(هناك من لا يحب ان يعرف دلالات الأعراض المرضية او تقلقه معرفتها وتسبب له وسواسا مزعجا. ان كنت من هؤلاء أنصحك بان لا تقرأ هذا المقال الذي هدفه تثقيفي وليس تشخيصي علما بأنني في هذا المقال القصير سأتناول الامراض الفروق بين الامراض التي يمكن تشخيصها سريريا وتلك التي لا بد من المعونة المخبرية. او التصورية لأدراك تشخيصها. هناك امراض لها اعراض محدده وعند التمعن في مجملها- ان اجتمعت في شخص كحزمه واحده - تشير –للطبيب- الى تشخيص بذاته ويكون وقتها التشخيص السريري سهل الوصول اليه ( وحتى مع ذلك يلجأ الطبيب في كثير من الاحيان لأثبات حدسه التشخيصي الى عمل فحوصات محدده).
دعنا نضرب بعض الأمثلة على ذلك ان اتى مريض يشكي من الم شديد ضاغط على وسط صدره ومتنقل الى كتفه واصابعه وفكه وزاد على ذلك بالقول بان هذه الاعراض تصيبه عند الجهد الجسدي وتنتهي بمجرد ان توقف عن ذلك الجهد لادرك الطبيب عندها ان التشخيص المحتمل جدا هو ذبحه صدريه وهذا صنف من اصناف " التشخيص السريري" لكون الاعراض كحزمه واحده قل ان تحصل في تشخيص غيره. واليكم صنف اخر من اصناف " التشخيص السريري ".
ان اتت امراه شاكيةً من دوار ينتابها كلما غسلوا لها شعرها في صالون الحلاقة في حوض الغسيل (في الوضع الذي تكون فيه رقبتها في تمدد مفرط ) واضافت في شرح ذلك الدوار انها تشعر وكأن العالم يدور من حولها او كان جسمها يدور حول نفسه واضافت بان الدوار يرافقه شعور بغثيان او قيء. ان قالت كل هذا فسيقدر الطبيب ان لديها قصور في ترويه الشريان الفقري القاعدي المسئول على الدورة الدموية لمؤخره المخ.
لو كانت الامور دائما بهذا الشكل – أي ان كل مرض يعرف تحديدا من اعراضه مع استثناء الامراض الاخرى كمسببه لتلك الاعراض- لكان التشخيص الطبي يسيرا الا ان في حقيقه الامر هناك كثير من الامراض التي ليست لها اعراض تنفرد بها ونقول على تلك بانها اعراض مرضيه "غير محدده" بمعنى ان كثير من الامراض تشترك بوجود هذه الاعراض فيها وعندها يعتمد الطبيب على الفحص السريري ومن ثم على الفحوصات المخبرية والتصويرية ( بالأشعة و الموجات فوق الصوتية والأشعة المقطعية وما شابه ذلك). للوصل الى تشخيص بذاته.
ومن الاعراض الغير محدده والكثيرة الحصول في امراض شتى هي الغثيان والقيء والارهاق وفقد الشهية . وشيء اخر يصعٌب قرائه مدلوليه الاعراض بوضوح ومن ثم الوصول الى تشخيص صائب-وذلك هو عدم قدره بعض المضي على الافصاح عن حقيقه وتفصيل اعراضه اما لأنه لا يرغب في ذلك واما لأنه لا يجيد اعطاء تاريخ مرضي بطريقه صحيحه ويسمي الاطباء هذا النوع من المرضى ب"المؤرخين الصعبين".
سأعطيكم الان مثلا عن مرض لا يمكن تشخيصه سريريا واريكم لماذا ذلك هو الفشل او القصور الكلوي المزمن. وهناك سببان لذلك اولا ان الاعراض المرافقة لهذا المرض لا تظهر او تصيب المريض الا في مراحل متقدمة منه تصل الى فشل في وظائفها لا يبقي منها الا 30%او حتى 15% من وضع الوظائف السليم. او بمعنى اخر قد يكون لدي الشخص فشل كلوي معتبر دون شعوره باي عرض واضح وانما يكُتشف الامر ان هو عمل فحوصا مخبرية لأسباب اخرى كأجراء روتيني الذي يسبق التدخل الجراحي او لاستصدار بوليصة تامين للحياة.
ثانيا-وهذا مهم- ان كل اعراض القصور الكلوي غير محددة بمعنى انها قد تحدث جراء امراض كثيره غير الفشل الكلوي. ومن اكثر هذه الاعراض شيوعا هي تلك المتعلقة بالجهاز الهضمي كالغثيان والقيء وفقد الشهية والتعب العام والارهاق السريع وكثير من هذه الاعراض تحصل في الكثير من الامراض ومنها- على سبيل التبيان وليس الحصر- النزلة المعوية , التأثير الجانبي لعلاج أُخذ, او حتى لأسباب نفسيه.
ولا يستطيع الطبيب ان يؤكد وجود قصور كلوي او يستثنيه ما لم يعمل فحص مخيري بسيط. وحتى ان وجد دلاله على وجود فشل كلوي فعليه بعدها ان يحدد هل هو حاد او مزمن فالتفريق بينهما امر ذو شان عظيم في العلاج وتخطيطه والتوقعات المستقبلية وفي مقالي القادم سأتحدث -ان شاء المولى-عن سبل الوقاية من المرض الكلوي المزمن