هيئات الانتقالي في المحافظات ترفض عبث البركاني ومجلسه المنتهي الصلاحية    الحشود تتوافد الى ساحات مسيرات (ثبات مع غزة وجهوزية واستنفار في مواجهة العدوان)    انتقالي زنجبار ينفذ نزولًا ميدانيًا إلى مستشفى المديرية للاطلاع على الخدمات الطبية    اختيار ذمار ضمن 5عواصم محافظات فيها معاهد مهنية تخصصية    اختتام فعاليات 4 مخيمات طبية بذمار    ترتيبات لإنشاء مكتبة رقمية للبردوني بذمار    الجنوب العربي أصل البشرية    افتتاح فرع لهيئة التفتيش القضائي في إب وتعز والضالع    احتجاجات شعبية في عدن تنديدا بتردي الأوضاع وانعدام الكهرباء    استقرار أسعار الذهب مستفيدة من قرار خفض الضرائب في الكونغرس    أسطورة وقائد الزمالك يعلن اعتزاله كرة القدم ويحدد وجهته القادمة    تحذير أممي من انهيار كارثي للريال في عدن    ريال مدريد يتفق على ضم مهاجم مغربي    لوجه الله.. استشعروا المسؤولية ودعوا الأنانية والحساسيات جانبا    تهديد إسرائيلي علني بالاعتداء على مصر بعد إيران!    أتعرفون لماذا نحن مهزومون؟    الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك "أحيا الصلاة" بعد إماتتها وقمع الطاغية الحجاج بن يوسف    معنويات السوق تدفع البيتكوين نحو 110000 دولار    الحظر اليمني يدفع الشركات مواصلة الغاء رحلاتها الى الكيان    الإمام الحسين وثورة كربلاء (1)    تطبيق "تليغرام" يحصل على ميزات جديدة    اكتشاف مذهل في الأهرامات.. نقوش هيروغليفية تُغيّر تاريخ مصر القديمة    وفاة اللاعب الفلسطيني مهند الليلي في قصف إسرائيلي    وفاة أسترالي نتيجة الإصابة بفيروس خفافيش نادر وغير قابل للعلاج    السقلدي يدعو لاعتصام جماهيري امام بوابة القصر الرئاسي بعدن    تغاريد حرة .. حقبة ملعونة بالغباء والجهل    زيارة لجنة البركاني لابين لفتح طريق ثرة هدفها تسهيل دخول الحوثي والقاعدة وداعش    مايجري في عدن ليس أزمة عابرة بل إنهيار ممنهج وعقوبة جماعية    ما هي "مهمة الرب" التي قال ترامب إنه مرسل لتنفيذها، وإنه لا يمكن لأحد إيقاف ما هو قادم؟    عفرا حريري ومها عوض نجمتان في سماء عدن    نادية الهمداني تناشد القضاء ومحافظ صنعاء ضبط متلاعبين بقضيتها    احتجاز الناشط سند العبسي في ظروف سيئة بصنعاء وشروع في ترحيله إلى تعز    مصافي عدن تكشف عن اعمال صيانة واعادة تشغيل وحدات حيوية ورفع القدرة التخزينية    الأمم المتحدة تعلن عن اتفاق طرفي الصراع في تعز لإدارة منظومات إمدادات المياه    صرخة في الفضاء الفارغ    عناقيد العطش… ومآذن الجوع في وطنٍ يُصلب كل يوم    لماذا امتنعت إيران ومحور المقاومة عن قصف مفاعل ديمونة في حين قصفت إسرائيل منشآت نووية إيرانية..؟    الضالع: وفد من منظمة "سيفيك" الدوليةيزور النقاط الأمنية المؤمّنة لطريق الضالع–صنعاء في منطقة مريس    بعد وفاة جوتا.. من هم الرياضيون الذين رحلوا بحوادث سير؟    فكري الحبيشي يسدل الستار على 18 عاماً من التألق: مهرجان اعتزال يكرّم أسطورة الهجوم اليمني    حكيم العرب "أكثم بن صيفي" يصف رسول الله وهو الرابعة عشر من عمره الشريف    عدن تغرق في الظلام والحر.. والحكومة تقر جلسة استثنائية "قادمة"!    الخسارات الضافرة    الرئيس الزُبيدي يُعزّي بوفاة الشيخ صالح عبدالله اليافعي    حمد الله تاسع مغربي يحمل الشعار الأزرق    بندر عدن.. ومآسي الزمن    - خلاف حاد بين الغرفة التجارية ووزارتي الاقتصاد والمالية في صنعاء اقرا السبب    إن لم يُنصَف الأكاديمي والمعلم اليوم، فأي جنوب سنبنيه غداً؟    ثنائية لونا تصعد بأمريكا لمواجهة المكسيك في نهائي الكأس الذهبية    "النمر" يكشف خطأ شائعًا: خفض الكوليسترول لا يقي من الجلطات والوفيات إلا باتباع طرق مثبتة طبيًا    "ملائكة السيدة ماريا" رواية جديدة ل"عبد الفتاح اسماعيل"    دراسة : ممارسة الرياضة تساهم في التغلب على مرحلة ما قبل السكرى    مونديال الاندية : ريال مدريد يتخطى يوفنتوس الايطالي بصعوبة ويتأهل للدور المقبل    الجوبة وماهلية ورحبة في مأرب تحيي ذكرى الهجرة النبوية    الكثيري يشيد بجهود وزارة الاوقاف والإرشاد في تنظيم موسم الحج ويؤكد أهمية ترشيد الخطاب الدعوي الديني    تصورات خاطئة عن الآيس كريم    استخراج 117 مسمارا من بطن مريض في لحج (صور)    شركة النفط والغاز تنظم فالية بذكرى الهجرة النبوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلية الحقوق ... مفارقات وهوامش !!
نشر في عدن الغد يوم 18 - 05 - 2020

التحقت بالدراسة في كلية الحقوق في الربع الأخير من العام 1985.. أغلب الملتحقين في الكلية قادمين من أرياف اليمن.. جلّنا فقراء ومعدمين.. الدولة توفر للمعوزين السكن والتغذية ومصاريف قليلة، فيما الذين لديهم سكن في عدن كانت الدولة توفر لهم المواصلات المجانية، أما التعليم فمجاني للجميع، ورسوم التسجيل السنوية رمزية جداً.. هذا لا يعني أن الدولة توفر كل المتطلبات، أو أنك لن تعاني من وطأة الظروف، ولكن يعني أن الدولة توفر لك الكثير لمساعدتك في أن تتعلم..
كل هذا وغيره مما كان متأتيا ومتوفرا في الأمس، صار اليوم للأسف الشديد في خبر كان.. إذا قارنا ما كان عليه الحال على صعيد التعليم بما صار إليه الواقع اليوم، سننتحب من الأسى ونختنق من النشيج.. الأميّة التي تلاشت وانتهت عادت لتجتاح نصف شعبنا وتتمدد بعجل نحو المزيد.. اليوم التسرب من التعليم على أوجه.. وهشاشة التعليم بالغة السوء.. فيما الغش صار هو القاعدة وعلى نطاق واسع.. وما بقي من المعايير العلمية التعليمية جاري تدميرها على قدم وساق، وبصورة تبدو ممنهجة وحثيثة.. أما فرص المعدمين والفقراء في التعليم فصارت محدودة ومحزنة، بل وأحيانا باتت أشبه بالمستحيل أو المعجزة..
شعوبنا صارت تهرول إلى الخلف، أمام مستقبل صيرته نخب اليوم معتما وشديد القتامة، وقد تمكن التافهون من الاستيلاء على كل شيء، وتم ضرب كل مكتسب ومنجز من الماضي في صميمه ومكينه.. عشت ظروف الأمس رغم صعوبتها إلا أنني تعلمت.. ولوكانت ظرفي في الأمس قائمة اليوم، فلن أتعلم أبدأ ليس الجامعة فقط، ولكن أيضا الثانوية والإعدادية.. لقد توحش واقع اليوم في وجه الفقراء على نحو فاق أكبر الاحتمالات سوءا..
كانت قيم الاشتراكية العلمية تستحوذ على عقولنا.. كنّا نعتز بفقرنا إلى حد بعيد.. كنّا ننظر بازدراء للطلبة الذين يملكون سيارات، ويأتون بها إلى الكلية، وهم عدد قليل وضئيل.. كنّا نتعالى عليهم بفقرنا، ونعتبرهم برجوازية صغيرة، وربما يرتاب بهم بعضنا ويعتبرهم خطراً محتملا على المستقبل، وعلى الفكر الصحيح.. ومع ذلك ورغم فقرنا وعوزنا تعلمنا، وولجنا المستقبل لبعض حين، غير أن اليوم الواقع غير الواقع، والحال في أسوئه، وما كان متاحا في الأمس، للأسف لم يعد متاحا اليوم، بما فيه التعليم.
الدراسة في كلية الحقوق كانت مختلفة عمّا عهدناه من قبل.. الدكتور يلقي علينا محاضرته شفاهه، وكان علينا أن نلاحق تدوين ما يقول، وفي أكثر الأحيان لا يعيد ما قال.. كانت يدي ثقيلة تتصبب عرقا، بسبب مشكلة في الغدد.. وأبدوا في هيئتي تلك، وأنا أهرع بعد كلمات الأستاذ أشبه براكض متعثرا بحذائه في سباق الضاحية..
كنت أغبط الطالبات لأنهن في هذا السباق جياد.. كانت بعض المفردات تفوتني أو تطير منّي فتضيع الجُمل وتشرد العبارات، ولا ألحق تدوينها، ثم أحاول التجاوز بفراغ أحيانا يطول سطر أو أكثر، ثم أعمد في وقت فراغي أو مذاكرتي إلى إعادة قراءة ما سبق، ووضع المقاربات المحتملة للكلمات أو الجمل التي شردت عنّا؛ فإن أستحال الأمر أو أُشكل علينا؛ فزميلاتنا لمثل هذا الفراغ رسم ومرجع.
كان الدكتور يسجِّل لنا عقب كل محاضرة مجموعة من المراجع، وعلينا قراءة كل ما فيه صلة بالموضوع، ثم في موعد “السمنار” كل يستعرض مفهوميته.. وكانت تتبع الكلية مكتبة وفيرة بالمراجع والكتب..
كل موضوع أو درس يمر علينا يستمر معنا حتى تكتمل دورته، حيث تبدأ بالمحاضرة، مرورا بقراءة المراجع ذات الصلة، ثم السمنار أو المناقشة، ثم الاختبار، ويتوج بالامتحان مسك للختام، وتكون النتيجة هي الخلاصة أو المحصِّلة.. كانت الجامعة في عدن بكلياتها المختلفة رغم ثقل الأيديولوجيا، إلا إنها تصنع معها وعيا وابداعا وفكرا وثقافة..
ظلت ترافقني في الجامعة رغبة القراءة بصوت عالي حتى بلغت حد الاستحواذ.. صار يتملكني طبعا ولا أستطيع الفكاك منه، ولا أكتفي بهذا، بل احتاج أيضا لبني آدم يستمع لحديثي عند المذاكرة، وزائد على هذا وذاك أحتاج من يناقشني ويسألني..
كان زملائي محمد قاسم أسعد من ردفان، وعبيد صالح وصالح القُمّلي من الشعيب، وعبدالاله مشهور من يافع، وقائد حسن حزام من المعلا، ومحمد ربيع عميران من "القلوعة"، آنس لهم وأستمتع بمجيئهم إلى البيت للمذاكرة، وأحيانا يملنّي أحدهم أو يتمرد، فاستعيض عنه بآخر، وعندما يقرفني الجميع وربما يضيقون بطبعي أو أنانيتي ويتمردون، ألوذ إلى خالتي "سعيدة" التي لا تقرأ ولا تكتب، وأعلن بها إنتصاري على من قرفني..
كانت خالتي تستمع لي وأنا أشرح لها دروسي، وأتحدث إليها وعمّا قاله ماركس ولينين وأنجلس وهي “الأمِّية” صبورة وطويلة البال.. كان النعاس يداهم عيون خالتي في كل حين، وهي جالسة تستمع لي، ومن أجل أن اجعلها يقضه أطلب منها أن تردد ما أقول مرة ومرتين وثلاث لتشتد وتندمج معي ومع ما أقرأ.. كنت أشعر أنني أتنازعها مع النعاس والنوم، وعلى نحو مرهق ومُلِح حتى صرت أجيد في فترة لاحقه إدارة الاشتباك مع النوم.. آه كم كانت خالتي هذه صبورة وطيبة وودودة..
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.