سنوات خمس، تكون قد انقضت منذ اغتيال الشيخ، عبدالرحمن العدني. أتبعته موجه اغتيالات واسعة ومتسلسة. استهدفت ما يقرب من حوالي، ينقص قليلاً أو يزيد، 20 شيخ وداعية، في عدن. وفقاً لذات الطريقة الغادرة، والأسلوب المنظم نفسه. في أغلب جرائم هذه الاغتيالات، كانت الجهات الأمنية التي تحكم عدن، سريعاً ما تصدر بيانات، تعلن من خلالها القبض على القتلة. حتى لحظة تحرير المنشور، قاتل واحد لم يقدم إلى المحكمة. على ذات المنوال الإجرامي واصل القتلة المجهولون، توزيع الموت في حافات المدينة وأزقتها. الحافات المكتنزة بأهم فئات المجتمع. هناك حيث يسكن نخبة المدينة وكوادرها. مشائخ، دعاة، شباب مثقف، مدراء مدارس، والخ.. بدا الأمر أشبه بعملية عصيد وافرة. ينصب القتلة شباكهم في الليل، ثم يعودون ظهراً محملين بالطرائد السمينة، والدماء. غير أنه وعلى نحو مفاجى جداً، تغيرت تكتيكات القتلة، طبعاً ليس ع مستوى الدرجة والأسلوب؛ إذ لم يغيروا من طريقتهم الوحشية. بل كان التغيير في النوع. تغير نوع الضحية المستهدفة، وأصبح أبناء المؤسسة العسكرية هم المستهدف التالي. دشن القتلة مشروعهم المبلل بالدماء والقهر، بقتل الجهوري. ثم الحقوا به العقيد قماطة، كانت جريمة قتل مهولة جداً، باعثة على الحزن والغضب. وفي ظروف غامضة، حظي القتلة بروؤس عسكريين كبار في الدولة. لم يكونوا يحلموا بهذه الحظوة قط. طائرة مسيرة من مستوى رديء، تقصف حفلا عسكرياً في قاعدة العند، لتقتل اللواء محمد صالح طماح قائد الاستخبارات العامة، واللواء الزنداني نائب رئيس هيئة الأركان العامة. أعلن الحوثيون مسؤليتهم عن الحادث، غير أن الوقائع على الأرض، ترفض التسليم بهذا إطلاقاً. جاء هذا الإعلان الحوثي ليخلط الأوراق من جهة، ومن أخرى أرادوا أن يظهروا للعالم مدى مقدرتهم مقاومة الحرب التي تشن عليهم من قبل تحالف عربي كبير، ليس بالدفاع فقط، بل بالمبادرة بالهجوم أيضاً.. ونحن بصدد انتظار التحقيقات النهائية ومعرفة حثيثيات الحادث الغامض، والتي كانت من المقرر أن تخرج بها اللجنة المشكلة. باغت القتلة سكان المدينة، بصدمة مدمرة لم يكن يحسب لها الناس حساب. طائرة مسيرة، تقصف حفلا في معسكر الجلاء، فتقتل قائد لواء الدعم والاسناد أبو اليمامة، ومجموعة كبيرة من العسكريين المحتفليين. دوى الخبر كالصاعقة، وظل يتردد كعنوان رئيس، في أغلب الوسائل المحلية والإقليمية والعالمية. وكما التجارب السابقة ابتداءاً، بالجهوري وقماطة ثم طماح والزنداني، أتى الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق في الحادث. ومع أن المسألة بدت سخيفة ومسلية. تمنينا لو أن سيكتب لها حظاً ما من النجاح. كنا نريد أن تكون استثناءاً، وتخلق نماذجاً فريداً. إلا أنها اختارات هي أن تموت أيضاً، ففضلت الاختفاء في الأدراج المغلقة، كما فعلن صاحباتها من قبل. تحقيق واحد لم يكتب له الحياة، ماتوا جميعهم في المهد. أي من هذه اللجان الأربع، لم تخرج للعلن بتحقيق واحد. بينما يواصل القتلة مهمتهم الآثمة، أُتخم الشعب بلجان التحقيق، وبكثير من التصريحات النارية. وأنا أنظر لهذه الصورة قيادات من الانتقالي تكرم أسرة الشهيد نبيل القطعي. تذكرت هذه المسيرة الدامية، والوعود التي كانت تأتي من كل الجهات، كالريح. وريثما نلبث فنجدها سراباً: تسألت عن مصير قتلة نبيل، والذين أعلنوا القبض عليهم. فرحت أبتلع السراب، واتمتم: كلوا سراب أيها الناس، اشبعوا وعود أيها المساكين. من هنا، مر القتلة المجهولين.