لم تعد تصريحات رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بشأن "إسرائيل الكبرى" مجرد استعراض للقوة، بل أصبحت تهديداً فعلياً وخرقاً صريحاً للقانون الدولي. إنها تمثل تحدياً سافراً للعالمين العربي والإسلامي، وتهديداً مباشراً للأمن والسلم الإقليمي. هذا المخطط التوسعي، الذي تمتد جذوره إلى الأبعاد الأيديولوجية للحركة الصهيونية ومفاهيمها التوراتية المتطرفة، يتجلى اليوم في خطوات عملية ملموسة. فقرار حكومته الفاشية بالموافقة على خطة الاستيطان في منطقة "إي1" والانتهاكات المتكررة لحرمة المقدسات الدينية، ما هي إلا مراحل متقدمة لتنفيذ سياسة التهجير التي بدأها الاحتلال منذ عام 1948. إن إعلان نتنياهو عن خطة تهجير سكان غزة لم يكن مجرد تصريح عابر، بل كان تأكيداً لقرار استراتيجي اتخذته حكومته اليمينية المتطرفة، المدعومة بشكل كامل من قبل الولاياتالمتحدة. لقد كان احتلال غزة ليس سوى الخطوة الأولى نحو تحقيق هدف التهجير القسري لسكانها إلى سيناء في مصر. وعلى الرغم من الموقف المصري المعلن برفض هذا المخطط، حتى لو أدى إلى مواجهة عسكرية، إلا أن التطورات اللاحقة أثارت الكثير من علامات الاستفهام. فقد أعقب هذا الرفض توقيع مصر صفقة اقتصادية ضخمة، مما دفع البعض للاعتقاد بأنها قد تكون محاولة لثني الكيان الصهيوني عن مخططه. ولكن الكيان ردّ بطريقته المعهودة، بعد أيام قليلة من الصفقة، أجرى مناورة عسكرية ضخمة على الحدود مع الأردن، تحاكي هجوماً على مصر. وهذا يثير التساؤل: هل نحن على وشك أن نشهد مناورة أخرى على الحدود المصرية، تمهيداً لتهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن؟ لقد كان صمود غزة ومقاومتها الباسلة هو العقبة الوحيدة والأهم التي تقف أمام هذا المخطط. هذا الصمود لم يقتصر على رفض التهجير، بل كان تحدياً وجودياً للمشروع الصهيوني برمته، حيث فاجأ العالم وأربك خطط الاحتلال. لقد أجبرت المقاومة الاحتلال على تكبد خسائر عسكرية واقتصادية وسياسية غير مسبوقة، مما دفعه إلى مراجعة بعض حساباته وأثر سلباً على خططه التوسعية. بعد أسبوع واحد فقط، يخرج نتنياهو ليعلن عبر وسائل الإعلام عن "إسرائيل الكبرى". إننا أمام مخطط معلن ومفصل للمنطقة، والمفارقة الحقيقية هي أن الأنظمة العربية، من مصر والأردن والسعودية إلى بقية الدول، تدرك تفاصيله جيداً. ومع ذلك، فإنها تغالط نفسها وتراهن على معجزة تعيق هذا المخطط، رغم أن الرهان الوحيد لعرقلته هو صمود غزة. ومع كل هذا، تتجلى مواقفهم وتحركاتهم في التآمر عليها بشكل سافر. إن الهدف النهائي من هذا المخطط ليس فقط توسيع نفوذ الاحتلال، بل هو تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، مما سيجعل أي حل سياسي في المستقبل مستحيلاً. إن نجاح مخطط التهجير سيؤدي إلى عدم استقرار إقليمي شامل، حيث سيخلق أزمات إنسانية وأمنية في دول الجوار. فهل بعد كل هذا، يبقى هناك شك في حقيقة المنظومة العربية وطريقة تفكيرها وعجزها عن مواجهة هذه التحديات المصيرية؟