في الذكرى ال 56 لانقلاب 22 يونيو.. فتح باب الاغتيالات لكبار المسئولين    الجنوب العربي.. دولة تتشكل من رماد الحرب وإرادة النصر    الغيثي: علي ناصر محمد عدو الجنوب الأول وجاسوس علي عفاش المخلص    ضبط مخزن للأدوية المهربة بمحافظة تعز    الفاسدون في الدولة وسياسات تخريب الطاقة الكهربائية السيادية؟!    ماذا اعد العرب بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية؟    نادي الصقر يُعيد تدشين موقعه الإلكتروني بعد 10 سنوات من التوقف    الحرارة فوق 40..عدن في ظلام دامس    ريال مدريد يقسو على باتشوكا    خام برنت يتجاوز 81 دولارا للبرميل    فصيلة دم تظهر لأول مرة وامرأة واحدة في العالم تحملها!    الصين.. العثور على مقابر مليئة بكنوز نادرة تحتفظ بأسرار عمرها 1800 عام    في بيان للقوات المسلحة اليمنية.. لا يمكن السكوت على أي هجوم وعدوان أمريكي مساند للعدو الإسرائيلي ضد إيران    كتاب قواعد الملازم.. وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن " بول دريش جامعة أكسفورد" (1)    الكاراز يعادل رقم نادال على الملاعب العشبية    في خطابه التعبوي المهم .. قائد الثورة : المعركة واحدة من قطاع غزة إلى إيران    ترامب "صانع السلام" يدخل الحرب على إيران رسمياً    دول المنطقة.. وثقافة الغطرسة..!!    الخارجية اليمنية: نقف مع سوريا في مواجهة الإرهاب    تفكيك أكثر من 1200 لغم وذخيرة حوثية خلال أسبوع    المنتخب الوطني تحت 23 عامًا يجري حصصه التدريبية في مأرب استعدادًا لتصفيات آسيا    بين عدن وصنعاء .. شهادة على مدينتين    اعلام اسرائيلي يتحدث عن الحاجة لوقف اطلاق النار والطاقة الذرية تحذر وأكثر من 20 ألف طلب مغادرة للاسرائيلين    إيران تنتصر    قطاع الأمن والشرطة بوزارة الداخلية يُحيي ذكرى يوم الولاية    رسائل ميدانية من جبهات البقع ونجران و الأجاشر .. المقاتلون يؤكدون: نجدد العهد والولاء لقيادتنا الثورية والعسكرية ولشعبنا اليمني الصامد    مرض الفشل الكلوي (9)    - رئيس الجمارك يطبق توجيهات وزارة الاقتصاد والمالية عل. تحسين التعرفة الجمركية احباط محاولةتهريب( ربع طن)ثوم خارجي لضرب الثوم البلدي اليمني    - ظاهرة غير مسبوقة: حجاج يمنيون يُثيرون استياء جيرانهم والمجتمع.. ما السبب؟*    تحذير أممي من تفاقم انعدام الأمن الغذائي في اليمن    انتشال جثة شاب مات غرقا بسد التشليل في ذمار    بنك الكريمي يوضح حول قرار مركزي صنعاء بايقاف التعامل معه    ذمار.. المداني والبخيتي يدشّنان حصاد القمح في مزرعة الأسرة    توقيف الفنانة شجون الهاجري بتهمة حيازة مخدرات    كشف أثري جديد بمصر    الفريق السامعي: إرادة الشعوب لا تُقصف بالطائرات والحرية لا تُقهر بالقنابل ومن قاوم لعقود سيسقط مشاريع الغطرسة    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الدكتور الأفندي بوفاة شقيقه    إشهار الإطار المرجعي والمهام الإعلامية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    "عدن التي أحببتُها" بلا نازحين.!    ريال أوفييدو يعود إلى «لاليغا» بعد 24 عاماً    من قلب نيويورك .. حاشد ومعركة البقاء    الحديدة و سحرة فرعون    خبراء :المشروبات الساخنة تعمل على تبريد الجسم في الحر الشديد    حادث مفجع يفسد احتفالات المولودية بلقب الدوري الجزائري    فلومينينسي ينهي رحلة أولسان المونديالية    من بينها فوردو.. ترامب يعلن قصف 3 مواقع نووية في إيران    أثار نزاعا قانونيّا.. ما سبب إطلاق لقب «محاربو السوكا» على ترينيداد؟    شوجي.. امرأة سحقتها السمعة بأثر رجعي    علاج للسكري يحقق نتائج واعدة لمرضى الصداع النصفي    روايات الاعلام الايراني والغربي للقصف الأمريكي للمنشآت النووية الايرانية وما جرى قبل الهجوم    استعدادات مكثفة لعام دراسي جديد في ظل قساوة الظروف    قصر شبام.. أهم مباني ومقر الحكم    فساد الاشراف الهندسي وغياب الرقابة الرسمية .. حفر صنعاء تبتلع السيارات    الاتحاد الأوروبي يقدّم منحة مالية لدعم خدمات الصحة الإنجابية في اليمن    على مركب الأبقار… حين يصبح البحر أرحم من اليابسة    من يومياتي في أمريكا .. بين مر وأمر منه    بين ملحمة "الرجل الحوت" وشذرات "من أول رائحة"    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترنيمة فارس
نشر في عدن الغد يوم 28 - 07 - 2020

حين كتب الزميل عوض أحمد العلقمي هذا العمل السردي الإبداعي الجذاب (ترنيمة فارس)، انطلق من تجربته الذاتية في الحياة، مستعينا بالسرد لتوثيق الأحداث والمشاهد اليومية التي عاصرها خلال خمسة عقود من الزمن. حين سألته عن هذا العمل الذي أنجزه هل ينتمي إلى الرواية أم إلى السيرة الذاتية؟ قال: " حين بدأت بكتابة تلك الحوادث والمشاهد التي مررت بها لم يكن حاضر بذهني انتمائها إلى نوع محدد من جنس السرد، وجدت نفسي أسرد تلك الوقائع اليومية بالطريقة التي ظهرت بها". مما يشي بأن الجميع يستعين بالسرد في التعبير عن أنفسهم وعن غيرهم دون استثناء، فالأمم ذاتها تتشكل من سرديات ومرويات. والحياة في أحداثها ومواقفها قائمة على السرد، وحين كان الملك شهريار في قصص (ألف ليلة وليلة) يقتل كل ليلة امرأة يتزوجها، قاومت المرأة الأخيرة (شهر زاد) القتل بالسرد، ونجحت في ذلك من خلال الحكايات التي سردتها على الملك، فوقع في حبها ونجت من القتل. وما حياة الإنسان إلا سلسلة طويلة من الأحداث هو بطلها الأوحد. يقول الناقد الفرنسي (رولان بارت) إنَّ ” السرد يوجد في كل الأزمنة وكل الأمكنة وفي كل المجتمعات. يبدأ السرد مع التاريخ أو مع الإنسانية، ولا يوجد شعب دون سرد؛ فلكل الطبقات، ولكل التجمعات الإنسانية سرداتها، ويسعى غالباً أناس من ثقافات مختلفة وحتى متعارضة لتذوق هذه السردات".
إذن في هذا العمل أراد الكاتب أن يكتب أحداثا واقعية لامسها بحياته، واختار أسلوب السرد الموضوعي بضمير(هو) الذي يحضر عادة عبر الراوي الذي يسرد الأحداث دون مشاركته فيها . فما الذي يمنع الكاتب بالتصريح أن عمله سيرة ذاتية دون التخفي خلف قناع الرواية؟ ربما تكون القيود الاجتماعية والسياسية والدينية، والعادات والتقاليد هي خلف تخفي الكاتب، فيلجأ إلى الرواية بما تحمله من الوقائع والخيال.
بدأت الأحداث منذ نهاية الحكم السلاطيني للمناطق الجنوبية، يقول" فقد كانت السلطنة تتعامل مع المناطق التي تحت حكمها عبر شيوخها وكان الشيخ عزيز يعمل على مساندة أخيه الشيخ في كل ما تقتضيه أمور المشيخة"، (ترنيمة فارس،ص8.)، وفي موضع آخر يقول" ولم تكن سلطة السلطنة في تلك الأثناء في حالة من الاستقرار، بل إن نفوذها أخذ يضعف في ظل تصاعد فوضى الثورة التي بدأت تعم هذه المنطقة البعيدة من العاصمة"، (المرجع نفسه،ص11). نلمس مما سبق التحديد الزمني الذي انطلق منه السارد والذي يصادف عام 1967م إذ شهد نهاية هذا العام الذي قيام جمهورية اليمن الجنوبية. ولكن السنوات التي تلت الاستقلال لم تشهد أحداثا كثيرة. ونلمس الحدث الحقيقي الذي انطلق منه السارد والذي غيَّر مجرى حياة (فارس) الشخصية المحورية في القصة من خلال قول السارد: " غير أن فارسا.. استشعر غرابة الأمر، فتوجس خيفة، من العسكر ومقصدهم، ولكنه لم يدرك أن أحداث هذا اليوم خطبها جليل سوف يغير مجرى حياته وحياة عائلته، وتاريخ هذا اليوم السابع عشر من إبريل من العام 1971م، سينقش في ذاكرته، ويحفظ في كتاب أزلي في أعماقه الدفينة"( المرجع نفسه، ص25). نفهم مما سبق أن الحدث الذي جرى في ذلك اليوم وما تبعه من أحداث متعاقبة ارتسمت في ذهن الصبي (فارس) وصارت بمثابة ترنيمة(أنشودة) يرددها صباح مساء، ولكنها أنشودة حزينة، إذ شهد هذا العام قيام مدير أمن المنطقة بتجهيز حملة عسكرية لقتل عمه عزيز، ثم قتل عمه الشيخ مجيد الذي أقتاده رجال الأمن من السجن وقتلوه في الطريق، ثم تفجير منازلهم، وتهجير ما تبقى من أفراد الأسرة( حامد أبو فارس، وهو الأخ الأصغر لمجيد وعزيز، والأطفال والنساء) بعد ذلك إلى المناطق الشمالية. من هنا جاءت التسمية لهذا العمل ( ترنيمة فارس).
من قرية (الفياح) مسقط رأس (فارس) تبدأ الأحداث في تسلسل زمني تصاعدي يمتد خمسة عقود من الزمن، إذ يبدأ السارد بنقل الأحداث عبر استهلال حكائي بديع يقول: " يطلُّ الهلال وهو ابن سبع ليال بضوء شاحب تكاد تنعدم الرؤية في ليله، ويطل على بلدة الفياح، وهي بلدة مترامية الأطراف، تحتضن الجبال والوديان والأراضي الزراعية، وتشكل بيوتها مجاميع سكانية صغيرة متناثرة، يتسلل الضوء على استحياء إلى البيوت من النوافذ، ومن بين سعف النخيل المنتشر في تلك البلدات، وتشيع ضبابيته على زروع الذرة الممتدة في كثير من القطع الزراعية، يجوب في أرجائها هواء لطيف لا يقوى على تحريك الأغصان، ولكنه أسلم الناس إلى النوم لاحتياجهم إليه في ليالي الصيف، سكنت البلدات بأشجارها وناسها ولما ينتصف الليل بعد"(المرجع نفسه، ص7).
تبدأ القصة بحدث صغير بين (عمر وجبير) إذ إن عمر من بني حنظلة يشق طريقه في مزرعة جبير من بني سلمة. جبير يحاول يردعه في المرة الأولى، ولكن عمر يكرر فعلته. يمسك جبير حجرا فيهش وجه عمر. ثم ينمو هذا الحدث ويتطور، فنشهد تدخلات قبيلة عمر من خلال الشيخ مجيد وأخيه عزيز ويصل الأمر للسلطات الأمنية ويرفض عزيز وصول الأمر للسلطات الأمنية التابعة للسلطنة بحجة أن الأمر بيد القبيلة، ثم يرفض تصالح عمر مع بني سلمة فيقوم بغارات على بني سلمة تستدعي تدخل السلطة الأمنية الجديدة لحكومة الثورة في المركز، فيقوم عزيز بقتل أحد ضباط الأمن الذي جاء ليصحبه إلى مركز الأمن، وعلى إثر ذلك يأخذ الحدث منحى آخر أكثر دموية، كما أشرنا سابقا. بعد التهجير يشهد فارس ابن العاشرة حياة جديدة في المناطق الشمالية مرارة العيش والقهر والحرمان والابتعاد عن المدرسة حلمه الأبدي، ولكن القدر يستجيب له فتستضيفه أسرة الحسني القاطنة في إحدى القرى القريبة من بلدة المنصورة التي يوجد بها مدرسة ابتدائية وهناك يكمل تعليمه الأولي بصحبة محمد الحسني لمدة أربع سنوات.
فارس ابن السادسة عشرة تضطره ظروف العيش والانتقام لأسرته أن يسافر إلى مملكة الدرعية ليلتحق بمعسكر المهرجرين، يمكث في ذلك المعسكر سنوات، ويعمل في فترة من فترات حياته في الدهان ثم يعود مرة ثانية للمعسكر ويتزوج، يتفتح ذهنه ويدرك الأحداث السياسية المحيطة به، ويقبل على مواصلة تعليمه، فيجتاز المرحلة الإعدادية والثانوية، ويلتحق بإحدى الجامعات في مصر، ومع تسارع الأحداث في بلاده، مثل قيام الوحدة عام 1990م وحرب 1994م كل تلك الأحداث لم تكن بعيدة عنه. يعود فارس إلى موطنه مشاركا في الأحداث السياسية، يعمل في التربية والتعليم ثم ينتقل للعمل في إحدى الكليات الريفية، ويتمكن من الاستمرار في الدراسة إلى أن يحصل على شهادة الدكتوراه.
العمل فريد يستحق القراءة والتأمل خصوصا أن بعض الأحداث تشكل جزء من الذاكرة الجمعية، كما سيلمس القارئ في شخصية فارس تلك الإرادة الصلبة. شخصية جابهت الظروف وسعت نحو تحقيق هدفها وسط تلك العواصف، فكان لها ما أرادت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.