قد يرى البعض في الحديث عن دور القبائل في تاريخ حضرموت، بأنه تسطيح لمفهوم السياسة الحديثة، ولكن المطلع على تأريخ حضرموت سيرى دون كثير من العناء، بأن للقبيلة الحضرمية دور في صناعة هذا التاريخ، وان هذه القبائل حاضرة وبقوة في الحركة السياسية على مدى التاريخ الحضرمي الحديث، وكانت تمارس كل متطلبات اللعبة السياسية في تلك الحقب، من تحالفات و تمردات، و ولاءات و معاهدات، وغيرها من التكتيكات المعروفة اليوم، وبلغت مستوى الاشتراك في السلطات ومواقع اتخاذ القرارات، حتى جائت حقبة النظام الشمولي بعد 1967، الذي اتخذ منذ البداية موقفا معاديا من القبائل، فجردها من مكانتها، وحجب دورها في صناعة القرار، عبر عدة اجراءات طائشة، تمثلت في قتل وتشريد شيوخ ووجهاء القبائل، وترويع واهانة من بقي منهم، دون النظر الى ان القبيلة مكون أساسي في النسيج الاجتماعي، كان بالامكان الاستفادة منها في بناء دولة يسودها العدل والمساواة، عبر التعامل بشكل متساو مع جميع الفئات الاجتماعية، وتسخير امكاناتها لصالح بناء مجتمع قوي ومتماسك. تلك أيام مضت، ولكن التاريخ لم ينقطع، فهي أيام وأحداث متصلة بعضها ببعض، فاليوم متصل بالأمس، وهو لا محالة موصول بالغد، في اطار معادلة "من لم يكن له ماض فهو بلا حاضر ولن يكون له مستقبل"، وكل الوقائع أثبتت ان القبيلة جزء أصيل من هذا المجتمع، وان دورها يبقى مطلوبا ومهما، الى جانب باقي الفئات المكونة للنسيج المجتمعي، لاسيما ان حقائق الامور تؤكد على ان حضرموت في أمس الحاجة الى وحدة نسيجها الاجتماعي. وبالمقابل مثلما كانت القبيلة في حضرموت مستهدفة في فترات قريبة ماضية، فهي اليوم مستهدفة أكثر من ذي قبل، فمن يستهدفون هذا المكون المجتمعي لايستهدفونه لذاته، انما هم يستهدفون من خلال ذلك كل حضرموت، لعلمهم بماتمثله القبيلة الحضرمية من دعامة لاستقرار المنطقة، والحفاط على السلام والأمان فيها، وهما شرطان أساسيان لأي نهوض في مختلف جوانب الحياة. فحضرموت حتى اليوم آمنة وأحوالها مستقرة، ومافيها الا تنابذ بالكلام ومخالفة بالرأي، ولكن خصومها لايريدون الأمر أن يبقى على هذا، انما يحاولون قدر ما استطاعوا الى أن يخلقوا الشقاق بين أهلها، ولا يريدون أن يبقى الأمر بين أهل حضرموت في حدود السجال في الآراء والأقوال، انما هم يسعون قدر ما استطاعوا الى تفكيك النسيج الاجتماعي، الذي سيؤدي بدوره الى خلق فتنة لن يتأذى منها الا حضرموت وأهلها. ان الشرفاء والمخلصين من أبناء حضرموت، يتوجسون اليوم من خطر داهم يتربص ببلادهم، خطر يدهمها من الداخل ومن الخارج، وكلاهما يهدفان الى فرقة الحضارمة وتشتيت شملهم، عبر خلق نزاعات وخلافات بين فئات المجتمع، وتركيزهم هذه المرة أكثر على شق القبائل وتفريق وحدتها، باعتبارها عنصر أساسي في النسيج المجتمعي، فها هو الخطر من الداخل ماثل الآن أمامنا، ويعمل بهمة ونشاط، وسخرت له كل الامكانيات، وللأسف ان أدواته حضرمية، دون ادراك منهم ان وقعت الفرقة في الداخل، أوجدت الخرق الذي ينفذ منه خطر الخارج، وعندها لن ينجوا أحد من الخسارة، والاكتواء بنيران الفتنة وهيمنة الاخرين على حضرموت، وهذا لن يسمح به أبناء حضرموت بمختلف فئاتهم. ومايجب التأكيد عليه في الختام، هو ان النسيج الاجتماعي في حضرموت، أقوى من كل محاولات شق الصف أو اثارة الفتنة، وان كل من يحاول أن يدخل بين الحضارمة بعضهم البعض، لن يجني الا الفشل والخسارة، وسنظل جميعا كمجتمع حضرمي وبمختلف فئاته القبلية والمدنية، على قلب رجل واحد، وسيقف الجميع في بالمرصاد لكل من يحاول الاضرار بوحدة صف مجتمعنا او سلمنا واستقرارنا الاجتماعي.