الرؤساء: البيض, ناصر, العطاس, ثلاثي جنوبي لمع بريقه في قمة الحكم, خلال مرحلة زمنية إمتدت بين ستينات وتسعينات القرن الماضي, يمكن تسميتها ب: مرحلة إستشعار البعد الإجتماعي والسياسي للشخصية الجنوبية المعاصرة التي خرجت في عشرية القرن الأولى, للشوارع إنتصاراً لكرامتها, ضد تسلط العسكر وتخلف القبيلة. الملفت: ما يكاد يخفت بريق ذلك المثلث, حتى ينوجد السبيل لإستعادة شيءٌ منه. إحدى تجليات تلك الإستعاده, ما أسماه الدكتور ياسين سعيد نعمان (التقاط المزاج العالي). ما من شك أن للشخصيات الثلاث حضور معنوي وسياسي في الشارع الجنوبي, كما لأخرين من قبيل الجفري عبدالرحمن وباعوم حسن وغيرهما, الا أن ما يميز أضلاع ذاك المثلث هو ما دفع الحراك الجنوبي في سنواته الأولى دعوتهم, بما بشبه الإجماع للكف عن الإعتكاف السياسي وعن الصمت الإعلامي والإنظمام الى ركب الحراك السلمي, المطالب بإستعادة الهوية الوطنية الجنوبية .. فالمؤكد إنه لولا الحضور المعنوي ما كان للدعوة إن تتم, وهذا ما يؤرق الكثيرين.
في دَفْرّ مقابلاته المسموعة والمقروءة يحاول الدكتور ياسين سعيد نعمان الخارج من مدرسة ذلك المثلث, يحاول صادقاً البحث عن وسيله لنتع الوحدة من عنق الزجاجة. ومن شدة تفاؤل الدكتور أنه ذهب الى توصيف الحراك ب "المزاج العالي" مع إدراكه أن صاحب المزاج هو المتقلب الذي لا يثبت له رأي (شمسي, قمري) ولا يستقر له مبدأ (يوم معك ويوم عليك), لا أظن الدكتور أراد التجديف في هكذا مساحة, أو التبيان: أن الشارع الجنوبي خَزَن قات (سُّوطي) فتعكر مزاجه فعلىَّ السقف ورفض الوحدة "هكذا من الباب للطاقة", فجاء أصحاب المشاريع التي دأب تسميتها "الصغيرة" ليلتقطوا (بَلغَمّ) المزاج تعزيزاً لمشروعهم, فاغر الفاه الذي دأب الإنتظارا تربصاً للإنقضاض على المشروع, أي أن الوحدة ضحية عجز النظام من جهة وإنتهازية التربص من الجهة الأخرى! بعد إن أفادنا الدكتور ياسين بإخطار المزاج الإنفصالي العالي في الجنوب, دعونا ننتقل الى الضفة الأخرى لإستبيان المزاج الوحدوي هناك .. ففي تصريح أخير تقول السيدة توكل كرمان: "لو كانت الثورة مجرد خيمة لكان القذافي اول وأكبر ثائر" (المزاج إعتلى) ودون العودة الى ما كانت قد دَبَّجَته السيده كرمان, من أحاديث عن أهمية المخيم الذي أوصلها للعالمية, وعن دور الخيمة كرمز للصمود والثبات الشعبي, وإنما العودة عام للوراء لإستكشاف حيثيات علو المزاج, ففي لقاء أستضافته الأكاديمية الملكية السويدية حول دور المرأة في المجتمعات النامية, ضم وزير الخارجية السويدي (كارل بيلدت) وثلاثي نوبل للسلام للعام 2011, (كرمان) والليبيريتان (سييرليف) و (غيوي) وآخرين, إحتفاءً بتسليم الجائزة مثالثة, وفي اللقاء الذي نقلته قنوات التلفزة السويدية, عبر الوزير عن قلقه من الإهدار المتنامي لحقوق المرأة في آسيا وافريقيا. المهم في الموضوع إن السيدة كرمان هدأت الوزير السويدي بالقول (أحب أن أطمئنك أنني سأرشح نفسي للرئاسة وسأعيد للمرأة كل حقوقها), أي أن العلو لل (المزاج رئاسي) كانت فيه نوبل بين منزلتي الخيمة والقصر.
من جانب آخر وفي خطوة لآفته, عاد العيش والملح الى المائدة المشتركة لقطبي حاشد صادق الأحمر وصغير عزيز, بعد إن وصلت دماء القبائل في الحصية الى ركبهما الأربع, عاد عيش المسيلة المخلوط بملح خورمكسر الى ملتقى قيادات القبلية في الصالة الرياضية بالعاصمة صنعاء, عشية إفتتاح مؤتمر الحوار في مارس الماضي (مزاج الوحدة بين ضفتي الحصبة, أزداد علواً بالمال القادم من وراء الحدود) أما دماء القبائل فقد تم توزيعه في(دِبب) شملان .. ينتابني مزاج السئوال عن علاقة القبيلة بالرياضة وهل أصبح (البَرَع) رياضة أم أنهم كانوا يحضرون ل(فورميلا القبيلة ون) في الصالة الرياضية المغلقة؟ .. من يدري ربما, فالقبيلة تطورت كما دَرَجَت بنا تأكيدات شيخ المشايخ!!!
على نفس الصعيد وفي مقابلة مع صحيفة المدينة السعودية في 30 مارس الماضي, إعترف الشيخ صادق بنهب الجنوب عندما قال "تشاركنا كلنا بما في ذلك القيادات الجنوبية فيما جرى في المحافظات الجنوبية". وعبر عن إستغرابه من الموقف الجنوبي الرافظ بالتسائل "لماذا طلعت (الرعنينة) اليوم؟.. وأردف قائلاً "الشعب اليمني بكامله مشارك في نهب الجنوب" هنا (المزاج في أعالي درجات النهب), والذي موش عاجبه فأنه يعاني من مضاعفات ال(رعنينة) .. فالشيخ من أجل يبرء نفسه, يتهم الشعب اليمني بالنهب .. إلاَ بالمناسبة .. ما هي (الرعنينة) يا شيخ صادق؟ .. إذ يتساءل كثيرون عن هذا الإصطلاح ال(مُرَعَنَنَّ) كان بالأمكان الإجابه, ولكن لا يفتى والشيخ في المدينة!
نعود لتعابير ومقاربات الدكتور ياسين التي (تخش النافوخ) كما يقول أخواننا المصريون, وإن كانت تعيدنا الى الطروحات التي كانت تَصّْدُر عن المرحوم (جار الله عمر) خلال الأشهر الممتدة بين نوفمبر 1989 ومايو 1990 بل وتتطابق معها, إذ نافح الرجل ليقنع البيض, فطارا معاً بالمشروع الى صنعاء بجناحين شمالي وجنوبي, وهناك تم تفخيخ الجناح الجنوبي ليسقطا فوق نقيل يسلح. فأنتقل الأول الى جوار ربه والثاني الى الضاحية الجنوبية..
اياً كانت التفاصيل فأكثر مايقلق المرء: إن يكون المصير هو ذاته لإن الكلام هو ذاته والناس هم ذاتهم, وإن كان شيء ما قد تغير فهو النفخة في الجيوب .. نقر معك يا دكتور بعدم وجود طباخ ماهر.. ولكن الطبخة الفاسدة ستأتي على ظهر طقم أو دبابه الى قاعة الحوار وسيتذوقها الجميع بملاعق أمريكية وصحون خليجية, وسيجد الأخوة المتحارون من أبناء الجنوب, الذي لا نطعن مطلقاً بشخوصهم ولا في إخلاصهم للقضية الجنوبية, سيجدون فقط الوقت الكافي لقول رأيهم في نسبة الملح وكمية البهارات!. هل هي أقل او أكثر من نسبة ال 10% المطلوبة؟
أما ما يروج عن قصة التسليم والأستلام, التي ترتبت عن حزمة القرارات الرئاسية الأخيرة. فالجميع يدرك أن العملية تتم في حدود المقار والملفات والأوراق فقط .. أما السلاح فمن الأصول الثابته التي لا تُسَّلم ولا تُسّْتَلم في عرف العُكَف والقبائل.. وأما التغيير فلا يتم الا لألوان البِزَّات من عسكري الى مدني .. وأما الولاء فلن يتحقق الاّ يوم البراء الأخير .. فالدلاءل تشير إن كل المقاربات داخل القاعة وخارجها مُزَحلِقَةٌ الى أتون الجهل والى غياهب الظلمات .. الله ينور عليك يا دكتور صالح علي باصرة...