"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد : الحلقة ( الرابعة عشر ) متابعة وترتيب / الخضر عبدالله : تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية وموقعها اللالكتروني بنشر أبرز وأهم المذكرات االتي سبق ل" عدن الغد " أن قامت بنشر ها ( ذاكرة وطن - والطريق إلى عدن - القطار .. رحلة إلى الغرب- وعدن التاريخ والحضارة ) للرئيس علي ناصر محمد . وفي هذه المرة ستقوم " عدن الغد " بنشر مذكرات جديدة من حياته ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990 ) . وتعد هذه المذكرات الجزء الخامس من محطات وتاريخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية . حيث يذكر لنا في مذكراته عن وقائع وأحداث وتغيرات المت بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م ) حيث يقول الرئيس ناصر :" لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات نسردها في أثناء السطور وإليكم ما جاء فيها .. ما سبب الفوضى في لحج ؟ وحول تخريب الإدارة في محافظة وتجاوز الحرب الأهلية ومحاولات الاغتيالات والتفجيرات كيف استطاع إسكاتها بالحوار الهادف هذه الأمور هي محور حلقتنا لهذا العدد فنترك المجال لسيادة الرئيس علي ناصر يروي لنا تفاصيلها حيث قال مستهلاً :" كان تطوير الإدارة وتنظيمها في المحافظة مهمة ملحّة وماثلة أمامي، لكن الأهم من ذلك في اللحظة الآنية تجاوز آثار الحرب الأهلية واستعادة الوحدة الوطنية. ولم يكن من سبيل إلى ذلك سوى الحوار الصادق والجاد بعيداً عن المُناورة والكذب. لم ترهبني الانفجارات وأصوات القنابل والمدافع التي كانت تدوّي في تلك الأيام في لحج، ولا محاولات الاغتيالات، لكنني استطعت إسكاتها بالحوار وحده، وبمزيد من الحوار الهادف، حتى هدأت العاصمة لتبدأ بعد ذلك جولة أخرى في ردفان والصبيحة، وما سُمِّي حينها "أحداث الوحدة الوطنية في لحج وفي أرض العوالق". ويضيف :" منذ البداية أدركتُ أنّ المهمة التي تواجهني لا تقلّ صعوبة عن سابقاتها في الجزر. فمحافظة لحج تعيش الآثار السياسية المريرة لمرحلة الحرب الأهلية، وكانت ساحة للمعارك والتصفيات بين مقاتلي كل من الجبهة القومية وجبهة التحرير، فضلاً عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتوارثة عن عهود السلاطين والاحتلال البريطاني. وحول تسليم مهام عمله كمحافظ للحج يقول :" في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 1967م تسلمتُ مهمات عملي الجديد، فدعوتُ على الفور إلى اجتماع للمسؤولين العسكريين والمدنيين لمختلف المناطق والأقسام الإدارية، اجتمعتُ بهم في "غرفة العمليات" التابعة لوزارة الدفاع في المحافظة، وذلك لاستطلاع آرائهم بشأن أبرز المشاكل وأفضل طرق معالجتها. وقد ساعدني هذا الاجتماع في الاطلاع على حقائق كثيرة، والإحاطة بخريطة حدود المنطقة وتداخلاتها القبلية، على خلفية ما أحمله من معلومات منذ فترة التدريس في السلطنة قبل سنوات عدة. مشاكل واجهتها كانت لهذه الأسباب ؟ وعن المشاكل الأولى التي واجهته يستدرك بالحديث :" أنّ المشكلة الأولى التي اصطدمتُ بها في تجربة بناء الجمهورية بعد التحرير، هي انعدام الخبرة الإدارية، وانعدام التصور العملي لإدارة شؤون الدولة. وهذا ما لاحظه بصدق "هيلين لاكنر" الذي كتب عن تشابه التجربتين في كل من كوباواليمن الجنوبي بقوله: "إنّ قصر فترات الكفاح المسلح في كوباواليمن الجنوبية، لم يساعدهما على خلق أطر بشرية مجرّبة، بسبب انعدام وجود مناطق محررة بشكل كامل تتمرس فيها الأطر من أجل الإعداد للمرحلة المقبلة. كذلك إنّ الحدّ الزمني منع المنظمات من تعيين سياسات ما بعد التحرر. أما في فيتنام، فقد توافرت الشروط المناسبة" ويتابع في الكلام :" كان كل ما لدينا من معارف وخبرات هو ما حصلنا عليه في حقل التعليم، فضلاً عمّا حصلنا عليه في مجالات العمل السياسي والعسكري والتنظيم الحزبي والعمل وسط الجماهير الشعبية، وقد أثبتت تجربة إسقاط المناطق الريفية وتحريرها وإقامة حكم الجبهة القومية لمرحلة قصيرة أنّ تلك الحصيلة والخبرات ليست كافية عندما يتعلق الأمر بأسس بناء الدولة وتسيير الجوانب الإدارية، حيث سادت الاجتهادات والافتراضات النظرية الخاطئة، ما زاد في صعوبات التجربة عموماً. بالإضافة إلى التنظيرات الخاطئة والأطروحات القادمة من بيروت بتدمير الدولة القديمة وبناء جهاز إداري جديد. كيف كان التعامل مع القضايا المعقدة بلحج ؟ وحول التعامل للقضايا المعقدة في إدارة محافظة لحج والقضاء عليها يردف قائلاً :" المحافظة الثانية، وعاصمتها الحوطة، وريثة عدد من السلطنات والإمارات والمشيخات، كما ذكرت، وكان هذا الواقع، تحديداً، مشكلة المحافظة التي كان عليها أن تصهر مجمل مكوّنات هذه الكيانات في وحدة إدارية ووطنية منسجمة في حدّ ذاتها ومتآلفة مع أطراف الجمهورية الأخرى، في وقت ما زالت تأثيرات الحرب الأهلية ماثلة فيه، بوجود نفوذ مميّز لجبهة التحرير، سواء في مدينة لحج ومدينة صبر أو غيرهما. كان المطلوب، كما تبادر إلى ذهني، اعتماد أساليب واقعية ومرنة في التعامل مع رموز جبهة التحرير وبقايا عناصرها، وكذلك في التعامل مع القضايا والعقد الملحّة. وعلى الصعيد الشخصي، وطّنت نفسي على الصبر وتجنّب ردود الفعل والارتجال قدر ما أمكنني ذلك، مستعيناً بما لديّ من خبرة في معرفة أمزجة مواطني المنطقة خلال فترة التدريس والقيادة الحزبية سابقاً، فوضعتُ لنفسي تصوراً يستبعد اللجوء إلى العنف أو التهديد أو القسوة، التي تنقلب لا محال إلى نقيض أهدافها، بل تخلق جواً من التحدي يلحق الضرر بالثورة إلا إذا تطلب الأمر ذلك. أعمال التخريب لمؤوسسات الدولة بلحج ما قصتها ؟ وعن الأعمال التخريبية التي شهدتها لحج يسترسل ويقول :" إنّ أعمال التفجير والنسف ومحاولات الاغتيال وتخريب المؤسسات كانت الاختبار الأول للمبادئ التي وضعتها بمواجهة المشاكل، فاكتشفتُ على الفور أنّ بعض تلك الأعمال كانت ردّ فعل على الأخطاء والتصرفات غير المسؤولة لبعض القيادات والأجهزة السياسية في الجبهة القومية، وهذا ما جعلني أتشبّث بفكرة استبعاد استخدام القوة في معالجة أعمال التخريب والعرقلة، وبتعبير آخر، استبعاد آثار نشوة انتصار الثورة. وهي النشوة التي قلّما يمكن التحكم بها، وسأجدني أحذّر منها غيري في مرحلة مقبلة، وتحديداً بعد حرب 1994م التي وقع المنتصر فيها تحت تأثير هذه النشوة، وترك الحبل على الغارب، إلى أن عبّر الاحتقان عن نفسه بالحراك الجنوبي بعد عقد ونصف. رمي منزلي بلحج بقنبلة يدوية من خلفها ؟ وعن رمي قنبلة يدوية بمنزله بلحج يسترسل في الحديث :" أتذكر أنّ مجموعة من عناصر جبهة التحرير أقدمت على إلقاء قنبلة يدوية على منزلي وبعض الأماكن الأخرى في "الحوطة"، وصادف أن كنتُ في عدن التي تبعد عنها الحوطة نحو 24 ميلاً. وحين عدتُ إلى المحافظة، وجدتُ أنّ سلطات الأمن والحرس الشعبي قامت بحملة اعتقالات واسعة، وزجّت بأعداد كبيرة من أنصار جبهة التحرير وعناصرها في المعتقل (وصل عددهم إلى 150 شخصاً)، وتعرضوا للإهانة والتعسّف. انتقلتُ إلى السجن، وهناك تحدثتُ مع المعتقلين، وشرحتُ لهم صورة الوضع وعزم الثورة على مواصلة ترسيخ سلطتها وتحقيق أهداف الشعب والنظرة المتساوية للجميع، ما يضع على عاتق أبناء المحافظة مسؤولية العمل المشترك للبناء والوحدة والإخلاص للتربة الوطنية الطيبة، وضمان الأمن وعدم ترويع السكان. وقلتُ لهم إنّ الوطن للجميع، وحمايته مسؤولية الجميع، وأعمال العنف والانتقام لن تؤدي إلّا إلى المزيد من سفك الدماء، وإلى العنف والعنف المضاد، ولن تفيد سوى أعداء الشعب والوطن. نجحتُ بعد هذا الحديث في إثارة نقاش وحوار مع المتهمين استغرق حتى مطلع الفجر، وأضاف لي الكثير من المعلومات والتقديرات الجديدة لما هو أجدى وأنفع للمحافظة. ونجحتُ أيضاً في إقناع كثير منهم بتسليم الأسلحة التي زودتهم بها جبهة التحرير، فسلّموها على الفور، فأُطلق سراحهم. وصباح ذلك اليوم توجهوا إلى أعمالهم، وقلتُ لهم إنه يجب علينا أن نبدأ عهد التصالح والتسامح وبناء الوطن الذي ناضلنا من أجله جميعاً. ( للحديث بقية ).