عبدالله العلفي اعتقال قامات وطنية كبيرة بحجم الأستاذ الدكتور حمود العودي، عالم الاجتماع وقدوة الأجيال ورئيس التحالف المدني للسلم والمصالحة؛ والمهندس عبد الرحمن العلفي، أحد رواد العمل التعاوني وأمين عام التحالف المدني ورئيس مركز منارات؛ والأستاذ أنور شعب، سكرتير التحالف. واقتحام صرحهم الفكري "مركز دال للدراسات"، ليس مجرد خطأ إجرائي يمكن تجاوزه، بل هو جرحٌ قاس وغائر في خاصرة الحكمة والوطن. هؤلاء الثلاثة هم "ملح الأرض ونداء الضمير". لقد أضنوا سنين عمرهم في خدمة اليمن بكل نزاهة وإخلاص، ساعين منذ عام 2015 دون كلل لزراعة غصن السلام في تربة الحرب القاحلة. مساعيهم المعلنة والمباركة لا تعرف إلا اليمن غايتها، وهدفها إطفاء لهيب الصراع وفتح "شرايين الحوار الوطني". جهودهم لرأب الصدع لا يمكن أن تُدان، بل كان الواجب أن تُتوّج بأكاليل الشكر والعرفان لا أن تُهان. كيف يُزجّ بشيخين طاعنين في السن، الدكتور العودي والمهندس العلفي، وقد قارب عمرهما الثمانين، في السجن؟ هذا الفعل هو اختطاف للزمن واحتقار للشيب والحكمة، واستفزاز لكل قلب يمني يقدّر مقام الآباء وقدوة الأجيال. أما اقتحام "مركز دال"، بيت الفكر ومحضن الرأي والحوار، فهو إعلان غير مُشرّف عن "الرغبة في طمس القناديل" وإخماد صوت العقل. إنها رسالة مفزعة بأنّ سلطة صنعاء تتجه نحو تصحير المشهد الفكري وقمع المراكز البحثية المستقلة، الأمر الذي لا يليق بوطن يتطلع إلى مستقبل مشرق يحترم كرامة وحرية أبنائه. يا من تحملون مسؤولية صنعاء، لا تكونوا كمن يقطع الشجرة التي تظلله؛ حكماء كهؤلاء هم صمّام الأمان وكنوز الوطن الفكرية. وجودهم في السجن هو احتقار لكل ما تفتخر به اليمن من عراقة وسلام. صوت الحكماء ليس جريمة، بل بوصلة نحو المستقبل، وأي محاولة لإلباس تهم جاهزة لمن نذروا أنفسهم للسلام والمصالحة هو خطأ أكبر من كل الخطايا التي ارتكبت في اليمن على مر التاريخ. أطلقوا سراح حكماء شعبكم فوراً، وادعوهم إلى حوار على طاولة الحرية لا إلى زنازينكم المظلمة، واعتذروا لهم وكرموا مساعيهم. هذا هو الاستثمار الحقيقي في السلم وإشارة إلى حسن النوايا. دعوا العقول تضيء دروب اليمن بدلاً من غلق الأبواب عليها.