ما أغنانا نحن في الجنوب عن أن نخوض في مشاكل الشمال أو أي مدينة من مدنه التي تعصف بها الصراعات ، لاسيما أننا في وضع يتطلب أن نصب فيه الجهود المختلفة المحتشدة في بوتقة واحدة هي بوتقة قضية شعب الجنوب ولكن الكتابة أمانة وعلى المرء الذي يؤمن بالحق والعدل أن يقول الحق والعدل في كل أمر يراه سواء كان يخصه أم يخص غيره حتى إذا كانوا خصومه أو محسوبين على خصومه. مع هذا فأنا أريد بهذه المقالة أن أنفع الإخوة في تعز وأنصح لهم بخصوص ما يدور هناك من صراع عقيم لا يخدم سوى المتربصين والمتنفذين في صنعاء ومن سار في فلكهم الملوث بالفساد. وبما أن الرؤية التي أنظر من خلالها إلى ما يدور في تعز هي رؤية جنوبية ثورية تحررية فإن هذه المقالة تهدف أيضاً إلى خدمة قضيتنا الأم قضية شعب الجنوب العادلة المتمثلة بالتحرير والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية. ولكن ما الذي يجري في تعز في الأيام الراهنة؟!!
أعترف أنني لست مدركاً كل الإدراك لما يدور هناك ولست عارفاً بخفايا الأمور أو متابعاً لكل صغيرة وكبيرة في المشهد التعزي الراهن، كل ما أعلمه أن هناك حملة مسعورة ضد محافظ تعز رجل الأعمال شوقي هائل ومجموعة السعيد بشكل عام، هذه الحملة يقودها حزب الإصلاح، بينما المحافظ وجزء كبير من شباب الثورة غير المتحزبين والمواطنون المستقلون وغيرهم يمثلون الطرف الأخر في هذا الصراع المؤسف الذي يغذيه من صنعاء الحاكمون السابقون واللاحقون لكي لا تقوم لهذه المدينة قائمة مع أنها هي التي فجرت ثورة الشباب الحقيقية في الشمال في مطلع 2011م فصار لها ماصار وتكالب عليها لصوص الثورات تاريخياً؛ حتى بلغ بهم الأمر أن أن يحرقوا الشباب في خيامهم في ساحة الحرية في تلك الليلة الليلاء الغادرة. ولعل الذي يدور اليوم هو امتداد لتلك المحرقة فهل يتفهم أبناء تعز للأمر؟ ويتركوا الانقسام السياسي الذي عاد وبالاً على مدينتهم الحالمة، فلا بارك الله في حزبية تتحول إلى فتنة بين أبناء المدينة الواحدة، لاسيما إذا كانت هذه المدينة هي (تعز) التي عرفت بتواد أهلها وتعايشهم وقبلوهم بعضهم من غير تعصب، فتعز هي أم الأحزاب اليمنية وهذا يدل على مدنيتها وحداثتها، وعلى فروع الأحزاب في تعز أن يراعوا أولا وأخيراً مصلحة المدينة وأريافها والعمل على استقرارها ونهضتها، فلا يحاربون بالوكالة عن مرجعياتهم في صنعاء سواء كانت مراكز أو مرجعيات حزبية أو قبلية أو جمعت بين الأمرين معاً.
فلماذا هذه الحملة على المحافظ شوقي هائل؟ وقد مر محافظون كثر على هذه المحافظة فرضتهم صنعاء عليها فلم يقم ضدهم أحد وقد كانوا على مستوى كبير من الفساد والإفساد ، فلما جاءكم محافظ من أنفسكم تعز عليه مدينتكم حركتكم أصابع السياسة لتخرجوا ضده والمهم في المحافظ أن ينهض بواجبه في هذا الظرف الاستثنائي لا أن يكون تابعاً لهذا الحزب أو ذاك، فلماذا لا تضعون محافظتكم فوق الأحزاب ومصالحها الضيقة، فالحملة على المحافظ ومجموعته التجارية إنما هي ثورة مضادة وليست ثورة أي ثورة من سرق الثورة. فلا تفتن بينكم عصابة آل الأحمر كما فتنت بين إخوانكم في عدن الجريحة حتى سالت الدماء وتقطعت الأرحام فلا بأس أن تتحزبوا ولكن لا يكون بأسكم بينكم شديداً للأن الحزبية وسيلة لخدمة المدن والأوطان.
وليس معولاً للهدم فاحرصوا على ما ينفعكم ويخدم مدينتكم و محافظتكم ولا تكونوا وسائل بيد غيركم، ممن يتربص بكم وبثورتكم ومستقبلكم، ولا يفوتني أن أوصيكم أن تقدروا إرادة إخوانكم في الجنوب في استعادة دولتهم المستقلة التي كانت لكم سنداً وعمقاً، وسوف تكون كذلك بإذن الله داعمة لكم.
لقد كانت وما تزال أسرة هائل سعيد خيراً وبركة على تعز ولهم أياد بيضاء على كل فرد تقريباً في هذه المحافظة بمن فيهم أولئك الذين يخرجون اليوم ضد المحافظ ومجموعته التجارية.
من حقنا نحن في الجنوب أن نعتب وأن نغضب على أصحاب بيت هائل- كما يسمونهم في تعز ولكن هذا العتب أو الغضب لن يبلغ مبلغ الغضب والثورة في وجه آل الأحمر سنحانهم وعمرانهم وغيرهم من المتنفذين ممن نهب الجنوب وأجهز على دولته وخيراته وثرواته.
فعلى الجنوبيين اليوم ألا يضعوا الشماليين كلهم في سلة واحدة فليسوا حساباً واحداً. فهناك الخصم والمتربص والغريم والقاتل والجاسوس وهناك المحايد والمواطن العادي وهناك المتعاطف والطالب والعامل وهناك النصير وإن قل.
إننا في الجنوب نسعى مكافحين من أجل استعادة دولتنا المستقلة المدنية الحديثة فعلينا أن نتجنب الصراعات والحروب الجانبية التي تضعفنا سواء مع غيرنا أو فيما بيننا. وليس من باب الوطنية الجنوبية ولا من باب السياسة إن نستعدي كل ما هو شمالي حتى وإن كان محايداً أو مناصراً أو لا شأن له، فمن العقل أن يساند الجنوب كل القوى المدنية في الشمال بصرف النظر عن تخاذلها أو أنها مضطهدة أو أن التجربة معها كانت مريرة لما من شأنه إضعاف القوى القبلية الحاكمة في صنعاء ولما من شأنه استقرار الجنوب بعد استقلاله. ونحن إذ نقدر حجم ما أصابنا في الجنوب فإننا ندعو إلى التحلي بالحلم وتقدير الأمور ومحاولة التقليل من أعدائنا. أما مايخص مجموعة آل السعيد وموقفهم من قضية شعب الجنوب منذ ظهورها في 1994م وحتى اليوم فهذا أمر غير واضح المعالم حتى نحسم الكلام فيه.
ثم إنهم ليسوا حزباً سياسياً حتى يكون لهم موقف واضح ومعلن من قضية شعب الجنوب، فهم لاشك مع بقاء هذه الوحدة مع أن الوحدة الحقيقية السلمية قد قضت نحبها في عام 1994م حين شنت تلك الحرب القذرة على الجنوب، لكن موقفهم هذا نابع من مصالحهم التجارية، وهناك من يتهم في الجنوب مجموعة هائل سعيد بأنها استولت أو حصلت على أراض واسعة ومواقع مهمة وامتيازات كبيرة في الجنوب من قبل النظام، بمعنى أن هناك استثمارات للمجموعة في الجنوب تعد طبيعية وقانونية وضرورية وهناك ما يدخل في باب الاستيلاء والاستحواذ والاحتكار والطرق غير القانونية وغير المشروعة وكل هذا بحاجة إلى فحص حتى تقوم الحجة البالغة وحتى لا نظلم الناس، لأننا لا نستغرب السلب والنهب والنصب و الاستيلاء من متنفذي صنعاء فقد جبلوا على ذلك في الشمال والجنوب ولكننا نستغرب ونتألم حين تكون مجموعة السعيد مشاركة بهذه الآثام الفظيعة، فالناس في الجنوب وفي عدن بالذات يقدرون هذه الأسرة ولهم عليها فضل كما أن لها عليهم فضلاً كذلك من خلال ما تقدمه من معونات خيرية كل عام. وبناء المساجد في كل مكان و معالجة للمرضى ودعم ذوي الحاجات. صحيح أن مشكلة الجنوبيين لن تحل من خلال الدعم الخيري من هنا أو من هناك ولكن نقول إن هؤلاء قاموا بواجبهم الديني والإنساني تجاه المحتاجين بوصفهم تجاراً وليس حكاماً .
أما الآن، وقد حصحص الحق وخرجت الملايين الجنوبية تطالب باستعادة الدولة الجنوبية المستقلة خروجاً لا رجعة بعده إلى أي شكل من أشكال الوحدة بين الشمال والجنوب إلا العلاقة الندية بين دولتين جارتين يفرض عليهما الواقع والدين والتاريخ والمصلحة والإنسانية، أن يتجاورا جواراً حسناً ويراعيا مصالح كل منهما ومواطنيهما وغيرها من الأمور المشتركة.
في هذا الحاضر الجنوبي الثوري وآفاقه الحرة القريبة كيف يمكن لمجموعة السعيد أن تتعامل مع الجنوب، وكيف يمكن للجنوبيين أن يتعاملوا مع هذه المجموعة التجارية العريقة؟ أنا لا أحرض صنعاء ومتنفذيها على آل السعيد لكي يتهموهم بأنهم على علاقة بالحراك الجنوبي، وماأراهم إلا قد فعلوا خاصة خلال الحملة المسعورة على آل هائل فطالما اتهمت صنعاءتعز بأن هواها مع الجنوب لكي تبتزها وتوغل في الهيمنة عليها ، وكذلك يفعلون.
لاشك أن الجنوبيين بعد استعادة دولتهم لن يسكنوا على أرض المريخ أوالمشتري فهم باقون على أرضهم ينمونها ويعمرونها وما داموا كذلك فإنهم محتاجون إلى كل استثمار حقيقي سواء أكان جنوبياً أم شمالياً أم عربياً أم أجنبياً، وبالتالي لا خوف على مصالح مجموعة هائل سعيد في الجنوب تلك التي لا غبار عليها قانونياً, وإن كان هناك شيء غير ذلك فإن دولة الجنوب الجديد ستقوم على أساس القضاء العادل في كل الميادين ومع كل الناس سواء أكانوا جنوبيين أم من أوطان أخرى، فلا خوف إذن، ولعل استثمارات مجموعة هائل في الجنوب بعد استقلاله ستكون أفضل من تلك التي في الشمال في حين ظلت القبيلة ونظامها المتخلف يسودان الشمال، المغلوب على أمره.
ومن هنا نطلب من هذه المجموعة التجارية التعزية أن تحترم إرادة شعب الجنوب في استعادة دولته ولا تسهم بأي أموال في حرب القبيلة ضد الجنوب وقضيته وحقه العادل في الاستقلال لأن هذا ضرب من العبث وأمر غير أخلاقي في ظل العلاقة العريقة بين آل هائل ومدينة عدن التي ترزح اليوم تحت نير القبيلة وجبروتها. كما نطلب من المجموعة بما لها من سلطة على (قناة السعيدة) أن توجه بعدم استفزاز الجنوبيين عبر القناة المذكورة والتحريض ضد قضيتهم العادلة وأن يلزموا المهنية والحيادية وتغطية أخبار الثورة الجنوبية التحررية. كما نوصي المجموعة بعدم مضايقة العمالة الجنوبية في شركاتها واستيعاب عدداً أكبر من العمالة وغير ذلك مما ينبغي أن تقوم به هذه المجموعة التجارية الناجحة مع إخوانهم في الجنوب إن لم يكن من باب المصلحة فمن باب الأخلاق والعشرة. وفي الوقت ذاته نوجه شبابنا ومواطنينا في الحراك الجنوبي ونناشد المكونات والقيادات إلى مراعاة الوضع الاستثنائي الذي تتمتع به مجموعة هائل سعيد أنعم في الجنوب لاسيما في عدن وعدم تهديد مصالحهم واستثماراتهم القانونية، وكسب مناصرتهم أو حياديتهم، وبشكل عام ينبغي طمأنة رأس المال الشمالي في الجنوب الذي يتمتع بوضع طبيعي وقانوني لأننا دعاة قضاء عادل ودولة حديثة وجنوب جديد، والمرء حيث يضع نفسه (ولاتزر وازرة وزر أخرى). أكرر أخيراً داعياً أبناء تعز الحالمة أن يتلاحموا ويتراحموا من أجل مصلحتهم, وأن يعرفوا جيداً من هو غريمهم ومن أين تأتيهم رياح السموم؟ والله من وراء القصد،،،