطريق رايحة وجاية وكل يوم قايد جديد .وقتل واقتحام منازل وغياب للكرامة. صراع مرير لعدو وهمي .اغتيل هنا وتفجير هناك وهلم جرة . وما ان استقر الوضع قليلا .وبدأت علامات الدولة تحضر .وفرحنا وقلنا جاء الاستقرار . حتى ظهر المجلس الانتقالي .وصراع جديد ومشاكل جديدة .وهات لك يا صراع ومضاربة بين الشرعية والمجلس الانتقالي . وفي أغسطس الماضي تسقط الشرعية في عاصمتها عدن .ويسيطرالمجلس الانتقالي . قلنا يالله الآن الانتقالي سيؤسس لبناء أجهزة الدولة ويحل الأمن والاستقرار . وفجأة الانتقالي يسقط في شبوة . وتنأى حضرموت بنفسها عن الصراع. وينحسر الانتقالي في عدن ولحج والضالع وجزء من أبين. وتعود الشرعية من جديد . في توازن قوى يصعب معه الحسم من أي طرف .طبعا هذا جنوبا .اما في الشمال فهي حرب لاغالب ولا مغلوب . إيش الذي يحصل يا حضرة الوكيل نورنا. ثم أردف صديقي قائلا .خيبة أمل في الاستقرار وحضور الدولة . كل الأطراف ضعيفة ولا أمل في قدرتها على حسم الصرع .ولا أمل أيضا في الجلوس للحوار والوصول إلى سلام دائم ... يا وكيل نحن المواطنون تعبنا من هذه الحرب العبثية .التي سلمت فيها جميع أطراف الصراع ( شرعية . انتقالي . حوثي ) بوصلة الاتجاه فيها إلى قوى إقليمية ودولية من مصلحتها استمرار الحرب في اليمن . لان مصالح هذه القوى الإقليمية والدولية تكمن في يمن ضعيف ممزق منهك ... إلى متى سيستمر هذا الحال . وفرحنا باتفاق الرياض .قلنا على الأقل ينتهي الصراع في جزء من الوطن على أمل اذا توقف الصرع هنا ان نخطو في الطريق الصحيح لسلام دائم في كل اليمن . ولكن تبخر هذا الاتفاق قبل أن يجف الحبر الذي كتب به وها هو الوضع كما ترى .. لا أحياء ولا اموات . لا سلام ولا حرب ... استغفرك ربي إلى متى هذا الحال... ثم تأتي ثالثة الأثافي ويظهر وباء كورونا في العالم .ليزيد الطين بله ... يا حضرة الوكيل إيش تقول ... قلت لصديقي .. سؤالك هذا صعب جدا . انا جلست مع كثير من قيادات الدولة وكنت اسألهم نفس السؤال .ولم أجد جوابا ... قال صديقي فعلا لا جواب بل اني اشك في أن حدا من اليمنيين يستطيع أن يجد جوابا لما نحن فيه .. قال لي .اشرب الشاهي برد . انهيت الشاهي وانصرفت وانا أردد خيبة أمل... المشهد الثالث .. وإلا اقول لكم أنتم اكتبوا المشهد الثالث ...انا سيطرت علي خيبة الأمل ... يا رب اجعل لنا فرجا ومخرجا مما نحن فيه .واصرف عنا برحمتك هذا الوباء فلا طاقة لنا به . اللهم امين يارب العالمين