يعتقد كثيرون أن الغيرة من علامات الحب بينما أؤكد بأنها من دلائل خواء القلب وفراغ الروح من أكسجين الثقة الواجب توافرها بين طرفين؛ الأمر الذي يستدعي هذا الشعور المسمى هزلًا ب"الغيرة". أعتبر الغيرة شعورٌ بدائي يقدسه الساذجون، ويدمنه إحدى اثنيين.. إما رجل يعاني عقدة نقصٍ؛ فيسعى لملء فراغها بالتسلط على أنثاه، وإما امرأة لم تكتمل مقومات أنوثتها بعد؛ فتخشى -بسبب تقصيرها- بحث شريكها عن مصدر عاطفي آخر. حتى اللفظة لغويًا لم ترقني..من أين اشتقت مثلًا؟!. غار يغار غيرةً غرغرةً غورًا غوغاء غغغغغ. لنغرق بعد البحث في كأس ماء!!. هنالك مثلٌ شعبي يقول:"بطن السارق تغرغر" ، وهذا ملاحظ بشدةٍ ووضوح. سأشرح الفكرة أكثر رغم معرفتي بأنها ستغضب بعضكم. ماألاحظه بأن الغيرة تكاد تختفي بين الأسوياء؛ فحياتهم مبنية على البساطة في التعامل، ورقيهم قائمٌ على أسسٍ من الطلاقة، والعفوية، والتلقائية، والأريحية، والحرية، والطبيعة البشرية الفطرية الأولى ..دون عُقدٍ أو قيود. بينما أجد المراقبين لشركائهم مهزوزين، قلقين، مضطربين، خائفين من لاشيء ، وبانتظار الخذلان في كل وقت. الغيرة شعور من الاستحواذ يجعلك تعتبر الحبيب جزءًا من ممتلكاتك لا شريكًا لها. والتملك ليس إلا إسقاطٌ لكبتٍ متراكم منذ الطفولة وهذا بعيد كل البعد عن الزواج والأبوة والأخوة بالمعنى الحقيقي لكل كلمة. أمقت الغيرة منذ الغارات التي قتلت منا آلاف اليمنيين ، ومنذ تعلمت الغرغرة بالماء الدافئ والملح؛ كعلاج شعبي لالتهاب اللوزتين؛ لأختنق بعدها !. أجل..اختنقتُ ثم اقتلبت معدتي رأسًا على عقب!!. كما أن تعاملك مع شريكك من هذا المنطلق غوغائي لاينسجم مع اعتزازك بنفسك، وتقديسك لأحقيته في بناء علاقات مريحة خاصة به؛ فيؤثر -بذلك- نفسيًا واجتماعيًا وعاطفيًا بشكل سلبي على الطرفين. حين تحب ارمِ-في سلة مهملاتك- كل المعتقدات البائدة التي تربيت عليها وغدت طبعًا أصيلًا ينكد عيشك، واهدِ لأحبتك أجنحة يرتفعون بها في سموات النجاح والتألق. كن محطة لانطلاقهم لتغدو الوجهة، ولاتسمح لنفسك أن تصبح مجرد "ترانزيت". دعوني أهمس لكم سرًا.. الرجل أو المرأة تخنقهم الأعين حين تقتفي آثارهم بينما تكبلهم الثقة من منطلق الشعور بالمسؤولية. لايحمينا من الأوحال كوننا معصومين عن الخطأ، بل لأن وراءنا من يثق بنا، ويحترم خياراتنا، ويرمينا في دنيا من المغريات وهو يغط في نومٍ عميق. إنه يكبلنا بالحب، ويقينا الشرور بتعويذة المودة، ويحمّلنا مسؤولية تصرفاتنا؛ ننجح، ونتقدم ونتألق ثم ندين له بما وصلنا إليه. لكل ماسبق.. أنا امرأةٌ لاتغار إلا على محارم الله، أثق في أغوار نفسي بأحبتي، وأتوقع الخذلان -مهما أحببتُ- كي لاأنكسر. بعد_فوات_البوح