حينما وضع المختصون التربويون مناهج تعليم محو الأمية، هل تعرف الواضعون لها على فاعلية المنهج ومدى أثره على تعليم الكبار؟ نشك في ذلك! المطلع على تلك المناهج يجد أنها وضعت لمستوى المرحلة الإعدادية بينما متعلم محو الأمية محتاج لمعرفة قراءة ألف باء وتعلم النطق بها وبالكاد تركيب حروب هجاء الكلمة ومعرفتها من بين السطور.
في هذا المستوى والوقت نجد أن المنهج يضع مسائل رياضية معقدة على مستوى فهم الكبار، والدخول في طرق متعددة وعويصة لحل بعض المسائل الرياضية، وكذلك في مادة القراءة واللغة العربية.
على سبيل المثال، نجد في الصفحة رقم 121 من الكتاب المقرر للمستوى الثاني جدولاً رياضياً فيه بيانات مزارع لمدة ثلاث سنوات لمحاصيل زراعية متعددة، ومجموع كل سنة وتوابعها من جميع المحاصيل، فيطلب من المتعلم الكبير حسبة كم محصول المنتج من الصنف الواحد لكل سنة، ثم لكل ثلاث سنوات، ثم المجموع، ثم عمل مقارنة بأي المحاصيل اهتم المزارع، وأي المحاصيل تراجع الإنتاج فيه، وما سبب تراجع المنتج المتراجع وارتفاع المنتج المرتفع..إلى آخر هذه المسألة.. فبالله عليكم كيف لطالب لا يعرف أن يقرأ ويركب كلمة واحدة من حروفها على حل مثل هذه المسألة؟!
أما في اللغة العربية على الرغم من كثرة الأخطاء اللغوية في المنهج، نجد واضعي المنهج يضعون مسألة لغوية تصعب على طالب المرحة الثانوية، وأحياناً يخطئ فيها الطالب الجامعي ويراد لمتعلم المحو الأمية تعلمها وحل هذه المسألة وهي الفرق بين همزة القطع وهمزة الوصل، التي وردت في الكتاب المقرر نفسه كمنهج في الصفحة رقم 41، وغيرها من المسائل الكثيرة.
كنا نتمنى على واضعي هذا المنهج أن يجربوه على أقرب الناس إليهم من متعلمي محو الأمية إن وجدوا، ويحاولوا شرحه لهم وإفهامهم بعض هذه المسائل ليدرك على أرض الواقع العملي مدى ملاءمة المنهج للمتعلم الكبير، ومدى استجابة المتعلم ومستوى فهمه لهذا المنهج.
الأصل في هذا الجانب أن يكون مقرر الصفوف الأولى الأساسية هي ما يتم تعليمها للكبار؛ لأن مستوى التعليم واحد مع فارق السن، وفي التعليم يكون المستوى واحداً.
أما منهج الصفوف الأساسية الأولى وخاصة الصف الأول والثاني ففيه من الأخطاء اللغوية والمنهجية الشيء الكثير، ويراد للطالب حلها.
كنت أراجع الدروس لأبنائي وبعض الإشكالات ماثلة للعيان أمامي من تلك الأخطاء المنهجية التي استعصت عليّ أنا وقد مر على تخرجي من الجامعة خمسة عشر عاماً، فكيف بطالب الصف الأول والثاني أساسي!
ومن هذه المشاكل مثلاً للرياضيات تكررت علامات "أكبر من" وأصغر من" بشكل واحد؛ كأن يكتب علامة "أكبر من" باتجاه واحد يراد بها الجهتين (أكبر من) و(أصغر من)، فلا يستطيع الطالب بعدها أن يفرق بين العلامتين.
وفي مادة العلوم للصف الثالث الأساسي مثلاً: تورد وحدة دراسية كاملة ابتداءً من صفحة 31 وحتى 34، تذكر مراحل تطور النبات وطرق تكاثرها كأسئلة ورسم فقط، مع وجود مصطلحات متعددة لطرق التكاثر دون أن يتم التعريف بتلك المصطلحات ماذا تعني حتى يفهمها الطالب، ولا أي شرح آخر لا للصور ولا للفقرات وتطرح أسئلة على الطالب لحلها دون معرفة الشرح، فكيف سيفهم الطالب الدرس والحل معاً، خاصة إذا كان هناك معلماً أو معلمة لم يتطرق أصلاً للشرح ولا لإفهام الطلاب؟
الأخطاء كثيرة جداً وما أوردناه لم يكن سوى قطرة واحدة في بحر من الأخطاء للتمثيل فقط.
المطلوب مراجعة وتنقيح هذه المناهج، والنزول بها إلى مستوى المرحلة التي يكون فيها الطالب حتى يسلك الدرب الصحيح في التعليم دون تعرضه للعقد منذ أول لحظة، وكذلك استكمال الفائدة من وضع أية نصوص يراد غرسها في ذهن الطلبة.. فهل ستصل هذه الرسالة إلى المعنيين في وزارة التربية والتعليم؟