خطورة "العميل الجديد" في الأجزاء السابقة، تناولنا دور الجهاز الأمني في تفكيك شبكات التجسس وحماية البنية التحتية من الهجمات السيبرانية. اليوم، نفتح أخطر ملفات المواجهة؛ وهو ملف تجنيد الذمم عبر المال الأسود والغزو الثقافي الموجّه. لم يعد العميل هو الجاسوس الكلاسيكي الذي يتم تجنيده في الظلام عبر إغراءات معلوماتية، بل أصبح "العميل الجديد" هو الشخص الذي يبيع ذمته الوطنية ويسخّر قلمه، أو موقعه، أو تأثيره الاجتماعي، لخدمة أجندات خارجية تحت غطاء "مشاريع تنموية"، "حريات شخصية"، أو "دعم المجتمع المدني". أدوات الاختراق "الناعمة".. تعتمد الأجندة الصهيونية والغربية للتحكم في المنطقة - والتي فصّلناها في كتاب "الشرق الأوسط الجديد بأجندة صهيونية" - على ثلاثة محاور رئيسية لاختراق الوعي وتفكيك المجتمع من الداخل: * 1. شبكات المال المشبوه: يتم ضخ ملايين الدولارات عبر قنوات غير رسمية أو منظمات وهمية، بهدف شراء الولاءات، خاصة بين النخب القيادية، و الثقافية والإعلامية والشبابية. هذا المال، الذي يُطلق عليه "المال الأسود"، يُستخدم لتمويل حملات تشويه ممنهجة ضد القيادة الوطنية، أو لترويج أفكار هدّامة تتعارض مع الثوابت الوطنية والدينية. * 2. تدمير منظومة القِيم: يستهدف الغزو الثقافي، عبر وسائل الإعلام الحديثة والمنصات الرقمية، مفاهيم الأسرة، الروابط الاجتماعية، والمبادئ الدينية الراسخة. الهدف ليس مجرد "تغريب"، بل هو "تذويب الهوية"، لتصبح الأجيال الجديدة غير قادرة على التمييز بين الوطني والعميل، أو بين الحقيقة والشائعة. * 3. الإغراء ب "المناصب الوهمية": يتم خلق مناصب وعناوين براقة ضمن هياكل دولية أو منظمات إقليمية، تُعطى لشخصيات وطنية هشة، ليس لكفاءتها، بل لضمان تبعيتها وتنفيذها لسياسات تخريبية تبدو وكأنها صادرة من "خبرات محلية". يقظة "صياد الظلال" ضد التآمر المالي هنا يبرز دور "عين الوطن الساهرة"؛ فمعركتها لم تعد عسكرية أو معلوماتية بحتة، بل أصبحت معركة "تعقيم مالي" و"حماية قيمي". لقد تمكن الجهاز الأمني بفضل يقظته وتعاونه مع الجهات المختصة من: * كشف مصادر التمويل الأجنبي المشبوهة: وتحديد مسارات الأموال التي تُستخدم لشراء الذمم وتأجيج الفتن الطائفية أو المناطقية. * تعطيل مشاريع "الغزو الثقافي": من خلال الرصد الاستباقي للمحتوى المروّج وتوعية الجمهور بخطورة الأجندات المخفية وراء الشعارات الجذابة والتطبيع الثقافي. * تحديد "بائعي الذمم": الذين يعملون كأذرع محلية لهذه الأجندات، ويقومون بتبييض الأفكار المسمومة، وبالتالي تحييد خطرهم قبل أن يتمكنوا من إحداث شرخ عميق في الجسد الوطني. موجز العبرة: إن الذين يبيعون وطنهم بثمن بخس هم أخطر من العدو الظاهر. إن الوطن يحتاج إلى مناعة ذاتية ضد الإغراء بالمال والسلطة الوهمية، وإلى يقظة أمنية تلاحق "صيادي الذمم" كما تلاحق "صيادي المعلومات". نحو حصانة وطنية شاملة إن استكمال منظومة الأمن الوطني يتطلب منا جميعاً، كشعب وكقيادة، إدراك أن معركة "الشرق الأوسط الجديد" هي معركة وجود وليست مجرد معركة حدود. الحصانة تبدأ من: * تعزيز القِيَم الدينية والوطنية: كمصدّ طبيعي أو سد ضد الإغراءات. * الشفافية والنزاهة: في التعامل مع التمويل الخارجي للمنضمات والجهات وتحديد مصادره وأهدافه. * الشراكة المجتمعية: لتحديد كل من يحاول إفساد الذوق العام والضمير الوطني تحت أي شعار. فلنقف صفاً واحداً خلف "عين الوطن الساهرة"، مسلحين بالوعي والوطنية الصادقة، لنجعل أرضنا عصية على الاختراق ومجتمعنا منيعاً ضد التذويب.