يبدو أن الأوضاع الداخلية في لبنان تزداد تأزماً يوماً بعد آخر، خصوصاً بعد تبني الحكومة اللبنانية للورقة أو الخطة الأمريكية والإسرائيلية لنزع سلاح حزب الله.. هذه الخطة التي تلقفتها الرئاسة والحكومة دون دراسة لعواقبها على أمن وسيادة ووحدة الجمهورية اللبنانية، واتخذت قراراً في ال 7 من أغسطس الجاري بحصر السلاح بيد الدولة، وتكليف الجيش بوضع خطة لإتمام ذلك خلال الشهر الحالي وتنفيذها قبل نهاية عام 2025م. هذا القرار اعتبرته العديد من القوى السياسية والحزبية اللبنانية، جزءاً من الإملاءات الخارجية الأمريكية التي تخدم بالدرجة الأولى العدو الصهيوني المستمر في خروقاته للهدنة المتفق عليها منذ 27 نوفمبر 2024م، وكذلك رفضه الانسحاب من خمس مناطق يحتلها في الجنوباللبناني. تقرير: عبدالحميد الحجازي ورفضاً لتلك المؤامرة الخبيثة، وفضحاً لتداعياتها على كافة المستويات، أتى خطاب أمين عام حزب الله اللبناني الشيخ نعيم قاسم، محذراً من تداعيات المضي في قرار نزع سلاح المقاومة الضامن الوحيد لتحرير كامل الأرضي وصون السيادة اللبنانية. حيث أكد الشيخ نعيم قاسم في خطاب إحياء ذكرى أربعينية الحسين بمدينة بعلبك، أن حزب الله لن يسلم سلاحه مع استمرار عدوان إسرائيل. واتهم الأمين العام لحزب الله الحكومة اللبنانية بخدمة المشروع الإسرائيلي بمضيها في قرار حصر السلاح، وتوعد بخوض ما وصفها "بمعركة كربلائية" لمواجهة القرار، وقال إنه "لن تكون هناك حياة في لبنان إذا حاولت الحكومة مواجهة الحزب". وأشار قاسم إلى انه "لا سيادة في لبنان إلا وهي مشفوعة بالمقاومة التي حررت خيار لبنان السيادي".. وتابع، أن قرار الحكومة تسهيل لقتل المقاومين وطردهم من أرضهم وتنفيذ لقرار أمريكي إسرائيلي . وأضاف، أن الحكومة تتحمل المسؤولية الكاملة عن أي انفجار داخلي وأي خراب للبنان، مبيناً أن حزب الله اتفق مع حركة أمل على تأجيل خيار النزول للشارع والتظاهر إفساحاً للمجال أمام الحوار والنقاش والتعديلات. وجاءت تصريحات الشيخ نعيم قاسم في وقت تشهد فيه الساحة اللبنانية توترًا سياسيًا وأمنيًا متصاعدًا، وسط مخاوف من انعكاسات القرار على الاستقرار الداخلي، في ظل استمرار التوتر على الحدود الجنوبية مع إسرائيل. خيانة للبنان وفي ذات السياق أكد السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي أن تبني الحكومة اللبنانية الورقة الأمريكية بشأن تجريد حزب الله عن سلاحه خيانة للبنان. وقال السيد القائد في كلمته الأسبوعية إن إعلان الحكومة اللبنانية خضوعها وتبنيها للورقة الأمريكية المتضمنة للإملاءات الإسرائيلية خيانة للبنان وتفريط بسيادته وإساءة إلى الشعب اللبناني، وهذه مسألة واضحة وعلنية. مؤكداً بان ذلك ليس قرارا لبنانيا وليس حراً ولا مسؤولاً ويجب النظر إليه دائماً على أنه قرار إسرائيلي أمريكي.. مشيرا إلى أن الورقة الأمريكية ليست في مصلحة لبنان وإنما هي خطر عليه وتهدف لإثارة الفتنة الداخلية وأن يتحول دور الحكومة اللبنانية كشرطي للإسرائيلي الذي يواصل كل انتهاكاته الجسيمة لاتفاقه مع الدولة اللبنانية دون أي اعتبار للضمناء الدوليين. وأوضح السيد القائد أن الخروقات الصهيونية في لبنان هي عدوان بكل ما تعنيه الكلمة وكان الشيء الطبيعي جدا والفطري في نطاق المسؤولية أن يكون جهد الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها هو السعي لإيقاف العدوان الإسرائيلي الذي يشكل خطرا على لبنان. وأشار قائد الثورة إلى أن العدو الإسرائيلي يريد تجريد لبنان من السلاح الوحيد الذي يحميه لأنه من الواضح لكل الناس أن الجيش اللبناني لن يحمي لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي.. مشدداً على انه من الخير للبنان أن تحظى المقاومة بالاحتضان الرسمي والشعبي لا أن تحارب من قوى ومكونات موالية للعدو الإسرائيلي. حدد الموقف أما الإعلامي خليل نصرالله فقال: "الشيخ قاسم حدد موقف حزب الله بلا تسليم للسلاح ومع بناء الدولة بمشاركة الجميع، وأي تبعات لقرارات الحكومة غير الشرعية تتحملها هي". وأضاف: "والواضح أن أمل والحزب، عطلا مشاريع صدام، أرادها من دفع باتجاه قراري الخامس والسابع من آب, حيث كان يراد أن ينسحب الثنائي من الحكومة، وحدوث رد فعل شعبي في الشارع، لكنهما بقيا في الحكومة، وتعاملا مع القرار كأنه لم يكن، ولم يقما بتنظيم احتجاجات شعبية.. ولا يعني ذلك إلغاء أي خطوة، لكن التوقيت له حساباته". الدولة لم تحم أهلنا من جانبه عضو كتلة الوفاء للمقاومة اللبنانية النائب رامي أبو حمدان، قال: "كل ما يجري من خلافات في لبنان وبين طوائفها سببه العدو الإسرائيلي والأمريكي". وأضاف في تصريح لقناة المسيرة: "الدولة اللبنانية لم تحم أهلنا في الجنوب من الاعتداءات الإسرائيلية على مدى الحكومات المتعاقبة، ولم يقف معنا أمام اعتداءات العدو الإسرائيلي إلا الجمهورية الإسلامية الإيرانية". وكشف عن وجود قرار أمريكي يمنع امتلاك الجيش اللبناني لأي سلاح قد يسهم في تهديد العدو الإسرائيلي.. وقال: "لدينا قناعة وتجربة بأن العدو الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة، وأن الإسرائيلي والأمريكي عندما يفشل في الميدان ينتقل إلى السياسة والدبلوماسية. وأكد حمدان أن مواجهة العدو الإسرائيلي الأخيرة مع حزب الله كانت قاسية جدا، وأن المعركة لم تكن معركة لبنان ضد الإسرائيلي بل كان حزب الله يواجه كل قوى العالم كما واجهها أهلنا في غزة. انتهاكات متواصلة ويواصل العدو الصهيوني اعتداءاته وانتهاكه لسيادة الدولة اللبنانية، خصوصا في البقاع من خلال تحليق الطائرات المسيرة المعادية لساعات في أجواء البلدات والقرى. وعلى الرغم من سريان وقف إطلاق النار في 27نوفمبر 2024م، لكن إسرائيل خرقته أكثر من 3آلاف مرة، مما أسفر عن 266قتيلاً و563جريحاً، وفق بيانات رسمية. هذا وكان العدو الصهيوني قد وسع في 23سبتمبر2024م نطاق حربها فشملت معظم مناطق لبنان بما فيها العاصمة بيروت- عبر غارات جوية، كما نفذت توغلاً برياً في جنوبلبنان. رعاية صهيونية برغم المخاطر التي ربما تدركها الحكومة اللبنانية بقرارها نزع سلاح المقاومة، فقد واصل كيان الاحتلال إعلان دعمه لهذا القرار، مع التشديد على فعل ما يلزم لإنجاح تطبيقه، وسط صمت لبناني رسمي حيال هذه الرعاية الصهيونية. الجيش مؤسسة وطنية الإعلامي حسين مرتضى وعبر قناة (nbn) قال: إن تصريحات الثنائي الوطني في لبنان حزب الله وحركة أمل كانت واضحة منذ البداية حول الموقف من ملف سلاح المقاومة وخطاب سماحة الشيخ نعيم قاسم كان خطاب ردع وخطاب واضح لمنع حدوث أي حرب داخلية في لبنان، مع أن هناك جهة خارجية لا تمانع حدوث أي اقتتال داخلي في لبنان. وأضاف:" لا يمكن السماح للتأثير على مؤسسة الجيش اللبناني فهي مؤسسة وطنية وشريفة، والجيش اللبناني يدعم المقاومة وهناك الكثير من الأمثلة منها معركة الجرود". وحذر مرتضى من أن الجيش اللبناني ليس حقل تجارب لدى رئيس الحكومة وداعميه، وأن القرار السياسي سابقاً ساهم في ذبح جنود الجيش اللبناني في عرسال ومن يتحمل تلك المسؤولية هي القيادة السياسية السابقة. واستطرد: " بعض المسؤولين في لبنان يراهنون على صدام بين الجيش اللبناني والمقاومة علما أن أبناء الجيش هم أبناء لبنان وكذلك المقاومة". وقال مرتضى: "من اتخذ القرار السياسي الأخير لم يدرس خياراته وهذا الملف معقد جداً وهناك من يريد إنهاء وجود الجيش اللبناني وهذه القرارات تؤثر على هيكلية الجيش". لن يمروا في حين قال عضو مجلس الشورى عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله حزام الأسد في تدوينة على منصة (إكس): "أرادوا تهيئة الأرضية لمشروع إسرائيل الكبرى بفزّاعات التمدد الإيراني والخطر الشيعي وسلاح المقاومة. وأضاف: "لكن لن يمروا، فالعروق ما زالت تنبض بالحرية، والنفوس تشتاق للتضحية والفداء في سبيل الله وتخليص أمتنا". لسنا أعزّ من غزة في ذات السياق أكّد نائب الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان، الشيخ عمر حيمور، أنّ الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني يخيّران لبنان بين أنْ تكون كغزة أو أنْ تأخذ مالًا وتصبح كازينو لبنان، لكنْ في المقابل يقولان للبنان: سنبقى مسيطرين عليك". وقال الشيخ حيمور: "في عقيدتي؛ لبنان ليس أعزّ من غزة عليَّ، وليس أعزّ من فلسطين عليَّ، وأرضي التي أملكها وورثتها عن أهلي ليست أعزّ من المسجد الأقصى عليَّ". وخاطب المعارضين لذلك بالقول: "لديّ ديني يحكمني بأكثر ممّا تتكلّمون، وعقيدتي وديني يقولان؛ إنّ المسجد الأقصى جزء من ديني، هذا هو ما عليه أنا كمسلم، وهذا هو القرآن. بعضهم لا يريد ذلك، فهذا شأنه. لكنّ لا يستطيع أنْ يفرض على الآخرين رأيه المُستمَد من الصهيونية العالمية". تداعيات القرار المتابعون لتصريحات رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، وتصريحات بعض القوى السياسية الأخرى، يؤكدون أن اليد الخارجية ضالعة وبقوة في قرار حصر السلاح، وكل التصريحات بعيدة عن واقع لبنان وما يواجهه من خطر العدوان الصهيوني أو ربما الاجتياح مستقبلاً كما حصل في العام 1982م إذا ضمنت إسرائيل نزع سلاح المقاومة وتفكيكها. وهنا فإن الإصرار على نزع سلاح المقاومة قد يؤدي إلى توترات سياسية وعسكرية في لبنان، خصوصاً وأن القوى الوطنية اللبنانية تعتبر نزع السلاح تهديدًا لأمن لبنان وسيادته، مما قد يؤدي إلى مواجهات مسلحة أو احتجاجات واسعة. في المقابل قد يؤدي ضعف الحكومة وإصرارها على نزع السلاح إلى فقدان ثقة جزء كبير من الشعب اللبناني بالحكومة، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرارها.. ناهيكم عن تأثيرات اقتصادية من شأنها إعاقة أي جهود لإصلاح الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان. كما أن الانقسام السياسي داخل لبنان حول قرار نزع السلاح من شأنه إعاقة أية جهود للمصالحة الوطنية اللبنانية، ومن المحتمل أيضاً أن للتوترات في الداخل اللبناني تأثيراتها السلبية على المنطقة ككل، خاصة إذا أدت إلى تدخلات خارجية. خلاصة القول وخلاصة للقول، يجب على الحكومة اللبنانية تدارك الأمور قبل أن تصل إلى نقطة اللاعودة، مع الأخذ في الاعتبار التداعيات المحتملة على أمن واستقرار لبنان في حال التمسك بقرار سحب سلاح المقاومة، وإجراء حوار شامل مع جميع الأطراف المعنية للوصول إلى حلول توافقية.